السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كثيرة ُ هي الطعونات التي وُجِهت إلى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقلما نجد صحابياً سَلِم من طعونات الحاقدين والمارقين.
فلم يكتفي هؤلاء بتوجيه الطعونات لأبي بكر وعمر وعثمان باعتبارهم غصبوا الخلافة _كما هو رأي المارقين فيهم _ بل توجهت طعوناتهم لمن نقل السنّة و الحديث الشريف .
ليكتمل بذلك طعنهم بالإسلام ككل , من بعد ما شككوا بالقرآن وادعوا أنه محرف , أو ناقص , أو مبدّل.
ولا اعرف ماذا بقيَ من الإسلام إذا كان القرآن محرّف ومغيّر, وكان من نقل السنة غير صادق وغير أمين , وكان الصحابة كلهم ارتدوا وغيّروا وبدلوا !
فكيف نتعبد الله إذا كانت كل أصول دينه كما يصفون.
وكان من بين من توجهت أقلام الطاعنين لشخصهم وعلمهم وأمانتهم : الصحابي الجليل , راوي الإسلام الأول :أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه.
ففي القديم والحديث نرى بعضاً من هؤلاء , ممن يلتمس المناسبات والفرص كي يُخرج ما في نفسه من طعن وهمز ولمز به .
فنراهم يتهمونه بوضع الأحاديث والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لصالح بني أمية ومعاوية بالتحديد .
وكان من بين من تهجم على شخص هذا الصحابي الجليل وافترى عليه الكذب واختلق عنه أسوء الطعنات: الخميني .
حيث يذكر طعناته هذه في كتابه المعرف بإسم: الحكومة الإسلامية أو ولاية الفقيه.
إن قلمي ليعجز ان يكتب عن هذا الصحابي الجليل , وكيف له أن يكتب عن عملاق من عمالقة الإسلام , وجهبذ من جهابذة الحديث الشريف. وفي نفس الوقت أخجل من أن أرى المارقين يشتمونه ويتهمونه بتفاهات أقوالهم , وكذب طعناتهم, واسكت عن ذلك.
ولأن ديننا العظيم وسنة حبيبنا الكريم قد نقل الكثير منها هذا الصحابي العظيم
فوجب عليّ على الأقل نقل ما قاله سادتنا العلماء دفاعاً عن هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه , وهو أقل القليل الذي نقدمه لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عموماً وأبا هريرة خصوصاً.
لذا سأكتفي في ردي على الخميني وعلى كل من يطعن بهذا الصحابي الجليل ويكذب على أبي هريرة بما قاله علماء الأمة نقلاً عن الدكتور علي محمد محمد الصّلاّبي , الذي أجاد وأفاد وكفّى ووفى بالرد على أعداء الأمة و أعداء السنة في انتقاصهم لأبي هريرة , وأيضاً ما قاله الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله في رده على المستشرقين في طعوناتهم على أبي هريرة رضي الله عنه.
وسأذكر هنا في هذا الموضع ما ورد على لسان الخميني في كتابه خصوصاً , وما ورد على لسان المارقين عموماً في الطعون على هذا الصحابي رضي الله عنه.
فمما ورد من طعن عن أبي هريرة في كتاب ولاية الفقيه أو الحكومة الإسلامية حينما تكلم في كتابه عن تطهير الحوزات في ص 77: (والله يعلم كم نال الإسلام من مصائب من علماء السوء هؤلاء من صدر الإسلام إلى اليوم. أبو هريرة أحد الفقهاء لكن الله يعلم كم وضع أحاديث لصالح معاوية وأمثاله وكم سبب من مصائب للإسلام).
وفي الرد على صاحب هذا الكتاب ومن على شاكلته نقول له:
أولاً: ما هي الأحاديث التي وضعها أبو هريرة لمعاوية؟ وأين هي؟
لقد غربل علماء السنة وأهل الجرح والتعديل كل الأحاديث فما وُجِد لأبي هريرة حديثاً واحداً لصالح معاوية , فأين أنت من زعمك هذا يا خميني وافترائك على هذا الصحابي الجليل؟
إن المدرسة التي تخرج منها أبو هريرة لهي أكبر مِن أن تسمح له بالكذب واختلاق الأحاديث , ذماً لفلان أو مدحاً لعلاّن , إنها المدرسة النبوية التي غرست الصدق والحياء , والإيمان والوفاء , وسائر الصفات الحسنى في قلوب وأخلاق ومعاملة تلاميذها مع غيرهم.
إن الطعن في أي صحابي من صحابة رسول الله ليس طعناً فيه شخصياً فقط بقدر ما هو طعن في النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
فمن يرمي فلان بالكذب وفلان بالافتراء وفلان بالوضع وفلان بالخيانة واغتصاب الخلافة كل هذه الاتهامات لا تقع على صاحبها بقدر ما تقع على معلمهم الأول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. فهو اتهام له بأنه قد قصّر ولم يفلح في تربية صحابته وجيله الأول من صحابته , وحاشا لله من ذلك.
ثم نرجع ونقول لصاحب هذا القول في اتهامه الكاذب, وأين كان باقي الصحابة حينما وضع أبو هريرة الأحاديث لصالح معاوية ؟.؟ هل كانوا كلهم شركاء في ذلك وموافقون له؟!
إن الصحابة الذين ربّاهم رسول الله طوال 23 عاما ً وحاربوا الأهل والولد وضحّوا وقدّموا وماتوا في سبيل ذلك لهم أكبر وأجلّ وأعظم من السكوت على الكاذب فضلاً عن موافقته.
ويتناسب هذا المقام ذكر ما قاله الدكتور علي الصلابي حينما رد شبهات الحاقدين على أبي هريرة ومن بينهم صاحب كتاب ((أبو هريرة)) المسمى ب عبد الحسين, ونجمع بينه وبين باقي المارقين في الرد عليه فننقل ما قاله الدكتور حفظه الله في ذلك من كتابه : الدولة الأموية ص 342 فيقول: (( وقد اتهمه عبد الحسين بأنه دعا الأمويين _أي أبو هريرة_في سياستهم, فتارة يفتئت الأحاديث في فضائلهم , وتارة يلفق أحاديث في فضائل الخليفتين نزولاً على رغائب معاوية وفئته الباغية. وجمع أبو رية في هذا الموضوع كل شتائم كتب الشيعة في أبي هريرة ونبش الأكاذيب والافتراءات على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتمد الكتب التي لم يعرف مؤلفوها بالصدق ولا بالتمحيص في الرواية, أو التي عُرف مؤلفوها بالبغض القاتل لأبي هريرة.
والعقيدة التي ندين بها أن أبا هريرة رضي الله عنه كان محباً لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم , وروى في فضائل الحسن والحسين أكثر من حديث , ولم يناصب العداء أهل البيت العداء قط)) .
إن محبة أبي هريرة لآل بيت النبوة تستوجب وتفرض بالبديهة كذب كل المارقين الطاعنين في أبي هريرة رضي الله عنه.
إذ حب أبو هريرة لآل البيت ليس ناشئا منه عن أهداف فاسدة وأغراض مشبوهة كما هو عند البعض , بل هو حب صادق عن طهر ونزاهة , ومتعلق هذا الحب بالله ولله تعالى لا لشيء آخر .
فمن صور محبة أبي هريرة لآل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم , ما سنذكره من أحاديث رواها أبو هريرة في الإمام علي , والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة , وفي سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء رضي الله عنهم جميعاً , وننقل ما كتبه الدكتور الصلابي في ذلك إذ يقول: (ومن العجيب أن يدعي إنسان نهل من العلم بعضه أن أبا هريرة يكره علياً وأهله رضي الله عنهم , وقد كتب الأستاذ عبد المنعم صالح العزي كتابه القيم في الدفاع عن أبي هريرة رضي الله عنه , وبيّن حبه لعلي وفاطمة رضي الله عنهما , وبين بأنه يروي منقبة علي يوم خيبر , عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال يوم خيبر:لأعطين هذه الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويفتح الله على يديه_ثم روى إعطاءه إياها, أفهذه رواية كاره لأمير المؤمنين علي رضي الله عنه ؟! .
وفي مناقب فاطمة الزهراء رضي الله عنها يروي أبو هريرة قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن فاطمة سيدة نساء أمتي.
وروى أحاديث في حب الحسن بن علي , وله معه وقائع وأخبار تدل على حب عظيم كان يكنّه للحسين.
ويروي لنا أبو هريرة صورة لحبه للحسن رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم فيقول : ( لا أزال أحب هذا الرجل بعدما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدخل أصابعه في لحية النبي صلى الله عليه وسلم , والنبي يُدخل لسانه في فمه ثم قال:اللهم إني أحبه فأحبه.
فلا غرابة بعد هذا الحب أن رأينا أبا هريرة يبكي يوم يموت الحسن ويدعوا الناس إلى البكاء, يقول من حضر ذاك اليوم: رأيت أبا هريرة قائماً على المسجد يوم مات الحسن يبكي وينادي بأعلى صوته: يا أيها الناس مات اليوم حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فابكوا...)
وممن كان قد أجاد وأفاد في الرد على شبهة كره أبو هريرة لآل بيت النبوة وفنّد هذه الفرية رداً على صاحب كتاب فجر الإسلام وعلى أبي رية وهنا يصلح أيضا كرد على الخميني أجاد في رد ذلك الدكتور السباعي رحمه الله في كتابه السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ص 322 , حيث ذكر قصة أبو هريرة مع مروان بن الحكم يوم مقتل الحسن بن علي فيقول الدكتور رحمه الله : (والعقيدة التي ندين بها أن أبا هريرة كان محباً لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم روى في فضائل الحسن والحسين أكثر من حديث, واصطدم مع مروان بن الحكم في المدينة يوم أراد المسلمون دفن الحسن مع جده رسول الله صلى الله عليه وسلم وبذلك كانت بينهما وحشة استمرت إلى قرب وفاة أبي هريرة ...) ثم بعد ذلك يقول: ( أبى أبو هريرة أن يخوض الفتنة التي وقعت بين علي ومعاوية , كما أبى أن يخوضها عدد من كبار الصحابة ... ثم يقول : هذا هو موقف أبي هريرة وماعدا ذلك فدسٌ وافتراء وتعصب كان يمليه الهوى والشعوبية فيما مضى فأصبح يمليه النفاق والجهل وسوء العقيدة الآن) .
وقال الدكتور رحمه الله في ص 324 من كتابه رداً على الاتهامات الموجهة لأبي هريرة بأنه قد ناصر الأمويين وتشيع لهم فقال: (ورأيت كيف جابه مروان بن الحكم في قضية دفن الحسن مع جده المصطفى صلى الله عليه وسلم ومروان والي المدينة وهو أموي والدولة يومئذ للأمويين ومع ذلك فقد غضب أبو هريرة لتدخل مروان في منع دفن الحسن عند الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: تدخل فيما لا يعنيك! ولما أراد أن يتخذ مروان من إكثار أبي هريرة للحديث سبيلاً إلى إسكاته أجابه ذلك الجواب الصريح العنيف , فهل ترى ذلك جواب رجل يكذب على رسول الله متهم في دينه وإسلامه متشيع لبني أمية ؟؟... أم هو الرجل الواثق من دينه وإسلامه وهجرته إلى رسول الله وحديثه عن رسول الله , حتى تمنى مروان أن لم يكن قد تحرش بابي هريرة)
فهل بعد ذلك يأتي المارقون ليلقون سمومهم الطاعنة في هذا الصحابي الجليل ويفترون عليه كذباً وزوراً ؟
إن قول المارقين ومن سايرهم باختلاق أبي هريرة الأحاديث على رسول الله أو غيره من الصحابة يوصلنا إلى أمر أخطر من مجرد كذبهم هذا.
فالصحابة هم الذين نقلوا لنا الإسلام بأحكامه وشرائعه وقرآنه, فالذي يختلق الأحاديث لهذا وذاك لحريّ ٌ به أن يضع الآيات ويحرف السور. هذه هي النتيجة التي توصلنا إذا ما تفكرنا بكلام المارقين حقاً وافتراءات هؤلاء في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولكن نختم هذا الأمر بقول الله تعالى: ((إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)).
والذكر هنا أعم من أن يكون القرآن بل يدخل فيه الشريعة كلها. فهل نصدق المارقون بطعوناتهم في أبي هريرة والصحابة أم نصدق الله رب العالمين في تعهده بحفظ دينه وشريعة نبيه صلى الله عليه وسلم؟!! .
ونرى أن نختم هذا الموضوع بكلمة للعلامة المحقق المرحوم الشيخ أحمد محمد شاكر, قال رحمه الله في أوائل مسند أبي هريرة من مسند الإمام أحمد: (وقد لهج أعداء الإسلام في عصرنا وشغفوا بالطعن في أبي هريرة وتشكيك الناس في صدقه وفي روايته , وما إلى ذلك أرادوا, وإنما أرادوا أن يصلوا _زعموا_ إلى تشكيك الناس في الإسلام تبعاً لسادتهم المبشرين...) .(ذكر هذه الكلمة الدكتور السباعي رحمه الله في كتابه ص328).
هذا هو بعضٌ من الدفاع عن أبي هريرة رضي الله عنه الذي وعى فحفظ , فأتقن وأدّى.
نسأل الله تعالى أن يبارك جهوده ويجعله في جنات النعيم مع النبيين والصديقين , وحسن أولئك رفيقاً وكفى بذلك نُزلاً.
