رد على شبهة ( قتل خالد بن الوليد مالك بن نويرة كي يتزوج امرأته ؟
هل قتل خالد بن الوليد مالك بن نويرة كي يتزوج امرأته ؟
سؤال:
أسأل عن مادة قرأتها في موقع للشيعة وقد ذكر فيه :
أن خالدا رأى امرأة مالك - وكانت فائقة الجمال - فقال مالك بعد ذلك لامرأته : قتلتني .
يعني : سأقتل من أجلك ، وقال الزمخشري وابن الأثير وأبو الفدا والزبيدي : إن مالك بن نويرة رضي الله عنه قال لامرأته يوم قتله خالد بن وليد : أقتلتني ؟ أسأل عن مدى صحة هذه الرواية .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الصحابي الجليل خالد بن الوليد سيف الله المسلول على المشركين ، وقائد المجاهدين ، القرشي المخزومي المكي ،
أسلم سنة سبع للهجرة بعد فتح خيبر وقيل قبلها ،
وتوفي سنة 21هـ ، وله من الفضائل الشيء الكثير ، ومن أهم ما جاء في فضائله :
1- عن أنس رضي الله عنه :
أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى زيدا وجعفرا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم فقال :
( أَخَذَ الرَّايَةَ زَيدٌ فَأُصِيبَ ، ثُمَّ أَخَذَ جَعفَرٌ فَأُصِيبَ ، ثُمَّ أَخَذَ ابنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ ) وَعَينَاهُ تَذرِفَانِ ( حَتَّى أَخَذَ الرَّايَةَ سَيفٌ مِن سُيُوفِ اللَّهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيهِم )
رواه البخاري (4262)
2- وعَنْ عَمْرِو بن الْعَاصِ رضي الله عنه قَالَ :
( مَا عَدَلَ بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِخَالِدِ بن الْوَلِيدِ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ مُنْذُ أَسْلَمْنَا ) رواه الحاكم في "المستدرك" (3/515) وأبو يعلى في "المسند" (13/274) وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (9/350) : ورجاله ثقات .
ثانيا :
قد تعرض هذا الصحابي الجليل لحملات من الطعن والتشويه قام عليها بعض المستشرقين الذين يتلقفون كل رواية من غير بحث ولا تدقيق ،
وقام عليها طوائف من الشيعة حقدا وغيظا من هذا الصحابي الذي أبلى بلاء حسنا في قتال الكفار ، وحماية الدولة المسلمة في عهود الخلافة الراشدة.
ومن بعض تلك الطعون القصة المشهورة في قتل مالك بن نويرة وتزوج خالد من امرأته ليلي بنت سنان .
ومالك بن نويرة يكنى أبا حنظلة ، كان شاعرا فارسا من فرسان بني يربوع ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعمله على صدقات قومه .
وقد اتفقت الروايات التاريخية على قدر مشترك ، فيه أن مالك بن نويرة قتله بعض جند خالد بن الوليد ، وأن خالدا تزوج بعد ذلك زوجته ليلى بنت سنان .
وأما سبب قتل مالك بن نويرة وذكر بعض ملابسات ذلك الحادث فقد تفاوتت الروايات في بيانه ،
إلا أن معظم قدامى المؤرخين الذين سجلوا تلك الحادثة ،
مثل الواقدي وابن إسحاق ووُثَيمة وسيف بن عمر وابن سعد وخليفة بن خياط وغيرهم ،
ذكروا امتناع مالك بن نويرة من أداء الزكاة وحبسه إبل الصدقة ،
ومنعه قومه من أدائها ، مما حمل خالدا على قتله ، من غير التفات إلى ما يُظهره من إسلام وصلاة .
قال ابن سلام في "طبقات فحول الشعراء" (172) :
" والمجمع عليه أن خالدا حاوره ورادَّه ، وأن مالكا سمح بالصلاة والتوى بالزكاة " انتهى .
وقال الواقدي في كتاب "الردة" (107-108) :
" ثم قدَّم خالدٌ مالكَ بن نويرة ليضرب عنقه ، فقال مالك :
أتقتلني وأنا مسلم أصلي للقبلة ؟! فقال له خالد : لو كنتَ مسلما لما منعت الزكاة ، ولا أمرت قومك بمنعها ." انتهى .
كما تواتر على ذكر ذلك من بعدهم من المؤرخين كالطبري وابن الأثير وابن كثير والذهبي وغيرهم .
وتتحدث بعض الروايات عن علاقة بين مالك بن نويرة وسجاح التي ادعت النبوة ، وتشير أيضا إلى سوء خطابٍ صدر من مالك بن نويرة ، يفهم منه الردة عن دين الإسلام ،
كما ذكر ذلك ابن كثير في "البداية والنهاية" (6/322) فقال :
" ويقال : بل استدعى خالد مالك بن نويرة ، فأنَّبَه على ما صدر منه من متابعة سجاح ، وعلى منعه الزكاة ، وقال : ألم تعلم أنها قرينة الصلاة ؟ فقال مالك : إن صاحبكم كان يزعم ذلك .
فقال : أهو صاحبنا وليس بصاحبك ؟! يا ضرار اضرب عنقه ، فضربت عنقه ." انتهى .
إذن فلماذا أنكر بعض الصحابة على خالد بن الوليد قتل مالك بن نويرة ، كما فعل عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وأبو قتادة الأنصاري ؟
يمكن تلمس سبب ذلك من بعض الروايات ، حيث يبدو أن مالك بن نويرة كان غامضا في بداية موقفه من الزكاة ، فلم يصرح بإنكاره وجوبها ، كما لم يقم بأدائها ، فاشتبه أمره على هؤلاء الصحابة ، إلا أن خالد بن الوليد أخذه بالتهمة فقتله ، ولما كان مالك بن نويرة يظهر الإسلام والصلاة كان الواجب على خالد أن يتحرى ويتأنى في أمره ، وينظر في حقيقة ما يؤول إليه رأي مالك بن نويرة في الزكاة ، فأنكر عليه من أنكر من الصحابة رضوان الله عليهم .
جاء في البداية والنهاية لابن كثير رحمه الله (6/322) :
" فبث خالد السرايا في البطاح يدعون الناس ، فاستقبله أمراء بني تميم بالسمع والطاعة ، وبذلوا الزكوات ، إلا ما كان من مالك بن نويرة ، فكأنه متحير في أمره ، متنح عن الناس ، فجاءته السرايا فأسروه وأسروا معه أصحابه ، واختلفت السرية فيهم ، فشهد أبو قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري أنهم أقاموا الصلاة ، وقال آخرون إنهم لم يؤذنوا ولا صلوا ." انتهى .
ولما كان مالك بن نويرة من وجهاء قومه وأشرافهم ، واشتبه موقفه في بداية الأمر ، شكا أخوه متمم بن نويرة ما كان من خالد إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه ،
فعاد ذلك بالعتاب على خالد ، وتخطئته في إسراعه إلى قتل مالك بن نويرة ، قبل رفع أمره إلى أبي بكر الصديق وكبار الصحابة رضوان الله عليهم .
روى خليفة بن خياط (1/17) قال :
" حدثنا علي بن محمد عن أبي ذئب عن الزهري عن سالم عن أبيه قال :
قدم أبو قتادة على أبي بكر فأخبره بمقتل مالك وأصحابه ، فجزع من ذلك جزعا شديدا ، فكتب أبو بكر إلى خالد فقدم عليه . فقال أبو بكر :
هل يزيد خالد على أن يكون تأول فأخطأ ؟ ورد أبو بكر خالدا ، وودى مالك بن نويرة ، ورد السبي والمال ." انتهى .
وقال ابن حجر في "الإصابة" (5/755) :
" فقدم أخوه متمم بن نويرة على أبي بكر ، فأنشده مرثية أخيه ، وناشده في دمه وفي سبيهم ، فرد أبو بكر السبي .
وذكر الزبير بن بكار أن أبا بكر أمر خالدا أن يفارق امرأة مالك المذكورة ، وأغلظ عمر لخالد في أمر مالك ، وأما أبو بكر فعذره ." انتهى .
يتبع إن شاء الله