بسم الله الرحمن الرحيم
القول الفصل في فدك وأموال الصدقة وما يدعيه الشيعة من أغتصابها
**********************************************
كثيرا ً ما يطعن الشيعة في أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب حيث لم يسلما أرض فدك الى فاطمة رضي الله عنهم أجمعين ، ويتخذوها دليل على ظلم الشيخين لآل البيت وعدم العدالة في خلافتهما . والذي يطلع على القصة وحقيقة ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل في أموال الصدقات وما أفاء الله عليه من أراضي اليهود بعد فتحها يتضح له نزاهة الشيخين رضي الله عنهما كما يتضح أن هذه الأدعاءات إنما هي من حاقد يتصيد كلمة من هنا وعبارة من هناك فيجعل منها تهمة غير مطلع على الأحاديث الصحيحة ولا على سير الخلفاء الراشدون بل وغالبا ً غير مطلع على سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم من الكتب الموثوقة والمعروفة قديما ً وحديثا ً ..
ولأن قصة ميراث فاطمة رضي الله عنها لا تزال محل جدل في كثير من المنتديات والمجالس رأيت أن أنشر بحثا ًصغيرا ًموضحة فيه هذا الأشكال ومن كتب الصحاح ومن الله العون .
ما جاء في الصحاح
من صحيح البخاري الجزء الثاني ، مع حاشية السندي
( باب نفقة نساء النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته ):
حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( لا يقتسم ورثتي دينارا ً ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤونة عاملي فهو صدقة )
عن موسوعة الحديث صحيح البخاري ( 2863)
حدثنا إسحاق بن محمد الفروي حدثنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان وكان محمد بن جبير ذكر لي ذكرا من حديثه ذلك فانطلقت حتى أدخل على مالكبن أوس فسألته عن ذلك الحديث فقال مالك
بينا أناجالس في أهلي حين متع النهار إذا رسول عمر بن الخطاب يأتيني فقال أجب أميرالمؤمنين فانطلقت معه حتى أدخل على عمر فإذا هو جالس على رمال سرير ليس بينهوبينه فراش متكئ على وسادة من أدم فسلمت عليه ثم جلست فقال يا مال إنه قدم علينا من قومك أهل أبيات وقد أمرت فيهم برضخ فاقبضه فاقسمه بينهمفقلت يا أمير المؤمنين لو أمرت به غيري قال اقبضه أيها المرء فبينا أنا جالس عندهأتاه حاجبه يرفا فقال هل لك في عثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد بن أبي وقاص يستأذنون قال نعم فأذن لهم فدخلوا فسلموا وجلسوا ثم جلس يرفا يسيرا ثم قال هل لك في علي وعباس قال نعم فأذن لهما فدخلا فسلمافجلسا فقال عباس يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا وهما يختصمان فيما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم من مال بني النضير فقال الرهط عثمان وأصحابه يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر قال عمر تيدكم أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون أن رسولالله صلى الله عليه وسلم قال لا نورث ما تركنا صدقة يريد رسول الله صلىالله عليه وسلم نفسه قال الرهط قد قال ذلك فأقبل عمر على علي وعباس فقال أنشدكما الله أتعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال ذلكقالا قد قال ذلك قال عمر فإني أحدثكم عن هذا الأمر إن الله قد خص رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الفيء بشيء لم يعطه أحدا غيره ثم قرأ
فكانت هذه خالصة لرسول الله صلى اللهعليه وسلم والله ما احتازها دونكم ولا استأثر بها عليكم قد أعطاكموهاوبثها فيكم حتى بقي منها هذا المال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفقعلى أهله نفقة سنتهم من هذا المال ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله فعمل رسولالله صلى الله عليه وسلم بذلك حياته أنشدكم بالله هل تعلمون ذلك قالوا نعم ثمقال لعلي وعباس أنشدكما بالله هل تعلمان ذلك قال عمر ثم توفى اللهنبيه صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر أنا ولي رسول الله صلى اللهعليه وسلم فقبضها أبو بكر فعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليهوسلم والله يعلم إنه فيها لصادق بار راشد تابع للحق ثم توفى الله أبا بكر فكنت أنا ولي أبي بكر فقبضتها سنتين من إمارتي أعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وما عمل فيها أبو بكر والله يعلم إني فيها لصادقبار راشد تابع للحق ثم جئتماني تكلماني وكلمتكما واحدة وأمركما واحد جئتني يا عباس تسألني نصيبك من ابن أخيك وجاءني هذا يريد عليا يريد نصيب امرأته منأبيها فقلت لكما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا نورث ما تركنا صدقةفلما بدا لي أن أدفعه إليكما قلت إن شئتما دفعتها إليكما على أن عليكما عهد اللهوميثاقه لتعملان فيها بما عمل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما عملفيها أبو بكر وبما عملت فيها منذ وليتها فقلتما ادفعها إلينا فبذلك دفعتهاإليكما فأنشدكم بالله هل دفعتها إليهما بذلك قال الرهط نعم ثم أقبل على علي وعباس فقال أنشدكما بالله هل دفعتها إليكما بذلك قالا نعم قال فتلتمسان منيقضاء غير ذلك فوالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيها قضاء غير ذلك فإنعجزتما عنها فادفعاها إلي فإني أكفيكماها
فتح الباري بشرح صحيح البخاري
حديث عمر مع العباس وعلي , وقع قبله في رواية أبي ذر وحده قصة فدك , وكأنها ترجمة لحديث من أحاديث الباب , وقد بينت أمر فدك في الذي قبله
قوله : ( حدثنا إسحاق بن محمد الفروي )
هو شيخ البخاري الذي تقدم قريبا في " باب قتال اليهود " وقد حدث عنه بواسطة كما تقدم في الصلح , وفي رواية ابن شبويه عن الفربري " حدثنا محمد بن إسحاق الفروي " وهو مقلوب , وحكى عياض عن رواية القابسي مثله قال : وهو وهم . قلت : وهذا الحديث مما رواه مالك خارج الموطأ وفي هذا الإسناد لطيفة من علوم الحديث مما لم يذكره ابن الصلاح وهي تشابه الطرفين , مثاله ما وقع هنا : ابن شهاب عن مالك وعنه مالك , الأعلى ابن أوس والأدنى ابن أنس
قوله : ( وكان محمد بن جبير )
أي : ابن مطعم
( قد ذكر لي ذكرا من حديثه ذلك )
أي : الآتي ذكره
قوله : ( فانطلقت حتى أدخل )
كذا فيه بصيغة المضارعة في موضع الماضي في الموضعين , وهي مبالغة لإرادة استحضار صورة الحال , ويجوز ضم " أدخل " على أن حتى عاطفة , أي انطلقت فدخلت , والفتح على أن حتى بمعنى إلى أن
قوله : ( مالك بن أوس )
ابن الحدثان بفتح المهملتين والمثلثة , وهو نصري بالنون المفتوحة والصاد المهملة الساكنة , وأبوه صحابي , وأما هو فقد ذكر في الصحابة , وقال ابن أبي حاتم وغيره لا تصح له صحبة , وحكى ابن أبي خيثمة عن مصعب , أو غيره أنه ركب الخيل في الجاهلية قلت : فعلى هذا لعله لم يدخل المدينة إلا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم كما وقع لقيس بن أبي حازم : دخل أبوه وصحب وتأخر هو مع إمكان ذلك , وقد تشارك أيضا في أنه قيل في كل منهما إنه أخذ عن العشرة وليس لمالك بن أوس هذا في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في البيوع , وفي صنيع ابن شهاب ذلك أصل في طلب علو الإسناد لأنه لم يقتنع بالحديث عنه حتى دخل عليه ليشافهه به , وفيه حرص ابن شهاب على طلب الحديث وتحصيله
( تنبيه :
ظن قوم أن الزهري تفرد برواية هذا الحديث , فقال أبو علي الكرابيسي : أنكره قوم وقالوا هذا من مستنكر ما رواه ابن شهاب , قال : فإن كانوا علموا أنه ليس بفرد فهيهات , وإن لم يعلموا فهو جهل , فقد رواه عن مالك بن أوس عكرمة بن خالد , وأيوب بن خالد , ومحمد بن عمرو بن عطاء وغيرهم
قوله : ( حين متع النهار )
بفتح الميم والمثناة الخفيفة بعدها مهملة أي : علا وامتد , وقيل هو ما قبل الزوال ووقع في رواية مسلم من طريق جويرية عن مالك " حين تعالى النهار " وفي رواية يونس عن ابن شهاب عند عمر بن شبة " بعدما ارتفع النهار "
قوله : ( إذا رسول عمر )
لم أقف على اسمه , ويحتمل أن يكون هو يرفأ الحاجب الآتي ذكره
قوله : ( على رمال سرير )
بكسر الراء وقد تضم , وهو ما ينسج من سعف النخل وأغرب الداودي فقال : هو السرير الذي يعمل من الجريد , وفي رواية جويرية " فوجدته في بيته جالسا على سرير مفضيا إلى رماله , أي ليس تحته فراش , والإفضاء إلى الشيء لا يكون بحائل , وفيه إشارة إلى أن العادة أن يكون على السرير فراش
قوله : ( فقال يا مال )
كذا هو بالترخيم أي : مالك , ويجوز في اللام الكسر على الأصل , والضم على أنه صار اسما مستقلا فيعرب إعراب المنادى المفرد
قوله : ( إنه قدم علينا من قومك )
أي : من بني نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن وفي رواية جويرية عند مسلم " دف أهل أبيات " أي : ورد جماعة بأهليهم شيئا بعد شيء يسيرون قليلا قليلا , والدفيف السير اللين , وكأنهم كانوا قد أصابهم جدب في بلادهم فانتجعوا المدينة
قوله : ( برضخ )
بفتح الراء وسكون المعجمة بعدها خاء معجمة أي : عطية غير كثيرة ولا مقدرة )
وقوله : ( لو أمرت به غيري )
قاله تحرجا من قبول الأمانة , ولم يبين ما جرى له فيه اكتفاء بقرينة الحال , والظاهر أنه قبضه لعزم عمر عليه ثاني مرة
قوله : ( أتاه حاجبه يرفا )
بفتح التحتانية وسكون الراء بعدها فاء مشبعة بغير همز وقد تهمز وهي روايتنا من طريق أبي ذر , ويرفا هذا كان من موالي عمر أدرك الجاهلية ولا تعرف له صحبة , وقد حج مع عمر في خلافة أبي بكر , وله ذكر في حديث ابن عمر , قال " قال عمر لمولى له يقال له يرفا إذا جاء طعام يزيد بن أبي سفيان فأعلمني " فذكر قصة وروى سعيد بن منصور عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق عن يرفا قال " قال لي عمر : إني أنزلت نفسي من مال المسلمين منزلة مال اليتيم " وهذا يشعر بأنه عاش إلى خلافة معاوية
قوله : ( هل لك في عثمان )
أي : ابن عفان
( وعبد الرحمن )
, ولم أر في شيء من طرفه زيادة على الأربعة المذكورين إلا في رواية للنسائي , وعمر بن شبة من طريق عمرو بن دينار عن ابن شهاب وزاد فيها " وطلحة بن عبيد الله " وكذا في رواية الإمامي عن ابن شهاب عند عمر بن شبة أيضا , وكذا أخرجه أبو داود من طريق أبي البختري عن رجل لم يسمه قال " دخل العباس وعلي " فذكر القصة بطولها وفيها ذكر طلحة لكن لم يذكر عثمان
قوله : ( فأذن لهم فدخلوا )
في رواية شعيب في المغازي " فأدخلهم "
قوله : ( ثم قال : هل لك في علي وعباس )
زاد شعيب يستأذنان
قوله : ( فقال عباس يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا )
زاد شعيب ويونس " فاستب علي وعباس " وفي رواية عقيل عن ابن شهاب في الفرائض " اقض بيني وبين هذا الظالم ; استبا " وفي رواية جويرية " وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن " ولم أر في شيء من الطرق أنه صدر من علي في حق العباس شيء بخلاف ما يفهم قوله في رواية عقيل " استبا " واستصوب المازري صنيع من حذف هذه الألفاظ من هذا الحديث وقال : لعل بعض الرواة وهم فيها وإن كانت محفوظة , فأجود ما تحمل عليه أن العباس قالها دلالا على علي لأنه كان عنده بمنزلة الولد , فأراد ردعه عما يعتقد أنه مخطئ فيه , وأن هذه الأوصاف يتصف بها لو كان يفعل ما يفعله عن عمد , قال : ولا بد من هذا التأويل لوقوع ذلك بمحضر الخليفة ومن ذكر معه , ولم يصدر منهم إنكار لذلك مع ما علم من تشددهم في إنكار المنكر
قوله : ( وهما يختصمان فيما أفاء الله على رسوله من مال بني النضير )
يأتي القول فيه قريبا
قوله : ( فقال الرهط )
في رواية مسلم " فقال القوم " وزاد " فقال مالك بن أوس : يخيل إلي أنهم قد كانوا قدموهم لذلك " قلت : ورأيت في رواية معمر عن الزهري في مسند ابن أبي عمر " فقال الزبير بن العوام : اقض بينهما " فأفادت تعيين من باشر سؤال عمر في ذلك
قوله : ( تئيدكم )
كذا في رواية أبي ذر بفتح المثناة وكسر التحتانية مهموز , وفتح الدال , قال ابن التين أصلها تيدكم , والتؤدة : الرفق ووقع في رواية الأصيلي بكسر أوله وضم الدال وهو اسم فعل كرويدا أي اصبروا وأمهلوا وعلى رسلكم وقيل إنه مصدر تاد يتيد , كما يقال سيروا سيركم ورد بأنه لم يسمع في اللغة ويؤيد الأول ما وقع في رواية عقيل وشعيب " أتيدوا " أي : تمهلوا وكذا عند مسلم وأبي داود وللإسماعيلي من طريق بشر بن عمر عن مالك " فقال عمر أيتد " بلفظ الأمر للمفرد
قوله : ( أنشدكما أتعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال ذلك )
كذا فيه , وفي رواية مسلم " قالا نعم " ومعنى أنشدكما أسألكما رافعا نشدي أي : صوتي
قوله : ( إن الله قد خص رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الفيء بشيء )
في رواية مسلم " بخاصة لم يخصص بها غيره " وفي رواية عمرو بن دينار عن ابن شهاب في التفسير " كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله , فكانت له خاصة , وكان ينفق على أهله منها نفقة سنة ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع عدة في سبيل الله " وفي رواية سفيان عن معمر عن الزهري الآتية في النفقات " كان النبي صلى الله عليه وسلم يبيع نخل بني النضير ويحبس لأهله فوت سنتهم " أي : ثمر النخل وفي رواية أبي داود من طريق أسامة بن زيد عن ابن شهاب " كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث صفايا : بنو النضير , وخيبر , وفدك فأما بنو النضير فكانت حبسا لنوائبه , وأما فدك فكانت حبسا لأبناء السبيل , وأما خيبر فجزأها بين المسلمين ثم قسم جزءا لنفقة أهله , وما فضل منه جعله في فقراء المهاجرين " ولا تعارض بينهما لاحتمال أن يقسم في فقراء المهاجرين وفي مشتري السلاح والكراع , وذكر مفسر لرواية معمر عند مسلم ويجعل ما بقي منه مجعل مال الله وزاد أبو داود في رواية أبي البختري المذكورة " وكان ينفق على أهله ويتصدق بفضله " وهذا لا يعارض حديث عائشة " أنه صلى الله عليه وسلم توفي ودرعه مرهونة على شعير " لأنه يجمع بينهما بأنه كان يدخر لأهله قوت سنتهم ثم في طول السنة يحتاج لمن يطرقه إلى إخراج شيء منه فيخرجه , فيحتاج إلى أن يعوض من يأخذ منها عوضه , فلذلك استدان
قوله : ( ما اجتازها )
كذا للأكثر بحاء مهملة وزاي معجمة , وفي رواية الكشميهني بخاء معجمة وراء مهملة , هذا ظاهر في أن ذلك كان مختصا بالنبي صلى الله عليه وسلم , إلا أنه واسى به أقرباءه وغيرهم بحسب حاجتهم , ووقع في رواية عكرمة بن خالد عن مالك بن أوس عند النسائي ما يؤيد ذلك
قوله : ( ثم قال لعلي وعباس : أنشدكما الله هل تعلمان ذلك ؟ )
زاد في رواية عقيل " قالا نعم "
قوله : ( ثم توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر : أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقبضها أبو بكر , فعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم )