-
الشخصية الأمريكية
اسم المؤلف: د. باسم خفاجي.
معلومات الإصدار:
اسم الإصدار: الشخصية الأمريكية وصناعة القرار السياسي الأمريكي.
الناشر: المركز العربي للدراسات الإنسانية.
الطبعة: الأولى.
تاريخ النشر: 2005م.
عدد الصفحات: 113.
"أمريكا .. ذلك المزيج العجيب من التناقض والتميز والفساد أيضا. الشخصية الأمريكية ليست شخصية بسيطة أو سطحية، إنها خليط من المتناقضات التي ساهمت في مدنية العالم، وفي شقاء كثير من الشعوب ومعاناتها أيضا".
بهذه الكلمات يفتتح المؤلف كتابه، ويوضح الهدف منه بقوله: يهدف هذا الكتاب إلى معرفة ملامح الشخصية الأمريكية ذات التأثير المباشر في الحياة السياسية وصناعة القرار في الولايات المتحدة الأمريكية.
ثم يعرج بعد ذلك وتحت عنوان (في البدء) إلى سرد أقوال عن أمريكا لعدد من المفكرين والكتاب والإعلاميين، مثل:
( أمريكا هي مرادف الفرصة) الفيلسوف الأمريكي: رالف والدو إيمرسون.
( إن الشخصية الأمريكية جافة انعزالية باردة وقاتلة أيضا) الكاتب البريطاني: د إتش لورانس.
( أمريكا هي المكان الذي يمكن فيه لبائع يهودي أن يبيع قلادة الحب البوذية إلى إنسان لا يؤمن بأي دين في مناسبة عيد ميلاد المسيح) الكاتب الأمريكي: جون بورتون بريمر.
( إن أمريكا هي آخر مكان في العالم يتقبل الاعتراف بأخطائه، هذا البلد مصاب بفقدان الذاكرة الجغرافية والتاريخية) رافن سيلفيا، مذيع أمريكي من الهنود الحمر.
تاريخ الشخصية الأمريكية
يستعرض المؤلف في الفصل الثاني تاريخ الشخصية الأمريكية من أوجه مختلفة، فيطرح بداية سؤال: من الأمريكي؟
ويقول: نشأت أمريكا كدولة وكمجتمع مدني على جموع المهاجرين من أوروبا منذ ثلاثة قرون، ولذلك فإن أغلب الأمريكيين الأوائل كانت أصولهم أوروربية. جمعت بين المهاجرين ظروف وصفات مشتركة عديدة، إضافة إلى عوامل اجتماعية ساهمت في اتخاذهم لقرار الهجرة من أوروبا إلى الولايات المتحدة.
المهاجر لا يقرر فقط الذهاب إلى مجتمع جديد، ولكنه يقرر ابتداء التخلي عن مجتمع عاش فيه أجداده ونشأ وتربى فيه.
لتكوين النفسي للمهاجرين: حمل الأمريكيون معهم رغبة في حياة جديدة تتخلص من الأعباء النفسية الأوروبية عبر عن ذلك أحد مؤسسي الدولة الأمريكية إبراهام لنكولن قائلا: (الأمريكيون لا يهتمون كثيرا بمن كان أجدادهم.. المهم من هم الآن).
بين الجغرافيا والتاريخ: حبا الخالق أمريكا بالكثيرمن الجغرافيا، والقليل من التاريخ. أمريكا بلد غني في الموارد بلا حدود، وخفيف في أثقال التاريخ وحمولاته، وهو ما لم يتمتع به غيره.
الدين والمهاجرون الأوائل: كان الدين أحد المحركات المهمة للحركة الاجتماعية للمهاجرين الأوائل للعالم الجديد.
وعُرفت طائفة البيوريتانيين "التطهيريين"، التي فرت من اضطهاد الكنيسة الإنجليزية إلى القارة الأمريكية، بأنها وضعت مرضاة الرب ضمن أهم اهتماماتها لنشأة المجتمع الجديد، لكن البيوريتانية جمعت التقاليد الدينية البروتستانتية مع فكر مارتن لوثر وكالفن الذي يربط بين التقوى وبين النجاح الدنيوي.
وتحول الدين في أمريكا تدريجيا ليصبح خادما للإنسان الأمريكي وللمشروع الأمريكي، وكما يقول هارولد بلوم في كتابه (الدين الأمريكي)، فإن المسيحية الأمريكية تجربة نفعية براجماتية أمريكية، وأن "يسوع الأمريكي" أقرب لما هو أمريكي مما هو مسيحي.
أمريكا شركة أم دولة؟: بدأ الاستقرار في أمريكا مشروعا تجاريا لشركة فرجينيا التي امتلكت امتياز نقل المهاجرين إلى العالم الجديد، وكانت فكرة الربح وسيطرة رأس المال فكرة موجودة لدى العديد ممن قدموا إلى أمريكا للكسب المادي بطرق مشروعة أو غير مشروعة، ومع الوقت تحول مشروع الشركة إلى دولة، وانقسم المجتمع الأمريكي إلى من يحمي الدولة، ومن يدافع عن حقوق الشركة، وإلى من يتحمس لفكر الشركة، ومن يتحمس لسلطة الدولة، ومع مضي الوقت اقتنع الطرفان أن القانون هو الملاذ الوحيد لضمان حماية الجميع من أنفسهم ومن منافسيهم.
الوفرة والتوسع والسياسة الخارجية: قدم المهاجرون إلى قارة غنية بالموارد الطبيعية، فالقارة الأمريكية تمتلك أهم الموارد الاقتصادية في العالم كله.
لقد أدى الدين والفكر النفعي دورا مهما في تسويغ سرقة القارة الأمريكية وتقنين نهبها، وتنفيذ مشروع التوسع للاستيلاء على كامل القارة.
واحتاجت أمريكا إلى السياسة الخارجية منذ الأيام الأولى لها، فقد قدم المستعمر الأوروربي إلى قارة مأهولة بشعب لا يجيد فنون المراوغة والتحايل والنهب الأوروبي.. وكانت أمريكا بالنسبة لأوروبا هي مشروع المستقبل، لم تكن أوروبا تقبل بفكرة أن يكون للعالم الجديد استقلال عن القارة الأم.
ولذلك احتاج الأمريكي منذ البدء إلى السياسة الخارجية ليستخدمها بصفاتها الاستعمارية والإمبريالية لنهب ساكني القارة، وليوقف أطماع أوروبا الراغبة في تحويل القارة إلى مصدر خيرات المستقبل لها.
موازنة بين الأمريكي والأوروبي
يقول المؤلف: كثيرا ما ينظر المراقبون والمحللون في العالم العربي إلى الشخص الأمريكي والشخص الأوروربي كأنهما نموذج واحد يمكن أن يطلق عليه "الشخص الغربي"، وقد يكون في هذا التعميم بعض الصحة في الجوانب الاجتماعية والأخلاقية، أما في النواحي الفكرية والثقافية والرؤى العامة للحياة، فإن الفوارق بين الشخصيتين تجعل من غير المقبول جمعهمها تحت إطار واحد.
وقد خصص الفصل الثالث لبيان هذه الفروقات بين الشخصيتين في العديد من الأمور، وهي:
- الأولويات العامة: يهتم الأوروبيون بلهجة المتكلم التي تدل على طبقته الاجتماعية، ودينه الذي يحدد هويته، وخلفيته العرقية التي تحدد مكانته. أما الأمريكيون فيهتمون بالقوة المالية للإنسان، وعلاقاته وقدراته الشخصية، ويرون اللكنة أو الدين أو الطبقة الاجتماعية من توافه الأمور.
- الإبداع والابتكار: يعشق الأوروبيون ابتكار النظريات، أما الأمريكيون فيعشقون تطبيق الأفكار وتحويلها إلى واقع مشهود.
- الولع بالقوة: الشخصية الأمريكية تعشق القوة بل تعبدها، وتقلل من شأن القيم والمباديء في الحياة مقابل القوة، لا يعني ذلك أن امريكا تمثل مجتمعا بلا مباديء، ولكنها تلي القوة من ناحية الأولويات.
وفي المقابل فإن الأوروبي يعاني عقدة الذنب عندما يتحدث عن القوة، فعندما اجتمعت للأوروبيين القوة حاولوا تدمير العالم مرتين.
ومن أجل ذلك يتغنى الأوروبيون اليوم بالمباديء الدولية وحقوق الدول، بينما تاريخهم يشهد أنهم دهسوا كل هذه الحقوق عندما اجتمعت لهم القوة ولم يحسنوا استخدامها. الأمريكيون لا يعانون تلك العقدة بعد.
- المبادئ في مقابل القوة: إذا كان الأوربيون يعانون اليوم عقدة الذنب تجاه امتلاك القوة، فالأمريكيون يعانون مشكلة النهم والغربة الدائمة في امتلاك القوة، فهناك فارق آخر بين الشخصيتين من ناحية علاقة القوة بالمبادئ.
فالشعوب الأوربية لا تزال تقدم المبادئ السياسية على القوة السياسية، ولذلك استمر صراع الشعب الأيرلندي ضد التاج البريطاني طوال خمسة قرون، حتى مع ضعف الأيرلنديين في مواجهة الإمبراطورية البريطانية التي كانت الشمس لا تغيب عنها ذات يوم.
- العلم الأمريكي والفن الأوروبي: الشخصية الأمريكية تقدم القوة على الفن حتى في المهارات الإبداعية، وهذه ملاحظة عامة لا تخلو من استثناءات، لكن يلاحظ إجمالا اهتمام الرياضي الأمريكي مثلا بالقوة البدنية، بينما يهتم الرياضي الأوروبي بالمهارة.
الأمريكي يحول كل شيء في الحياة إلى علم يبنى على خطوات وبرامج محددة، أما أوروبا فإنها تمثل العالم القديم في تقدير الفن والمهارة الشخصية في الإبداع.
- بين الماضي والمستقبل: تعشق أوروبا الماضي بينما تعشق أمريكا المستقبل. الشخص الأوروبي يحب زيارة المتاحف التاريخية، بينما يهتم الشخص الأمريكي بزيارة متاحف العلوم والتقنية.
- الحرية الفردية وسلطة الدولة: يميل الأمريكيون إلى تقديم الحرية الفردية على الضمان الاجتماعي، الذي يمكن أن تقدمه الدولة للأفراد مقابل التنازل عن بعض حقوقهم في الحريات الفردية، أما في أوروبا، فيميل الأوروبيون إلى تقديم حماية الدولة الاجتماعية على الحرية الفردية.
- الدين ومشروع العلمانية: بين العلمانية الأوروربية والعلمانية الأمريكية فروق كبيرة فيما يتعلق بالدين، فعلى الرغم من كون كل من المجتمعين يرى الفصل بين الدين والسلطة، وكليهما مقتنعا بأن الحياة العلمانية هي الصورة الأفضل للمجتمع المدني المعاصر، فإن التعامل مع الدين في كلا المجتمعين مختلف تماما.
أوروبا أقامت مدنيتها المعاصرة على اصطناع العداء مع الدين.. كل دين، بينما قامت العلمانية الأمريكية على توظيف الدين، وإحالته إلى عمل دعائي إعلامي يخدم مشروع العلمانية الأمريكية.
- تأثير اليهود في علاقة السلطة بالمجتمع: ساهم اليهود في تطوير المشروع العلماني بقوة في الحياة الأمريكية في القرن الماضي، خاصة ما يتعلق بعلاقة السلطة بالأفراد، ودور الدين في ذلك، أما في أوروبا فلم يتمكن اليهود من ممارسة الدور نفسه، لنمو الكراهية بين الأقليات اليهودية والشعوب الأوروبية.
ملامح الشخصية الأمريكية
يخصص المؤلف الفصل الرابع للحديث عن الشخصية الأمريكية، ويصدره بهذه الكلمات: الحرية الأمريكية تحولت إلى غطاء مقنع للسيطرة على الإنسان، من خلال تغيير الاهتمامات، وإعادة تشكيل الهويات.
وبعد ذلك يمكن أن يترك للجماهير حرية الاختيار، فمهما تنوعت هذه الخيارات، فهي في النهاية ستعبر عن رغبات السادة، فقد تم تغيير نمط التفكير ليوافق ما يريدون.
ويقول: المجتمع الأمريكي معقد ومتشابك ومتناقض أيضا، وهذا الخليط هو سمة رئيسية من سمات المجتمع الأمريكية المعاصر، ولذلك فليس من الممكن أو من المناسب أن تعمم الأحكام على أشخاص بأعينهم، ولكن هدف الكتاب هو تحديد الصفات المشتركة والشائعة ضمن التركيبة السكانية الحالية داخل الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد جمع 19 سمة من سمات الشخصية الأمريكية، وهي:
1- الفردانية.
2- الشعور بالاستثنائية.
3- النفعية والبراجماتية.
4- التناقض.
5- معضلة الحرية.
6- الرغبة في التوسع.
7- تقديس العمل والاعتماد على الذات.
8- الميل نحو العنف.
9- الإعجاب بالإصرار والضغط.
10- سرعة الإيقاع.
11- القسوة في التعامل مع الأعداء.
12- تقديم القوة على المبادئ.
13- كل شي يمكن أن يشترى.
14- نقص الاهتمامات السياسية.
15- عدم الاهتمام بماضي الأشخاص.
16- العطف على المنبوذين.
17- العمل المؤسسي والجماعي.
18- النقد الذاتي والإصلاح المستمر.
19- حب الاقتناء والاستهلاك.
صناعة القرار
بعد التعرف على الشخصية الأمريكية بتناقضاتها، ينتقل المؤلف في الفصل الخامس إلى الحديث عن "صناعة القرار"، ويقول: العملية السياسية الأمريكية مبرمجة، وذات خطوات محددة ومعروفة من قبل لكل من يرغب في المشاركة فيها، ولذلك فنحن لسنا في حاجة إلى الابتكار في هذا المجال بقدر ما نحن في حاجة إلى الفهم، وحسن استغلال الإمكانات المتاحة لتحقيق أكبر أثر ممكن.
ويتعرض لصناعة القرار من ثلاثة أوجه:
الأول: التأثير في السياسي الأمريكي
يفكر السياسي الأمريكي دائما في مصلحته الشخصية، وليس في قضية أمتنا سواء عادلة كانت أم غير عادلة.
فإذا أردنا أن يكون لنا فيها محل قدم، فلا مفر من استخدام المال أو القدرة على حشد الأصوات الانتخابية في الدوائر التي تهتم بمرشحيها، ونشعر بتعاطفهم معنا، ويأتي بعد ذلك الحديث عن عدالة القضية أو موقف الأمة، وليس قبل أن نوفر المال أو الأصوات.
الثاني: التأثير في الناخب الأمريكي
ومن خلال فهم الشخصية الأمريكية يمكن ان يتم التأثير فيها سياسيا من خلال المحورين الآتيين:
- العمل من خلال مؤسسات المجتمع المدني، وتقديم نماذج واقعية وعملية للشخصية المسلمة المتميزة.
- الاهتمام بالإعلام المحلي لنقل صور إيجابية عن العرب والإسلام والمسلمين، وتكمن أهمية ذلك في أن المواطن الأمريكي لا يهتم كثيرا بالسياسة الخارجية، ولكنه يضع اهتماما كبيرا بالأمور المحلية.
الثالث: التأثير في العملية السياسية
لابد للعرب والمسلمين من إيجاد قوة ضغط رسمية داخل العملية السياسية الأمريكية، أي إنشاء لوبي عربي إسلامي يتولى حشد الأصوات والأموال للتأثير السياسي طويل المدى، وليس التأثير الانفعالي ردا على موقف بعينه أو قرار محدد.
إن الشخصية الأمريكية ترحب بالضغط عليها، ولذلك لابد لنا من الإصرار على مواقفنا، وحشد الآراء لها، والاستفادة من التيارات الأكاديمية الأمريكية في دعم تصوراتنا.
مستقبل أمريكا
الفصل الأخير في الكتاب يتحدث عن مستقبل الولايات المتحدة الأمريكية، ويقول المؤلف: إن المعرفة المستمرة والمتجددة بشعوب العالم وأفكاره المختلفة عملية ضرورية لابد أن يقوم بها الناس بين وقت وآخر كنوع من الحساب والمراجعة... وإلا سيكتشف الإنسان في لحظة ما أن الحقائق قد اختلفت، وأن الواقع قد تغير، وأننا قد توقفنا في إحدى محطات الماضي في الحكم على الأشخاص والدول والشعوب.