المنبِّهُ على صحة صحيفة همَّام بن منبِّهٍ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه رسالة صغيرة كتبتها في إثبات صحيفة همام بن منبه وأنها من أصح الأسانيد
وذكرت ما استنكرته بعض المبتدعة في زماننا وردوه من أحاديثها
ونسأل الله أن يجعلنا من المصلحين في جميع أعمالنا
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب: المنبِّهُ على صحِّة أحاديث صحيفة همَّام بن منبِّه
المؤلف: المهندس محمد بن جهاد بن أحمد بن محمود بن أبو شقرة
الحمد لله نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا
من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمد عبده ورسوله
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما
أما بعد
إنَّ صحة الحديث النبوي تعتمد على خمسة شروط هي:
1- عدالة الرواة (رجال صالحون ليسوا معروفين بالمعاصي ولا خوارم المروءة)
2- ضبط الرواة (حفظ الحديث صدرًا أو كتابًا)
3- اتصال السند (كل راوٍ أخذه عمَّن فوقه)
4- عدم العلَّة (العلة سبب خفي يقدح في صحة الحديث، مع أن الظاهر سلامة الإسناد)
5- عدم الشذوذ (الشذوذ مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه)
فمتى توافرت هذه الشروط فإن الحديث يكون صحيحًا 99% ولا نقول 100% لاحتمال أن تكون هناك أسانيد اكتملت فيها الشروط لكن متنها منكر أو موضوع وهي أحاديث نادرة، وليس كتابنا هذا للحديث عليها، إنما نريد الكلام عن أحاديث تكلَّم عنها بعض المعاصرين، قالوا أنها إسرائيليات ليست من دين الإسلام، وهم لم ينكروها لعلمهم بالسند ولا المتن.
إنما أنكروها بعقولهم – زاعمين – أنها تشوَّه صورة الإسلام، وتضرب عقيدة المسلمينَ
وهم – لو كانوا يعلمون – أضرُّوا بكثيرٍ من المسلمين لأنَّ الناس أغلبها لا يقرأ ولا يدري ما في الكتبِ، فإذا رأى "فيديو" في “YouTube” أو “Facebook” أو غيرهما سارع بالتصديق دون تفكير ولا تمحيصٍ ولا سؤال أهل العلمِ، خاصة وأن هؤلاء الناشرين لديهم:
1- جرأة في الطرح 2- قوة في أسلوب الخطاب 3- مدعومون من جهات صهيونية تدعم الضلالة.
وعملي في هذا الكتاب هو عمل ترجمة لرواة الأحاديث التي اعترض عليها أولئك المعترضون، ثم تقوية هذه الأحاديث بالمتابعين لهؤلاء الرواةِ ، فإن لم نجد متابعين، فيكفينا توثيق الراوي، وأنَّ ما يرويه صحيح،
لكنْ كما قال الله: (وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قومًا اللهُ مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا، قالوا معذرةً إلى ربكم ولعلهم يتقون) سورة الأعراف
والله الموفق
الفصل الاول: ترجمة الرواة
الراوي الأول أبو هريرة الدوسي
قال الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب: أبو هريرة الدوسي الصحابي الجليل حافظ الصحابة اختلف في اسمه واسم أبيه قيل عبد الرحمن ابن صخر وقيل.................. إلى أن قال: ونقطع بأنه عبد شمس وقد غُيِّرَ بعد أن أسلم، مات سنة سبع وقيل سنة ثمان وقيل تسع وخمسين وهو ابن ثمان وسبعين سنة من رجال الجماعة
رَوَى عَن:
1- النَّبِيِّ صلى الله عليه وسَلَّمَ الكثير الطيب،
2- وعَن أبي بْن كعب
3- وأسامة بْن زيد بْن حارثة
4- وبصرة بْن أَبي بصرة الغفاري
5- وعُمَر بْن الخطاب
6- والفضل بْن العباس
7- وكعب الأحبار
8- وأبي بكر الصديق
9- وابنته عائشة زوج النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.
وروى عنه خلق كثيرون منهم
1- أنس بْن مالك
2- جابر بن عبد الله
3- بشير بن نهيك
4- وسَعِيد بْن المُسَيَّب
5- وسُلَيْمان بن يسار
6- وأبو وائل شقيق بن سلمة
7- وعامر بْن شراحيل الشعبي
8- عبد الله بن عباس
9- وعَبْد اللَّهِ بن عتبة بن مسعود
10- وعبد الرحمن بْن هرمز الأعرج
11- وعُبَيد اللَّه بْن أَبي رافع مولى النَّبِيّ صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ
12- وعُبَيد اللَّه بْن عَبد الله بْن عتبة بْن مسعود
13- وعجلان مولى فَاطِمَة بنت عتبة بْن ربيعة والد مُحَمَّد بْن عجلان
14- عروة بْن الزبير
15- وعطاء بْن أَبي رباح
16- عطاء بْن أَبي مسلم الخراساني
17- عكرمة مولى ابْن عباس
18- وعلي بْن الحسين بْن علي بْن أَبي طالب
19- القاسم ابن مُحَمَّد بْن أَبي بكر الصديق
20- ومجاهد بْن جبر المكي
21- ومحمد ابن سيرين
22- ومُحَمَّد بْن كعب القرظي
23- ومحمد بْن المنكدر
24- ونافع مولى عَبد اللَّه بْن عُمَر
25- وهمام بْن منبه ، وهو ما استشكله كثيرون من المبتدعة وزعموا أنَّما اختلقها على أبي هريرة
26- وأبو إدريس الخولاني
27- وأبو أمامة بْن سهل بْن حنيف
28- وأبو بكر بْن عَبْد الرحمن بن الحارث بن هشام
29- وأبو زُرْعَة ابن عَمْرو بْن جرير
30- وأبو سَعِيد المقبري
31- وأبو حازم الأشجعي
32- وأَبُو سلمة بن عَبْد الرحمن بن عوف الزهري
33- وأبو صالح السمان واسمه ذكوان
34- وأبو عثمان النهدي
35- أبو المتوكل الناجي
قال البخاري: روى عنه نحو من ثمان مئة رجل أو أكثر من أهل العلم من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ والتابعين وغيرهم.
وَقَال عَمْرو بْن علي: نزل المدينة، وكان مقدمه وإسلامه عام خيبر، وكانت خيبر فِي المحرم سنة سبع.
قال الذهبي في ترجمته في سير أعلام النبلاء: قال بُكَيْرُ بنُ الأَشَجِّ، عَنْ بُسْرِ بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ:
اتَّقُوا اللهَ، وَتَحَفَّظُوا مِنَ الحَدِيْثِ، فَوَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُنَا نُجَالِسُ أَبَا هُرَيْرَةَ، فَيُحَدِّثُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيُحَدِّثُنَا عَنْ كَعْبٍ، ثُمَّ يَقُوْمُ، فَأَسْمَعُ بَعْضَ مَنْ كَانَ مَعَنَا يَجْعَلُ حَدِيْثَ رَسُوْلِ اللهِ عَنْ كَعْبٍ، وَيَجْعَلُ حَدِيْثَ كَعْبٍ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قلت المؤلف: قال محقق نسخة سير أعلام النبلاء "مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط" دار مؤسسة الرسالة - : إسناده صحيح!
وهو كما قال، وهو سبب ترك بعض الرواة بعض أحاديث أبي هريرة إذ الآفة من الرواة عنه إذ ينسبون ما رواه عن كعب للنبي صلى الله عليه وسلم والعكس بالعكس، وهذا من ضعف الرواة لا من أبي هريرة فتأمَّلْ.
بكير ابن عبد الله ابن الأشج مولى بني مخزوم أبو عبد الله أو أبو يوسف المدني نزيل مصر ثقة من الخامسة مات سنة عشرين وقيل بعدها من رجال الجماعة
بسر ابن سعيد المدني العابد مولى ابن الحضرمي ثقة جليل من الثانية مات سنة مائة من رجال الجماعة
قال الذهبي في سير اعلام النبلاء
وَكَانَ حِفْظُ أَبِي هُرَيْرَةَ الخَارِقُ مِنْ مُعْجِزَاتِ النُّبُوَّةِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى الزَّمِنُ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الحَنَفِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي يَحْيَى، سَمِعْتُ سَعِيْدَ بنَ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أَلاَ تَسْأَلُنِي مِنْ هَذِهِ الغَنَائِمِ الَّتِي يَسْأَلُنِي أَصْحَابُكَ؟) .
قُلْتُ: أَسْأَلُكَ أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عَلَّمَكَ اللهُ.
فَنَزَعَ نَمِرَةً كَانَتْ عَلَى ظَهْرِي، فَبَسَطَهَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ، حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّمْلِ يَدُبُّ عَلَيْهَا، فَحَدَّثَنِي حَتَّى إِذَا اسْتَوْعَبْتُ حَدِيْثَهُ، قَالَ: (اجْمَعْهَا، فَصُرَّهَا إِلَيْكَ) .
فَأَصْبَحْتُ لاَ أُسْقِطُ حَرْفاً مِمَّا حَدَّثَنِي
قلت المؤلف: وهذا إسناد صحيح متصل
محمد ابن المثنى ابن عبيد العنزي بفتح النون والزاي أبو موسى البصري المعروف بالزمن مشهور بكنيته وباسمه ثقة ثبت من العاشرة وكان هو وبندار فرسي رهان وماتا في سنة واحدة [أي سنة اثنتين وخمسين] من رجال الجماعة
عبد الكبير ابن عبد المجيد ابن عبيد الله البصري أبو بكر الحنفي ثقة من التاسعة مات سنة أربع ومائتين من رجال الجماعة
عبد الله ابن محمد ابن أبي يحيى الأسلمي لقبه سحبل بفتح المهملة وسكون الحاء المهملة بعدها موحدة ثم لام وقد ينسب إلى جده ثقة من السابعة مات سنة اثنتين وسبعين ومائة من رجال أبي داود، وروى له البخاري في الأدب المفرد
سعيد ابن أبي هند الفزاري مولاهم ثقة من الثالثة ، مات سنة ست عشرة ومائة من رجال الجماعة
روى البخاري 7354 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنَ الأَعْرَجِ، يَقُولُ: أَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: إِنَّكُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الحَدِيثَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاللَّهُ المَوْعِدُ،
إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا، أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مِلْءِ بَطْنِي، وَكَانَ المُهَاجِرُونَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ، وَكَانَتِ الأَنْصَارُ يَشْغَلُهُمُ القِيَامُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ، فَشَهِدْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ،
وَقَالَ: «مَنْ يَبْسُطْ رِدَاءَهُ حَتَّى أَقْضِيَ مَقَالَتِي، ثُمَّ يَقْبِضْهُ، فَلَنْ يَنْسَى شَيْئًا سَمِعَهُ مِنِّي» فَبَسَطْتُ بُرْدَةً كَانَتْ عَلَيَّ، فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالحَقِّ مَا نَسِيتُ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْهُ
ورواه مسلم عن سفيان به (2492)
قال الذهبي في سير اعلام النبلاء: قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَبُو هُرَيْرَةَ أَحْفَظُ مَنْ رَوَى الحَدِيْثَ فِي دَهْرِهِ.
قال الوَلِيْدُ: حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْ مَكْحُوْلٍ، قَالَ:
تَوَاعَدَ النَّاسُ لَيْلَةً إِلَى قُبَّةٍ مِنْ قِبَابِ مُعَاوِيَةَ، فَاجْتَمَعُوا فِيْهَا، فَقَامَ فِيْهِم أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُهُمْ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى أَصْبَحَ .
قلت المؤلف هذا اسناد صحيح
الوليد بن مسلم ثقة يدلس تدليس التسوية وقد صرح بالتحديث مات سنة خمس وتسعين ومائة وهو من رجال الجماعة
سعيد بن عبد العزيز الدمشقي ثقة إمام، لكنه اختلط في آخر أمره من السابعة مات سنة سبع وستين وقيل بعدها وله بضع وسبعون من رجال الجماعة عدا البخاري فقد أخرج له في الأدب المفرد
قال عَبد اللَّهِ بْن أَحْمَد بْن حنبل ، عَن أبيه: ليس بالشام رجل أصح حديثا من سَعِيد بْن عَبْد الْعَزِيزِ، هُوَ والأَوزاعِيّ عندي سواء.
قال ابو زرعة الدمشقي وقلت ليحيى بْن مَعِين، وذكرت لَهُ الحجة، فقلت لَهُ: مُحَمَّد بْن إِسْحَاق منهم؟ فَقَالَ: كَانَ ثقة، إنما الحجة: عُبَيد الله بْن عُمَر، ومالك بْن أَنَس، والأَوزاعِيّ، وسَعِيد بْن عبد العزيز.
مكحول الشامي أبو عبد الله ثقة فقيه كثير الإرسال مشهور من الخامسة مات سنة بضع عشرة ومائة من رجال الجماعة عدا البخاري
قال الذهبي" قال كَهْمَسُ بنُ الحَسَنِ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ شَقِيْقٍ، قَالَ:
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لاَ أَعْرِفُ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحْفَظَ لِحَدِيْثِهِ مِنِّي."
قلت المؤلف إسناد صحيح
كهمس ابن الحسن التميمي أبو الحسن البصري ثقة من الخامسة مات سنة تسع وأربعين ومائة من رجال الجماعة
عبد الله ابن شقيق العقيلي بالضم بصري ثقة فيه نصب من الثالثة مات سنة ثمان ومائة من رجال الجماعة عدا البخاري فقد أخرج له في الأدب المفرد
قال الذهبي: قال سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ عَمْرٍو بن دينار المكي ، عَنْ وَهْبِ بنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَخِيْهِ هَمَّامٍ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُوْلُ:
مَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ أَكْثَرَ حَدِيْثاً مِنِّي عَنْهُ، إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ، وَكُنْتُ لاَ أَكْتُبُ.
قلت المؤلف وهذا اسناد على شرط الشيخين
قال المعلقون على سير اعلام النبلاء في الحاشية: وهذا الحديث يدل على أن أبا هريرة كان يجزِمُ بأنه ليس في الصحابة أكثر حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم مِنهُ إلا عبد الله، مع أن الموجود المروي عن عبد الله بن عمرو أقل من الموجود المروي عن أبي هريرة بأضعاف مضاعفة.
وقد قال العلماء: إن السبب فيه من جهات، أحدها: أن عبد الله كان مشتغلا بالعبادة أكثر من اشتغاله بالتعليم، فقَلَّت الرواية عنه.
ثانيها: أنه كان أكثر مقامه بعد فتوح الأمصار بمصر أو بالطائف، ولم تكن الرحلة إليهما ممن يطلب العلم كالرحلة إلى المدينة، وكان أبو هريرة متصديا فيها للفتوى والتحديث إلى أن مات، ويظهر هذا من كثرة من حمل عن أبي هريرة، فقد ذكر البخاري أنه روى عنه ثمان مئة نفس من التابعين.
ثالثها: ما اختص به أبو هريرة من دعوة النبي صلى الله عليه وسلم له بأن لا ينسى ما يحدثه به.
رابعها: أن عبد الله كان قد ظفر في الشام بحمل جمل من كتب أهل الكتاب، فكان ينظر فيها ويحدث منها، فتجنب الاخذ عنه لذلك كثير من أئمة التابعين.
قلت المؤلف:
وأخرج ابن عساكر في تاريخه من طريق ابن لهيعة عن بكير بن الأشج عن بسر بن سعيد قال كان يقوم فينا أبو هريرة فيقول سمعت النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول كذا كذا سمعت كعبا يقول كذا كذا،
فعمد الناس إلى بعض ما روى عن كعب فجعلوه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) وبعض ما روى عن النبي (صلى الله عليه وسلم) فجعلوه عن كعب فمن ثم أنفي حديث أبي هريرة
قال ابن لهيعة هو من الناس ليس من أبي هريرة
قلت المؤلف وابن لهيعة سيء الحفظ لكنه لم يتفرد به
ثم من طريق مسلم بن الحجاج نا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي نا مروان الدمشقي عن الليث بن سعد حدثني بكير بن الأشج قال قال أنا بسر بن سعيد اتقوا الله وتحفَّظوا من الحديث فوالله لقد رأيتُنا نجالس أبا هريرة فيتحدث عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ويحدثنا عن كعب،
ثم يقوم فأسمع بعض من كان معنا يجعل حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن كعب وحديث كعب عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلمٍ وليس في مقدمة صحيحه
ثم ذكر الحافظ أبو القاسم، هبة الله بن عساكر بإسناده عن الأعمش قال كان إبراهيم (النخعي) صيرفيا فقلَّ ما أتيته حدَّثتُ إلا انتبه لي وزاد فيه
وكان أبو صالح يحدِّثنا عن أبي هريرة قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فكنت آتي إبراهيم فأحدِّثُهُ بها فلما أكثرتُ عليه قال لي: ما كانوا يأخذون بكل حديث أبي هريرة
وذكر ابن عساكر مثله عن مغيرة عن إبراهيم قال كان أصحابنا يدعون من حديث أبي هريرة
وهذا اسناد ساقط لأن مغيرة هذا كثير التدليس عن إبراهيم، وابراهيم بن يزيد النخعي فقيه جليل لكنه لم يلقَ أحدًا من الصحابة ولم يروِ عنهم، فكيف يكون عالمًا بكل أحاديث الحجاز والشام والبصرة والكوفة ومكة ؟
فيبدو أن مادحيه قد غَلَو في شأنه، فلو قالوا أعلم أهل العراق سلَّمنا لهم بذلك، اما المدينة والشام ومكة في وجود سعيد بن المسيب ومكحول وقتادة والزهري وأبي الزناد عبد الله ابن ذكوان القرشي وجاهد بن جبر
و يحيى ابن سعيد الأنصاري فهيهات هيهات.
ومن طريق آخر عن سفيان عن منصور عن ابراهيم قال كانوا يدعون من قول ابي هريرة وهذا اسناد صالح
ثم أخرج عن سفيان عن منصور عن ابراهيم قال كانوا لا يأخذون من حديث ابي هريرة إلا ما كان في ذكر جنة أو نار
قال ابن عساكر" قول إبراهيم النخعي هذا غير مقبول منه ولا مرضي عند مَن حَكَى له عنه فقد قدَّمنا ذكر من أثني عليه ووثقه وذكرنا من روى عنه وصدَّقه"
ثم قال ابن عساكر بإسناده (ح)
والمزي في تهذيب كمال اسماء الرجال واللفظ له : إلى محمد بن يونس الكديمي ثنا يزيد بن مرة الدباغ نا عمر بن حبيب قال:
حضرت مجلس الرشيد، فجرت مسألة فتنازعها الحضور وعلت أصواتهم، فاحتج بعضهم بحديث يرويه أَبُو هُرَيْرة عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فدفع بعضهم الحديث، وزادت المدافعة والخصام حتى قال قائلون منهم: لا يحلُّ هَذَا الحديث عن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، فإن أبا هُرَيْرة متهم فِيمَا يرويه، وصرحوا بتكذيبه،
ورأيتُ الرشيد قد نحا نحوهم، ونصرَ قولهم، فقلتُ أنا: الحديث صحيحٌ عن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، وأبو هُرَيْرة صحيح النقل صدوق فِيمَا يرويه عن نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، وعن غيره.
فنظر إلي الرشيد نظر مغضب، فقمت من المجلس، فانصرفت إِلَى منزلي، فلم ألبث حتى قِيلَ صاحب البريد بالباب، فدخل إلي، فَقَالَ: أجب أمير المؤمنين إجابة مقتول وتحنَّط وتكفَّن.
فقلت: اللَّهم إنك تعلم أني دفعت عن صاحب نبيك وأجْلَلْتُ نبيِّكَ أن يُطعَن عَلَى أصحابه فسَلِّمني مِنْهُ.
فأدخلت عَلَى الرشيد، وهو جالس عَلَى كرسي من ذهب حاسر عن ذراعيه بيده السيف وبين يديه النطع، فلما بصر بي، قال: يا عُمَر بْن حبيب ما تلقاني أحد من الرد والدفع لقولي بمثل ما تلقيتني بِهِ.
قُلْتُ: يا أمير المؤمنين إن الَّذِي قلته وجادلت عَلَيْهِ فِيهِ إزراء عَلَى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وعلى ما جاء بِهِ، إِذَا كَانَ أصحابه كذابين فالشريعة باطلة، والفرائض والأحكام فِي الصلاة والصيام والطلاق والنكاح والحدود كله مردود غير مقبول.
فرجع إِلَى نفسه، ثُمَّ قال لي: أحييتني يا عُمَر بْن حبيب أحياك اللَّه أحييتني يا عُمَر ابن حبيب أحياك اللَّه. ثُمَّ أمر لي بعشرة آلاف درهم. انتهى بتصرفٍ يسيرٍ
عمر بن حبيب العدوي القاضي تولى قضاء البصرة أيام الرشيد ترجمته في تاريخ بغداد
وهو راوٍ ضعيف وكذَّبه يحيى بن معين، واستنكر هذه القصة الدكتور بشار بن عواد في تعليقه على تهذيب كمال أسماء الرجال للحافظ المزي، فقال " صاحب الحكاية وراويها عُمَر بن حبيب ضعيف، فالله أعلم بصحتها. وفيها أيضا موافقة الرشيد في الطعن على أبي هُرَيْرة، وهو شبه محال، من الرشيد العالم التقي."
قلت المؤلف: وكذلك قوله أن هارون جالس على كرسي ذهب وهذا لا يجوز كما هو معلومٌ.
وقد نقلوا عن أبي حنيفة النعمان أقوال كثيرة أنه لا يرى الرواية عن أبي هريرة وهذا كلام فيه نظر
فمسند الإمام المطبوع من رواية أبي نعيم الأصبهاني مليء بروايته عن أبي هريرة بهذا الإسناد
1- عَنْ أَبِي الْعَطُوفِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
2- وعَنْ شَيْبَانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنِ الْمُهَاجِرِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
3- وعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
4- وعَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
5- وعَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
6- وعَنِ الْهَيْثَمِ الصَّيْرَفِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
7- وعَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
وهذا على سبيل المثال لا الحصر!
قلت المؤلف وكذلك إخراج أصحابِ الكُتُب كلها عن أبي هريرة ولم يترُكْهُ أحدٌ، إنما كانت الآفة ممن يروي عنه
ثم قال الذهبي قِيْلَ لابْنِ عُمَرَ: هَلْ تُنْكِرُ مِمَّا يُحَدِّثُ بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ شَيْئاً؟
فَقَالَ: لاَ، وَلَكِنَّهُ اجْترَأَ، وَجَبُنَّا.
فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمَا ذَنْبِي إِنْ كُنْتُ حَفِظْتُ، وَنَسُوْا.
قَالَ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُدَلِّسُ .
قُلْتُ الذهبي: تَدْلِيْسُ الصَّحَابَةِ كَثِيْرٌ، وَلاَ عَيْبَ فِيْهِ، فَإِنَّ تَدْلِيْسَهُمْ عَنْ صَاحِبٍ أَكْبَرَ مِنْهُمْ، وَالصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ عُدُوْلٌ.
قال شَرِيْكٌ: عَنْ مُغِيْرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُنَا يَدَعُوْنَ مِنْ حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَرَوَى: حُسَيْنُ بنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، نَحْوَهُ.
الثَّوْرِيُّ: عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ:
مَا كَانُوا يَأْخُذُوْنَ مِنْ حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلاَّ مَا كَانَ حَدِيْثَ جَنَّةٍ أَوْ نَارٍ.
قُلْتُ (الذهبي): هَذَا لاَ شَيْءَ، بَلْ احْتَجَّ المُسْلِمُوْنَ قَدِيْماً وَحَدِيْثاً بِحَدِيْثِهِ، لِحِفْظِهِ، وَجَلاَلَتِهِ، وَإِتْقَانِهِ، وَفِقْهِهِ، وَنَاهِيْكَ أَنَّ مِثْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ يَتَأَدَّبُ مَعَهُ، وَيَقُوْلُ: أَفْتِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ.
وَأَصَحُّ الأَحَادِيْثِ مَا جَاءَ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَمَا جَاءَ عَنْ: أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَمَا جَاءَ عَنِ: ابْنِ عَوْنٍ، وَأَيُّوْبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَأَيْنَ مِثْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي حِفْظِهِ، وَسَعَةِ عِلْمِهِ؟
قال حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ عَبَّاسٍ الجُرَيْرِيِّ، سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ النَّهْدِيَّ، قَالَ:
تَضَيَّفْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ سَبْعاً، فَكَانَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ وَخَادِمُهُ يَعْتَقِبُوْنَ اللَّيْلَ أَثْلاَثاً، يُصَلِّي هَذَا، ثُمَّ يُوْقِظُ هَذَا، وَيُصَلِّي هَذَا، ثُمَّ يُوْقِظُ هَذَا.
قُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، كَيْفَ تَصُوْمُ؟
قَالَ: أَصُوْمُ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ ثَلاَثاً
__________
قال المعلق على سير اعلام النبلاء" قال الحافظ ابن كثير في " البداية " 8 / 109: وكأنَّ شعبة يشير بهذا إلى حديثه: " من أصبح جنبا فلا صيام له " فإنه لما حُوقِقَ عليه، قال: أخبرنيه مخبر، ولم أسمعهُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن حبان في مقدمة " صحيحه " 1 / 122: وإنما قبلنا أخبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رَوَوْها عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يُبَيِّنوا السماع في كل ما روَوْا، وبيقينٍ نعلمُ أنَّ أحدَهُم ربما سمع الخبر عن صحابي آخر، ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير ذكر ذلك الذي سمعه منه،
لأنهم رضي الله عنهم أجمعين - وقد فعل - كلهم أئمةٌ سادةٌ قادةٌ عُدولٌ، نزَّهَ الله عز وجل أقْدار أصحابِ رسول الله صلى الله علي وسلم عن أن يلزَقَ بهم الوَهَنَ.
وفي كتاب " العلل " ص 140 لأحمد: حدثنا أبو أسامة، عن الأعمش، قال: كان إبراهيم صيرفيا في الحديث أجيئُهُ بالحديث، قال: فكتب مما أخذته عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: كانوا يتركون أشياء من أحاديث أبي هريرة.
وقد انتصر الحافظ ابن عساكر لأبي هريرة، ورد هذا الذي قاله إبراهيم النخعي، وصرح الحافظ ابن كثير بأن صنيع الكوفيين مردود، والجمهور على خلافهم.
تابع الذهبي في سير أعلام النبلاء:
قَالَ الحَافِظُ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا المَعْمَرِ المُبَارَكَ بنَ أَحْمَدَ، سَمِعْتُ أَبَا القَاسِمِ يُوْسُفَ بنَ عَلِيٍّ الزَّنْجَانِيَّ الفَقِيْهَ، سَمِعْتُ الفَقِيْهَ أَبَا إِسْحَاقَ الفَيْرُوْزَابَادِيَّ، سَمِعْتُ القَاضِي أَبَا الطَّيِّبِ يَقُوْلُ:
كُنَّا فِي مَجْلِسِ النَّظَرِ بِجَامِعِ المَنْصُوْرِ، فَجَاءَ شَابٌّ خُرَاسَانِيٌّ، فَسَأَلَ عَنْ مَسْأَلَةِ المُصَرَّاةِ (1) ، فَطَالَبَ بِالدَّلِيْلِ، حَتَّى اسْتَدَلَّ بِحَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الوَارِدِ فِيْهَا، فَقَالَ - وَكَانَ حَنَفِيّاً -: أَبُو هُرَيْرَةَ غَيْرُ مَقْبُوْلِ الحَدِيْثِ (2) .
فَمَا اسْتَتَمَّ كَلاَمَهُ حَتَّى سَقَطَ عَلَيْهِ حَيَّةٌ عَظِيْمَةٌ مِنْ سَقْفِ الجَامِعِ، فَوَثَبَ النَّاسُ مِنْ أَجْلِهَا، وَهَرَبَ الشَّابُّ مِنْهَا وَهِيَ تَتْبَعُهُ.
فَقِيْلَ لَهُ: تُبْ تُبْ.
فَقَالَ: تُبْتُ.
فَغَابَتِ الحَيَّةُ، فَلَمْ يُرَ لَهَا أَثَرٌ.
إِسْنَادُهَا أَئِمَّةٌ.
----------------------------------------
(1) المصراة: الناقة أو البقرة أو الشاة يصرى اللبن في ضرعها، أي: يجمع ويحبس، ثم تباع، فيظنها المشتري كثيرة اللبن، فيزيد في ثمنها، فإذا حلبها مرتين أو ثلاثا، وقف على التصرية والغرور.
وحديث أبي هريرة الوارد فيها: هو في " الموطأ " 2 / 683، 684 في البيوع: باب ما ينهى عنه من المساومة والمبايعة.
وأخرجه البخاري 4 / 309 عن عبد الله بن يوسف، ومسلم (1515) (11) عن يحيى بن يحيى، كلاهما عن مالك، عن أبي الزناد عبد الله بن ذكوان، عن الاعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مَنِ ابْتَاعَ شَاةً مُصَرَّاةً فَهُوَ فِيهَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، إِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا، وَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ "، أي: يردها بعيب التصرية، ويرد معها صاعا من تمر مكان ما حلب من اللبن، وهو قول مالك والشافعي والليث بن سعد وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور.
(2) في " أصول السرخسي " 1 / 341: ما وافق القياس من رواية أبي هريرة، فهو معمولٌ به، وما خالف القياس، فإن تلقَّتهُ الأمة بالقَبول، فهو معمولٌ به، وإلا فالقياسُ الصحيحُ شرعا مقدَّمٌ على روايته فيما ينسد باب الرأي فيه.
وقال فخر الإسلام: راوي الخبر إما فقيه أو غير فقيه لكن عُرِفَ بالرواية، أو غير فقيه لم يُعرف إلا بحديث أو حديثين.
فخبر الفقيه مقبول يجب العمل به وإن خالف القياس، وخبر غير الفقيه المعروف بالرواية أيضا مقبول يترك به القياس، إلا إذا خالف جميع الاقيسة، وانسدَّ باب الرأي بالكلية، وهو مُختارُ الامام عيسى بن أبان، والقاضي أبي زيد، وذهب الشيخ أبو الحسن الكرخي إلى أنه كالأول.
وقال بعضهم وهو بصدد البحث في خبر أبي هريرة في " المصراة ": إن أبا هريرة غير فقيه، والحديث مخالف للأقيسة بأسرها: وفي قولهم: " أبو هريرة غير فقيه "، نظر ظاهر، فإنه رضي الله عنه فقيه مجتهد لا شك في فقاهته ]فقهه[، فقد كان يفتي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، وكان يعارض ابن عباس وفتواه،
كما جاء في الخبر الصحيح أنه خالف ابن عباس في عدة الحامل المتوفى عنها زوجها، حيث حكم ابن عباس بأبعد الاجلين، وحكم هو بوضع الحمل.
وأبو حنيفة رحمه الله عمل بحديث أبي هريرة: " من أكل ناسيا فليتم صومه " مع أن القياس عنده أنه يفطر، فترك القياس لخبر أبي هريرة.
وانظر ما كتبه العلامة محمد بخيت المطيعي في حاشيته " سلم الوصول " 3 / 767، 769.
----------------------------------
قال الذهبي: وَأَبُو هُرَيْرَةَ: إِلَيْهِ المُنْتَهَى فِي حَفِظِ مَا سَمِعَهُ مِنَ الرَّسُوْلِ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- وَأَدَائِهِ بِحُرُوْفِهِ، وَقَدْ أَدَّى حَدِيْثَ المُصَرَّاةِ بِأَلْفَاظِهِ، فَوَجَبَ عَلَيْنَا العَمَلُ بِهِ، وَهُوَ أَصْلٌ بِرَأْسِهِ.
وَقَدْ وَلِيَ أَبُو هُرَيْرَةَ البَحْرَيْنِ لِعُمَرَ، وَأَفتَى بِهَا فِي مَسْأَلَةِ المُطَلَّقَةِ طَلْقَةً ثُمَّ
يَتَزَوَّجُ بِهَا آخَرُ، ثُمَّ بَعْدَ الدُّخُوْلِ فَارَقَهَا، فَتَزَوَّجَهَا الأَوَّلُ، هَلْ تَبْقَى عِنْدَهُ عَلَى طَلْقَتَيْنِ كَمَا هُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ فِي المَشْهُوْرِ عَنْهُ، أَوْ تُلْغَى تِلْكَ التَّطْلِيْقَةُ، وَتَكُوْنُ عِنْدَهُ عَلَى الثَّلاَثِ.
كَمَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي حَنِيْفَةَ، وَرِوَايَةٌ عَنْ عُمَرَ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ إِصَابَةَ الزَّوْجِ تَهْدِمُ مَا دُوْنَ
الثَّلاَثِ، كَمَا هَدَمَتْ إِصَابَتُهُ لَهَا الثَّلاَثَ.
فَالأَوَّلُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ إِصَابَةَ الزَّوْجِ الثَّانِي، إِنَّمَا هِيَ غَايَةُ التَّحْرِيْمِ الثَّابِتِ بِالطَّلاَقِ الثَّلاَثِ، فَهُوَ الَّذِي يَرْتَفِعُ، وَالمُطَلَّقَةُ دُوْنَ الثَّلاَثِ لَمْ تَحْرُمْ، فَلاَ تَرْفَعُ الإِصَابَةُ مِنْهَا شَيْئاً، وَبِهَذَا أَفتَى أَبُو هُرَيْرَةَ.
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَوْ أَفْتَيْتَ بِغَيْرِهِ، لأَوْجَعْتُكَ ضَرْباً.
وَكَذَلِكَ أَفْتَى أَبُو هُرَيْرَةَ فِي دِقَاقِ المَسَائِلِ مَعَ مِثْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَدْ عَمِلَ الصَّحَابَةُ فَمَنْ بَعْدَهُمْ بِحَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي مَسَائِلَ كَثِيْرَةٍ، تُخَالِفُ القِيَاسَ، كَمَا عَمِلُوا كُلُّهُمْ بِحَدِيْثِهِ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: (لَا تُنْكَحُ المَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، وَلاَ خَالَتِهَا).
وَعَمِلَ أَبُو حَنِيْفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَغَيْرُهُمَا بِحَدِيْثِهِ: (أَنَّ مَنْ أَكَلَ نَاسِياً، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ) ، مَعَ أَنَّ القِيَاسَ عِنْدَ أَبِي حَنِيْفَةَ أَنَّهُ يُفْطِرُ، فَتَرَكَ القِيَاسَ لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَهَذَا مَالِكٌ عَمِلَ بِحَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي غَسْلِ الإِنَاءِ سَبْعاً مِنْ وُلُوْغِ الكَلْبِ ، مَعَ أَنَّ القِيَاسَ عِنْدَهُ أَنَّهُ لاَ يُغْسَلُ؛ لِطَهَارَتِهِ عِنْدَهُ.
وَقَدْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَثِيْقَ الحِفْظِ، مَا عَلِمْنَا أَنَّهُ أَخْطَأَ فِي حَدِيْثٍ.
وَقَدْ ذَكَرْتُهُ فِي (طَبَقَاتِ القُرَّاءِ) ، وَأَنَّهُ قَرَأَ عَلَى أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ.
أَخَذَ عَنْهُ: الأَعْرَجُ، وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَطَائِفَةٌ.
وَذَكَرْتُهُ فِي (تَذْكِرَةِ الحُفَّاظِ) ، فَهُوَ رَأْسٌ فِي القُرْآنِ، وَفِي السُّنَّةِ، وَفِي الفِقْهِ.
مُسْنَدُهُ: خَمْسَةُ آلاَفٍ وَثَلاَثُ مائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَسَبْعُوْنَ حَدِيْثاً.
المُتَّفَقُ فِي البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ مِنْهَا: ثَلاَثُ مائَةٍ وَسِتَّةٌ وَعِشْرُوْنَ.
وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ: بِثَلاَثَةٍ وَتِسْعِيْنَ حَدِيْثاً، وَمُسْلِمٌ: بِثَمَانِيَةٍ وَتِسْعِيْنَ حَدِيْثاً.
=================================
الراوي الثاني: عبد الرزاق
عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري ، مولاهم، اليماني، أبو بكر الصنعاني.
قال عنه الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب: ثقة حافظ مصنف شهير عَمِيَ في آخر عمره فتغير وكان يتشيع من التاسعة مات سنة إحدى عشرة ومائتين، وله خمس وثمانون من رجال الجماعة
وقال أبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف جمال الدين ابن الزكي أبي محمد القضاعي الكلبي المزِّي في ترجمته:
قال أبو بكر بْن أَبي خيثمة : سمعت يحيى بْن مَعِين وسئل عن أصحاب الثوري، فقال: أما عبد الرزاق، والفريابي، وعُبَيد الله بن موسى، وأبو أحمد الزبيري، وأبو عاصم، وقبيصة وطبقتهم فهم كلهم في سفيان قريب بعضهم من بعض، وهم دون يَحْيَى بْن سَعِيد وعبد الرحمن بن مهدي، ووكيع، وابن المبارك، وأبي نعيم.
وَقَال محمد بن أبان البلخي ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: جالسنا معمرا ما بين سبع سنين أو ثمان سنين.
وَقَال أَبُو زُرْعَة الدمشقي، عَن أَبِي الحسن بن سميع، عن أحمد بن صالح المِصْرِي: قلت لأحمد بن حنبل: رأيت أحدا أحسن حديثا من عبد الرزاق؟ قال: لا.
قال أبو زُرْعَة ]الرازي[: عبد الرزاق أحدُ مَن ثَبَتَ حديثه.
وَقَال محمد بن أَبي السري العسقلاني، عَنْ عَبْدِ الوهاب بن همام أخي عبد الرزاق: كنتُ عند معمر وكان خاليا، فقال: يختلفُ إلينا في طلب العلم من أهل اليمن أربعة: رباح بن زيد، ومحمد بن ثور، وهشام بن يوسف، وعبد الرزاق بن همام، فأما رباح فخليقٌ أن تغلب عليه العبادة فينتفع بنفسه ولا ينتفع به الناس،
وأما هشام فخليق أن يغلب عليه السلطان، وأما ابن ثور فكثير النسيان، قليل الحفظ، وأما ابن همام فإن عاش فخليق أن تُضْرَبَ إليه أكبادُ الإبل.
قال محمد بن أَبي السري: فوالله لقد أتعبها.
وَقَال محمد بن أَبي السري أيضا: ودَّعت عبد الرزاق، فقال لي: أما في الدنيا فلا أظن إنا نلتقي فيها، ولكنا نسأل الله أن يجمع بيننا في الجنة.
وَقَال أبو بكر الأثرم، عَن أحمد بن حنبل: حديث عبد الرزاق، عن معمر أحب إلي من حديث هؤلاء البَصْرِيّين، كان، يعني معمرا - يتعاهد كتبه وينظر فيها، يعني: باليمن، وكان يُحدِّثُهم حِفظا بالبصرة.
وَقَال الأثرم أيضا: سمعت أبا عَبد اللَّهِ يسأل عن حديث النار جبار؟ فقال: هذا باطل ليس من هذا شيء.
ثم قال: ومن يحدث به عن عبد الرزاق؟ قلت: حَدَّثَنِي أحمد بن شبويه.
قال: هؤلاء سمعوا بعدما عَمِيَ، كان يُلقَّنُ فلقَّنَهُ، وليس هو في كُتُبِهِ وقد أسندوا عنه أحاديث ليست في كتبه كان يلقنها بعدما عَمِيَ.
وَقَال حنبل بْن إِسْحَاقَ، عَنْ أَحْمَد بْن حنبل نحو ذَلِكَ، وزاد: من سمع من الكتب فهو أصح.
وَقَال أبو زُرْعَة الدمشقي : قلت لأحمد بن حنبل: كان عبد الرزاق يحفظ حديث معمر؟ قال: نعم، قيل له: فمن أثبت في ابن جُرَيْج عبد الرزاق أو محمد بن بكر البرساني؟ قال: عبد الرزاق.
قال : وأخبرني أحمد بن حنبل، قال: أتينا عبد الرزاق قبل المئتين وهو صحيح البصر ومن سمع منه بعدما ذهب بصره، فهو ضعيف السماع.
وَقَال عَباس الدُّورِيُّ، عَنْ يحيى بْن مَعِين: كَانَ عبد الرزاق في حديث معمر أثبت من هشام بن يوسف، وكان هشام بن يوسف في حديث ابن جُرَيْج أثبت من عبد الرزاق، وكان أقرأ للكتب، وكان أعلم بحديث سفيان الثوري من عبد الرزاق.
قال: وَقَال يحيى: سمعت هشام بن يوسف يقول: كان لعبد الرزاق حين قدم ابن جُرَيْج، يعني: اليمن - ثماني عشرة سنة.
وَقَال يعقوب بْن شَيْبَة، عَن علي بْن المديني، قال لي هشام بن يوسف: كان عبد الرزاق أعلمنا وأحفظنا.
قال يعقوب: وكلاهما ثقة ثبت.
وَقَال الحسن بن جرير الصوري، عن علي بن هاشم: قال عبد الرزاق: كتب عني ثلاثة لا أبالي أن لا يكتب عني غيرهم، كتب عني ابن الشاذكوني، وهو من أحفظ الناس، وكتب عني يحيى بن مَعِين وهو من أعرف الناس بالرجال، وكتب عني أحمد بن حنبل وهو من أزهد الناس.
وَقَال أَبُو مُحَمَّد عَبد اللَّهِ بْن أَحْمَد بْن ربيعة بْن زبر، عن جعفر بْن مُحَمَّدِ بْنِ أَبي عثمان الطيالسي: سمعت يحيى بن مَعِين يقول: سمعت من عَبْد الرزاق كلاما يوما فاستدللت بِهِ على ما ذُكِرَ عنه من المذهب،
فقلت له: إن أستاذيك الذين أخذت عنهم ثقات، كلهم أصحاب سُنَّةٌ: معمر، ومالك بْن أنس، وابن جُرَيْج، وسفيان الثوري، والأَوزاعِيّ،
فعمَّنْ أخذت هذا المذهب؟ فَقَالَ: قدم علينا جعفر بْن سُلَيْمان الضبعي، فرأيته فاضلا حَسَن الهدي، فأخذت هذا عنه.
وَقَال أبو بكر بْنُ أَبي خيثمة: سمعت يحيى بن مَعِين وقيل له: إن أحمد بن حنبل قال: إن عُبَيد الله بن موسى يُرَدُّ حديثه للتشيع، فقال: كان والله الذي لا إله إلا هو عبد الرزاق أغلى في ذلك منه مئة ضعف، ولقد سمعت من عبد الرزاق أضعاف أضعاف ما سمعت من عُبَيد الله.
وَقَال عَبد اللَّهِ بْن أَحْمَد بْن حنبل: سَأَلتُ أبي، قلت: عبد الرزاق كان يتشيع ويفرط في التشيع؟ فقال: أما أنا فلم أسمع منه في هذا شيئا، ولكن كان رجلا تُعجبه أخبار الناس، أو الأخبار.
وَقَال عَبد الله أيضا: سمعت سلمة بن شبيب يَقُول: سمعت عَبْد الرَّزَّاقِ يَقُول: والله ما انشرح صدري قط، أن أُفضِّلَ عليًّا على أبي بكر وعُمَر، رحم الله أبا بكر ورحم الله عُمَر ورحم الله عثمان ورحم الله عليًّا، من لم يحبهم فما هو مؤمن، وَقَال: أوْثقُ عملي حُبِّي إياهم.
وَقَال أبو الأزهر أحمد بن الأزهر النيسابوري: سمعت عبد الرزاق يقول: أفضل الشيخين بتفضيل عليٍّ إيَّاهما على نفسه، ولو لم يفضلهما لم أفضلهما، كفى بي آزرا أن أحب عليًّا ثم أخالفَ قوله.
وَقَال أبو أحمد بن عدي : ولعبد الرزاق أصناف وحديث كثير، وقدر حل إليه ثقات المسلمين وأئمتهم وكتبوا عنه. ولم يَرَوْا بحديثه بأسا إلا إنهم نسبوه إلى التشيع.
وقد روى أحاديث في الفضائل مما لا يوافقه عليه أحد من الثقات، فهذا أعظم ما ذمُّوه من روايته لهذه الأحاديث، ولما رواه في مثالب غيرهم، وأما في باب الصدق فإني أرجو إنه لا بأس بِهِ إلا أنه قد سبق منه أحاديث فِي فضائل أهل البيت ومثالب آخرين مناكير.
قال أحمد بْن حَنْبَل، ويعقوب بْن شَيْبَة: مولده سنة ست وعشرين ومئة.
وَقَال مُحَمَّد بْن سعد ، وخليفة بْن خياط ، والبخاري وغير واحد : مات سنة إحدى عشرة ومئتين.
زاد مُحَمَّد بْن سعد: في النصف من شوال
قال الحافظ أبو بكر الخطيب : حدث عنه المعتمر بن سُلَيْمان التَّيْمِيّ، وإسحاق بن إبراهيم الدبري وبين وفاتيهما ثمان وتسعون سنة. وحدث عنه ابن عُيَيْنَة وبين وفاته ووفاة الدبري سبع وثمانون سنة" انتهى
__________
وقال الذهبي في ميزان الاعتدال "قال: هؤلاء سمعوا منه بعد ما عمي.
كان يلقن فلقنه، وليس هو في كتبه.
وقد أسندوا عنه أحاديث ليست في كتبه كان يلقنها بعدما عمي.
وقال النسائي: فيه نظر لمن كتب عنه بآخره.
رُوِيَ عنه أحاديث مناكير.
وقال ابن عَدِي: حدث بأحاديث في الفضائل لم يوافقه عليها أحد، ومثالب لغيرهم مناكير، ونسبوه إلى التشيع.
وقال الدارقطني: ثقة، لكنه يخطئ على معمر في أحاديث.
وقال عَبد الله بن أحمد: سمعت يحيى يقول: رأيت عَبد الرزاق بمكة يحدث، فقلت له: هذه الأحاديث سمعتها ؟ قال: بعضها سمعتها، وبعضها عرضا، وبعضها ذكره، وكلٌ سماع.
ثم قال يحيى: ما كتبت عنه من غير كتابه سوى حديث واحد.
وقال البُخاري: ما حدَّث عنه عَبد الرزاق من كتابه فهو أصحُّ.
قال أبو زرعة عبيد الله، حدثنا عَبد الله المسندي، قال: ودَّعت ابن عيينة قلت: أريد عَبد الرزاق ؟
قال: أخاف أن يكون من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا.
قال محمد بن عثمان الثقفي البصري، قال: لما قدم العباس بن عَبد العظيم من صنعاء من عند عَبد الرزاق أتيناه، فقال لنا، ونحن جماعة: ألستُ قد تجشَّمْتُ الخروجَ إلى عَبد الرزاق ودخلتُ عليه، وأقمتُ عنده، والله الذي لا إله إلا هو إن عَبد الرزاق كذاب، والواقدي أصدق منه.
قلت الذهبي : هذا ما وافَقَ العباسَ عليه مُسلمٌ، بل سائر الحفاظ وأئمة العلم يحتجون به إلا في تلك المناكير المعدودة في سعة ما روى.
قال العُقَيلي، سمعت علي بن عَبد الله بن المبارك الصنعاني يقول: كان زيد بن المبارك لزم عَبد الرزاق فأكثر عنه، ثم خرق كتبه، ولزم محمد بن ثور، فقيل له في ذلك، فقال: كنا عند عَبد الرزاق فحدثنا بحديث ابن الحدثان،
فلما قرأ قول عمر رضى الله عنه لعلي والعباس فجئت أنت تطلب ميراثك من ابن أخيك، وجاء هذا يطلب ميراث أمرأته من أبيها.
قال عَبد الرزاق: انظر إلى هذا الأنْوَكِ يقول: من ابن أخيك، من أبيها ! لا يقول: رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال زيد بن المبارك: فقمتُ فلم أعُدْ إليه، ولا أروى عنه.
قلت الذهبي: في هذه الحكاية إرسال، والله أعلم بصحتها ولا اعتراض على الفاروق رضى الله عنه فيها فإنه تكلم بلسانِ قسمة التركات.
قلت المؤلف: "
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء :
قُلْتُ: هَذِهِ عَظِيْمَةٌ، وَمَا فَهِمَ قَوْلَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ عُمَرَ، فَإِنَّكَ يَا هَذَا لَوْ سَكَتَّ، لَكَانَ أَوْلَى بِكَ، فَإِنَّ عُمَرَ إِنَّمَا كَانَ فِي مَقَامِ تَبْيِيْنِ العُمُوْمَةِ وَالبُنُوَّةِ، وَإِلاَّ فَعُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَعْلَمُ بِحَقِّ المُصْطَفَى، وَبِتَوقِيْرِهِ،
وَتَعْظِيْمِهِ مِنْ كُلِّ مُتَحَذْلِقٍ مُتَنَطِّعٍ، بَلِ الصَّوَابُ أَنْ نَقُوْلَ عَنْكَ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الأَنْوَكِ الفَاعِلِ - عَفَا اللهُ عَنْهُ -
كَيْفَ يَقُوْلُ عَنْ عُمَرَ هَذَا، وَلاَ يَقُوْلُ: قَالَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ الفَارُوْقُ؟ وَبِكُلِّ حَالٍ، فَنَسْتَغْفِرُ اللهَ لَنَا وَلِعَبْدِ الرَّزَّاقِ، فَإِنَّهُ مَأْمُوْنٌ عَلَى حَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَادِقٌ."
ثم رجع الحديث إلى ميزان الاعتدال
وقال أَبو صالح، محمد بن إسماعيل الضراري: بلغنا ونحن بصنعاء عند عَبد الرزاق أن أحمد، وابن مَعِين وغيرهما تركوا حديث عَبد الرزاق وكرهوه، فدخلنا من ذلك غمٌّ شديد، وقلنا: قد أنفقْنا ورحلْنا وتعبْنا، ثم خرجت مع الحجيج إلى مكة، فلقيت بها يحيى، فسألته، فقال: يا أبا صالح، لو ارتد عَبد الرزاق عن الإسلام ما تركنا حديثه.
وقال أَحمد بن صالح: قلت لأحمد بن حنبل: رأيت أحسن حديثا من عَبد الرزاق ؟ قال: لا." انتهى بتصرفٍ
قلت المؤلف وقد ذكره الإمام الحافظ برهان الدين أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن خليل سبط ابن العجمي في كتاب الاغتباط بمن رُميَ بالاختلاطِ
وعلَّق عليه : أبو بكر محمد بن عمر بن محمد بن عمر بن أبي بكر بن النصيبي الحلبي الشافعي فقال:
قلت: وعبد الرزاق بن همام أحد الحفاظ الثقات ومصنف شهير على تشيُّعٍ فيه ولكن يبدو أنه لم يكن من المغالين في تشيعه وقد احتج به أصحاب الكتب الستة جميعاً وكان تغيره واختلاطه بسبب العمى في آخر عمره.
فعزَّ عليه النظر في كتبه فكان يُلقَّنُ فيتلقَّنُ فسماعُ مَن سَمِعَ منه بعدما عمي وذهب بصره إنما هو سماع في الاختلاط والتغير وليس بشيء.
ولم يذكر ابن الصلاح في علومه أحداً ممن سمع من عبد الرزاق بعد تغيره إلا إسحاق بن إبراهيم الديري وسكت عن غيره، ولهذا تعقبه الحافظ العراقي فقال: لم يذكر المصنف أحدا ممن سمع من عبد الرزاق بعد تغيره إلا إسحق بن إبراهيم الدبري فقط.
وممن سمع منه بعد ما عمي:
1- أحمد بن محمد بن شبوية قاله أحمد بن حنبل
2- وسمع منه أيضا بعد التغير محمد بن حماد الطهراني
والظاهر أن الذين سمع منهم الطبراني في رحلته إلى صنعاء من أصحاب عبد الرزاق كلهم سمع منه بعد التغير وهم أربعة أحدهم:
1- اسحاق بن ابراهيم الدبري الذى ذكره المصنف وكان سماعه من عبد الرزاق سنة عشر ومائتين وكانت وفاة الدبري سنة أربع وثمانين ومائتين (صدوق)
2- والثاني من شيوخ الطبراني إبراهيم بن محمد بن برة الصنعاني (صدوق، فقيه).
3- والثالث إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن سويد أبو إسحاق الشبامي الصنعاني.
ولد سنة تسعين ومائة، وتوفي سنة ست وثمانين ومائتين، عن ست وتسعين سنة، (مجهول الحال)
4- والرابع الحسن بن عبد الأعلى بن إبراهيم بن عبيد الله أبو محمد الأبناوي اليماني الصنعاني البَوْسِي.
قال الذهبي: المسند المعمر ما علمت به بأسًا. وأخرج له الضياء.
ولد سنة أربع وتسعين ومائة، ومات سنة ست وثمانين ومائتين، وقيل سبع وثمانين.
قال المنصوري (لا بأس به ان شاء الله)
وممن سمع من عبد الرزاق قبل الاختلاط
1- أحمد بن حنبل (أحد الأئمة ثقة حافظ فقيه حجة)
2- وإسحق بن راهويه (ثقة حافظ مجتهد قرين أحمد ابن حنبل ذكر أبو داود أنه تغير قبل موته بيسير)
3- وعلي ابن المديني (ثقة ثبت إمام أعلم أهل عصره بالحديث وعلله)
4- ويحيى بن معين (ثقة حافظ مشهور إمام الجرح والتعديل)
5- ووكيع بن الجراح (ثقة حافظ عابد)
في آخرين أخرج لهم الشيخان من رواياتهم عن عبد الرزاق فممن اتفق الشيخان على الإخراج له عن عبد الرزاق مع إسحق بن راهويه
6- إسحق بن منصور الكوسج (ثقة ثبت)
7- ومحمود بن غيلان (ثقة)
وممن أخرج له البخاري فقط عن عبد الرزاق مع على بن المديني
8- إسحق بن إبراهيم السعدي ([لقبه زكار] صدوق)
9- وعبد الله بن محمد المسندي (ثقة حافظ جمع المسند)
10- ومحمد بن يحيى الذهلي (ثقة حافظ جليل)
11- ويحيى بن جعفر البيكندي (ثقة)
12- ويحيى بن موسى البلخي الملقب خت (ثقة)
وممن أخرج له مسلم عن عبد الرزاق مع أحمد بن حنبل:
13- أحمد بن يوسف السلمي، معروفٌ بحمدان (حافظ ثقة)
14- وحجاج بن يوسف الشاعر (ثقة حافظ)
15- والحسن بن علي الخلال الحلواني (ثقة حافظ)
16- وسلمة بن شبيب (ثقة)
17- وعبد الرحمن بن بشر بن الحكم (ثقة)
18- وعبد بن حميد (ثقة حافظ)
19- وعمرو بن محمد الناقد (ثقة حافظ وهم في حديث)
20- ومحمد بن رافع (ثقة عابد)
21- ومحمد بن مهران الجَمَّال (ثقة حافظ)
والله أعلم. انتهى كلام الحافظ العراقي.
قلت المؤلف: وعند أهل السنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة دون ترتيبٍ
22- إبراهيم بن موسى الرازي (ثقة حافظ)
23- أحمد بن صالح المِصْرِي (ثقة حافظ)
24- أبو مسعود أحمد بن الفرات الرازي (ثقة حافظ تكلم فيه بلا مستند)
25- أحمد بْن مُحَمَّدِ بْنِ شبويه الخزاعي (ثقة - سمع بعد الاختلاط) وقد تتبعت أحاديثه في سنن أبي داود فوجدت الألباني صححها جميعًا لأنه : إما متابع عند أبي داودٍ، أو عند غيرهِ
26- خشيش بن أصرم النَّسَائي (ثقة حافظ)
27- أبو الأزهر أحمد بْن الأزهر النيسابوري (صدوق كان يحفظُ ثم كَبُرَ فصار كتابُه أثبتَ من حِفظِهِ)
28- وأحمد بن سَعِيد الرباطي (ثقة حافظ)
29- أحمد بن فضالة بْن إِبْرَاهِيمَ النَّسَائي (صدوق ربما أخطأ)
30- أحمد بْن يوسف السلمي (ثقة حافظ) تكرر معنا
31- بشر بن السري (كان واعظا ثقة متقنا طعن فيه برأي جهم ثم اعتذر وتاب)
32- أبو بشر بكر بن خلف (صدوق)
33- حاتم بن سياه المروزي (مقبول) يعني عند المتابعة، له حديث واحد عند الترمذي 1418 مُتابعًا
34- الحسن بن يحيى بن الجعد العبدي بْن أَبي الربيع الجرجاني (صدوق)
35- والحسين بن محمد البلخي الجريري (مستورٌ) يعني لا يُعرفُ حاله في الرواية (1)
36- والحسين بن مهدي الأبلي (صدوق)
37- وزهير بْن مُحَمَّد بْن قمير المروزي (ثقة)
38- وسَعِيد بن ذؤيب المروزي (وثقه النسائي) قلت المؤلف كذا قيَّده ابن حجر لتجهيل أبي حاتمٍ له
39- وسلمة بن شبيب النيسابوري (ثقة)
40- وسُلَيْمان بن معبد السنجي (ثقة صاحب حديث رحال أديب)
41- وعباس بن عبد العظيم العنبري واتهمه بالكذبِ! (ثقة حافظ)
42- وعُبَيد اللَّه بْن فضالة بْن إِبْرَاهِيمَ النَّسَائي (ثقة ثبت)
43- ومحمد بن أبان البلخي (ثقة حافظ)
44- ومحمد بن أَبي خالد - اسمه يزيد - أبو بكر القزويني (مقبول) له عند ابن ماجة حديث واحد 430 صححه الألباني
45- ومحمد بن داود بن سفيان (مقبول) أحاديثه عن عبد الرزاق عند ابي داود صححها الألباني
46- ومحمد بن المتوكل بن عبد الرحمن بن أَبي السري العسقلاني (صدوق عارف له أوهام كثيرة) وأحاديثه ضعَّفها الألباني عند أبي داودٍ
47- ومحمد بْن سهل بْن عسكر التميمي (ثقة)
==============================================
(1) له عند الترمذي خمسة أحاديث 748 و 2039 و 2285 و 2293 و 2689 ، وقد اعترض محقق تهذيب كمال أسماء الرجال الدكتور بشار بن عواد ، على قول الحافظ مستور، فقال: قال مغلطاي - وتابعه ابن حجر: قال الحافظ أبو بكر بن ثابت هو مجهول، كذا ألفيته في كتاب أبي إسحاق الصريفيني" (اكمال، 1 / الورقة 262، وتهذيب: 2 / 368) . قال بشار: كيف يكون مجهولا وقد روى عنه أربعة من المعروفين، منهم التِّرْمِذِيّ؟ فلعل الخطيب أراد شخصا آخر، وإلا فهذا معروف.
وَقَال مغلطاي أيضا: وزعم بعض المتأخرين من المصنفين أن حديثه باطل". قال بشار: هكذا قال وهو يريد بقوله الإمام الذهبي في الميزان، وهذه طريقته المعروفة في ذكر الذهبي لبغضه إياه، على أن الذي ذكره الذهبي في الميزان (1 / الترجمة: 2046) : الحسين بن محمد البلخي. عن الفضل بْن موسى السيناني، لا يعرف، والخبر باطل"، فهذا لا يقتضي أن الذهبي قصد شيخ التِّرْمِذِيّ، بدلالة عدم ذكر المزي روايته عن الفضل ابن موسى البستاني، وعندي أن الذهبي لم لم يذكره أصلا في الميزان.
قلت المؤلف: ولكنَّ عدم توثيق الرجلِ من أحد المعتبرين ولا ابن حبان! لا يجعلنا نجزم بتوثيقه وإن كان معروفًا، فوصف "مستور" أليقُ به، أي معروف لكنه مجهول الحال في الرواية ومع ذلك فقد صحح له الألباني بعض الأحاديث عند الترمذي.
48- ومحمد بن عبد الأعلى الصنعاني (ثقة)
49- أبو بكر مُحَمَّد بْن عَبد المَلِك بْن زنجويه الغزال (ثقة)
50- ومخلد بن خالد الشعيري (ثقة)
51- ومؤمل بن إهاب (صدوق له أوهام)
52- ونوح بن حبيب القومسي (ثقة سني)
53- وهارون بن إسحاق الهمداني (صدوق)
54- ويحيى بن مَعِين (ثقة حافظ مشهور إمام الجرح والتعديل)
قلت المؤلف: فيظهر من هذا أنَّ رواية عبد الرزاق في الصحيحين والكتب الأخرى صحيحة إذ أصحاب الكتب الستة رووا عن هؤلاء عن عبد الرزاق والله الموفق
ثم بدا لي أن أنقل حُكم الحافظ ابن حجر في التقريب على هؤلاء الرواة فوضعته بين قوسين.