ابن قدامة .. الفقيه المجتهد العابد
كثير العبادة ، دائم التهجد ، لم نر مثله ، ولم ير مثل نفسه .
ابن الحاجب
هو موفق الدين أبو محمد عبد الله بن محمد بن قدامة بن مقدام بن نصر المقدسي الجماعيلي ثم الدمشقي الصالحي الحنبلي صاحب " المغني " ينتهي نسبه إلى سالم بن عمر بن الخطاب العدوي القرشي أحد أئمة وشيوخ المذهب الحنبلي ..
ميلاده ونشأته :
وُلِدَ بجمَّاعيل من أرض نابلس في شعبان سنة 541 هـ، ونُسِب لبيت المقدس لقُرب جمَّاعيل منه ولأن نابلس وأعمالها جميعاً من مضافات البيت المقدس، وهاجر مع أهل بيته وأقاربه بسبب احتلال الصليبيين لها ، وله عشر سنين من بيت المقدس إلى مسجد أبي صالح خارج الباب الشرقي لمدينة دمشق ، وحفظ القرآن ثم انتقل مع أسرته إلى سفح جبل قاسيون فبنوا داراً تحتوي على عدد كبير من الحجرات دُعِيَتْ بدار الحنابلة، ثم شرعوا في بناء أول مدرسة في جبل قاسيون وهي المعروفة بـ »المدرسة العمرية«، وقد عُرِفَتْ تلك الضاحية التي سكنوها بالصالحية فيما بعد نسبةً إليهم لأنهم كانوا من أهل العلم والصلاح.
وقد لزم الاشتغال بطلب العلم منذ صغره ، وكتب الخط المليح ، وكان من بحور العلم وأذكياء العالم .
ورحل هو وابن خاله الحافظ عبد الغني في أول سنة إحدى وستين وخمسمائة في طلب العلم إلى بغداد وكانت إقامته بها حوالي 4 سنوات . درس فيها رواية نافع على أبي الحسن البطائحي ، ورواية أبي عمرو على أستاذه أبي الفتح بن المني .
ثم رحل إلى الموصل فسمع من خطيبها أبي الفضل الطوسي ، ثم إلى مكة فسمع من المبارك بن الطباخ.
وقد ارتقى في العلم حتى صار عالم أهل الشام في زمانه كما قال الذهبي .
وقد حدث عنه كثير من المشاهير مثل : الضياء ، وأبو شامة ، وابن النجار ، وابن عبد الدائم ، والجمال ابن الصيرفي ، والعز إبراهيم بن عبد الله ، والفخر علي ، والتقي ابن الواسطي ، والشمس ابن الكمال ، والتاج عبد الخالق ، والعماد ابن بدران ، والعز إسماعيل ابن الفراء ، والعز أحمد ابن العماد ، وأبو الفهم ابن النميس ، ويوسف الغسولي ، وزينب بنت الواسطي.
أقوال العلماء وثناؤهم عليه :
قال ابن غنيمة : ما أعرف أحداً في زماني أدرك رتبة الاجتهاد إلا الموفق ، وقال عز الدين بن عبد السلام : ما طابت نفسي بالافتاء حتي صار عندي نسخة من المغني للموفق ونسخة من المحلى لابن حزم ..
وقال أبو شامة كان إماما علما في العلم والعمل ..
وقال ابن النجار : كان إمام الحنابلة بجامع دمشق ، وكان ثقة حجة نبيلا ، غزير الفضل ، نزها ، ورعا عابدا ، على قانون السلف ، عليه النور والوقار ، ينتفع الرجل برؤيته قبل أن يسمع كلامه .
وقال عنه عمر بن الحاجب : هو إمام الأئمة ومفتي الأمة خصه الله بالفضل الوافر ، والخاطر الماطر ، والعلم الكامل طنت بذكره الأمصار وضنت بمثله الأعصار ، أخذ بمجامع الحقائق النقلية والعقلية . إلى أن قال :وله المؤلفات الغزيرة ، وما أظن الزمان يسمح بمثله ، متواضع ، حسن الاعتقاد ، ذو أناة وحلم ووقار ، مجلسه معمور بالفقهاء والمحدثين ، وكان كثير العبادة ، دائم التهجد ، لم نر مثله ، ولم ير مثل نفسه .
وقال عنه الذهبي : الشَّيْخُ، الإِمَامُ، القُدْوَةُ، العَلاَّمَةُ، المُجْتَهِدُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ.
وقال عنه الشيخ الضياء في سيرته التي أعدها في جزئين : كان تام القامة ، أبيض ، مشرق الوجه ، أدعج ، كأن النور يخرج من وجهه لحسنه ، واسع الجبين ، طويل اللحية قائم الأنف ، مقرون الحاجبين ، صغير الرأس ، لطيف اليدين والقدمين ، نحيف الجسم ، ممتعا بحواسه . أقام هو والحافظ ببغداد أربع سنين فأتقنا الفقه والحديث والخلاف ، أقاما عند الشيخ عبد القادر خمسين ليلة ومات ، ثم أقاما عند ابن الجوزي ، ثم انتقلا إلى رباط النعال ، واشتغلا على ابن المني . ثم سافر في سنة سبع وستين ومعه الشيخ العماد ، وأقاما سنة .
وقال أيضا : كان رحمه الله إماما في التفسير وفي الحديث ومشكلاته ، إماما في الفقه ، بل أوحد زمانه فيه ، إماما في علم الخلاف ، أوحد في الفرائض ، إماما في أصول الفقه ، إماما في النحو والحساب والأنجم السيارة ، والمنازل .
وقال داود بن صالح المقرئ ، سمعت ابن المني يقول - وعنده الإمام الموفق - : إذا خرج هذا الفتى من بغداد احتاجت إليه .
وقال البهاء عبد الرحمن : كان شيخنا ابن المني يقول للموفق : إن خرجت من بغداد لا يخلف فيها مثلك .
وقال محمد بن محمود الأصهباني : ما رأى أحدا مثل الشيخ الموفق .
وقال أبو عبيد الله عثمان بن عبد الرحمن الشافعي : ما رأيت مثله ، كان مؤيدا في فتاويه ..
وقال الحافظ أبوعبد الله اليونيني : أما ما علمته من أحوال شيخنا وسيدنا موفق الدين ، فإنني إلى الآن ما أعتقد أن شخصا ممن رأيته حصل له من الكمال في العلوم والصفات الحميدة التي يحصل بها الكمال سواه ; فإنه كان كاملا في صورته ومعناه من حيث الحسن والإحسـان والحلم والسؤدد والعلوم المختلفة والأخلاق الجميلة ، رأيت منه ما يعجز عنه كبار الأولياء ، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : ما أنعم الله على عبد نعمة أفضل من أن يلهمه ذكره فقلت بهذا : إن إلهام الذكر أفضل من الكرامات ، وأفضل الذكر ما يتعدى إلى العباد ، وهو تعليم العلم والسنة ، وأعظم من ذلك وأحسن ما كان جبلة وطبعا ; كالحلم والكرم والعقل والحياء ، وكان الله قد جبله على خلق شريف ، وأفرغ عليه المكارم إفراغا ، وأسبغ عليه النعم ، ولطف به في كل حال .
بعض مصنفاته العلمية :
وقد صنف كثيرا من المؤلفات الثمينة في مجالها أشهرها :
" المغني " ويقع في عشر مجـلدات و " الكافي " ويقع في أربعة ، و" المقنع "مجلدا ، و " العمدة " مجيليدا ، و " القنعة" في الغريب مجيليد و " الروضة " مجلد ، و " الرقة " مجلد ، و " التوابين " مجلد ، و " نسب قريش " مجيليد ، و " نسب الأنصار " مجلد ، و " مختصر الهداية "مجيليد ، و " القدر " جزء ، و " مسألة العلو " جزء ، و " المتحابين "جزء ، و " الاعتقاد " جزء ، و " البرهان " جزء ، و " ذم التأويل " جـزء ، و " فضائل الصحابة " مجيليد ، و " فضل العشر " جزء ، و "مشيخته " جزآن ، و " وصيته " جزء ، و " مختصر العلل للخلال " مجلد ،..
قدرته على المناظرة وحسن خلقه :
وكان رحمه الله قديرا في مناظرته للمخالفين له مع حسن خلق تجعل المخالف له يسلم بحجته ، قال الضياء : كان الموفق لا يناظر أحدا إلا وهو يتبسم . وقيل : إنه ناظر ابن فضلان الشافعي الذي كان يضرب به المثل في المناظرة فقطعه ..
وكان يجلس كما قال الذهبي زمانا بعد الجمعة للمناظرة ، ويجتمع إليه الفقهاء ، وكان يشـتغل بالعلم إلى ارتفاع النهار ، ومن بعد الظهر إلى المغرب ، ولا يضجر ، ويسمعون عليه ، وكان يقرئ في النحو ، وكان لا يكاد يراه أحد إلا أحبه .
وقال بعض الناس: هذا الشيخ يقتل خصمه بتبسمه
وأما عن حسن خلقه فقد قال الضياء : كان حسـن الأخلاق لا يكاد يراه أحد إلا متبسما ، يحكي الحكايات ويمزح ، وما علمت أنه أوجع قلب طالب ، وكانت له جـارية تؤذيه بخلقها فما يقول لها شيئا.
وقال البهاء : ما رأيت أكثر احتمالا منه . ويقول : كان الشيخ في القراءة يمازحنا وينبسط ، وكلموه مرة في صبيان يشتغلون عليه ، فقال : هم صبيان ولا بد لهم من اللعب ، وأنتم كنتم مثلهم . وكان لا ينافس أهل الدنيا ، ولا يكاد يشكو ، وربما كان أكثر حاجة من غيره .
وكان موصوفا بالشجاعة قال البهاء : كان يتقدم إلى العدو ( الصليبي ) ، وكان يرامي العدو .
حسن عبادته :
قال الضياء : وكان يصلي بخشوع ، ولا يكاد يصلي سنة الفجر والعشائين إلا في بيته ، وكان يصلي بين العشائين أربعا "بالسـجدة" ، و "يس" ، و "الدخان" ، و "تبارك" ، لا يكاد يخل بهن ، ويقوم السحر بسبع وربما رفع صوته ، وكان حسن الصوت .
حسن معتقده :
يقول الذهبي : وسمعت الحافظ اليونيني يقول : لما كنت أسمع شناعة الخلق على الحنابلة بالتشبيه عزمت على سؤال الشيخ الموفق ، وبقيت أشهرا أريد أن أسأله ، فصعدت معه الجبل فلما كنا عند دار ابن محارب قلت : يا سيدي ، وما نطقت بأكثر من سيدي ، فقال لي : التشبيه مستحيل ، فقلت :لم ؟ قال : لأن من شرط التشبيه أن نرى الشيء ، ثم نشبهه ، من الذي رأى الله ثم شبهه لنا ؟.
ابتعاده عن مذمة الناس :
وكان بعيدا عن مذمة الناس وخاصة العلماء ويرى أن في مذمتهم حرمان للعلم والرأي السديد ، ويعتب على شيخه ابن الحنبلي وقوعه في الناس ويقول : كنت أتخيل في الناصح [ابن الحنبلي]: أن يكون إماماً بارعاً ، وأفرح به للمذهب ؛ لما فضّله اللّه به من شرف بيته ، وإعراق نسبه في الإِمامة، وما آتاه الله تعالى من بسط اللسان، وجراءة الجنان ، وحدة الخاطر ، وسرعة الجواب ، وكثر الصواب ، وظننت أنه يكون في الفتوى مبرزاً على أبيه وغيره ، إلى أن رأيت له فتاوى غيرُه فيها أَسَّدُ جواباً ، وأكثر صواباً ، وظننت أنه ابتلي بذلك لمحبته تخطئة الناس ، واتباعه عيوبهم ، ولا يبعد أن يعاقِبَ الله العبد بجنس ذنبه ـ إلى أن قال: ـ والناصح قد شغل كثيراً من زمانه بالرد على الناس في تصانيفهم ، وكشف ما استتر من خطاياهم ، ومحبة بيان سقطاتهم ، ولا يبلغ العبد حقيقة الإِيمان حتى يحبَ للناس ما يحبُ لنفسه ، أفتراه يحب لنفسه بعد موته من ينتصب لكشف سقطاته ، وعَيبِ تصانيفه ، وإظهار أخطائه ، وكما لا يحب ذلك لنفسه ينبغي أن لا يحبه لغيره ، سيما للأئمة المتقدمين ، والعلماء المبرزين ، وقد أرانا الله تعالى آية في ذهابه عن الصواب في أشياء تظهر لمن هو دونه.. ذيل طبقات الحنابلة 3/430.
جهاده :
رغم انشغال موفق الدين بالعلم تعلما وتعليما إلا أنه لم ينس حظه من الجهاد وقد انضم لجنود صلاح الدين في قتاله للصليبيين وأبدى جرأة وشاعة كما قال تلميذه الضاء .
جمعه بين العلم والعمل :
وقد جمع ـ رحمه الله ـ إلى غزارة العلم زهادة في الدنيا، واستقامة على العبادة وطاعة الله، إلى ورع كان يعرف به أجزل الله مثوبته.. كل ذلك على تواضع جم واستمساك بمحاسن الأخلاق، وعلى بساطة ما في يده، كان رحمه الله جواداً لا يبخل بما هو في مقدوره... ولقد أكرمه الله بأن انعكس النور القلبي وصفاء النفس وخشية الله تعالى على وجهه فكان حسن السمت بهي الطلعة، تلمح على محياه آثار ما ينطوي عليه من الصدق مع الله، واستدامة الذكر والتلاوة والتهجد، والتنفل في الصيام وكأن الله تبارك وتعالى يبارك لهؤلاء العلماء العاملين الصلحاء في الوقت، ويكتب لكلامهم القبول، فإذا نظرت إلى ما كان يحمل نفسه عليه من العمل وتلفت إلى ثمرات علمه وقلمه فيما كتب وألف وأثر في تلامذته وأتباعه وجدت العجب العجاب... ولكنهم أحسنوا صلتهم بالله فكان الله لهم بالعون والتوفيق، وأمدهم بروح من عنده، وأفاض عليهم من إرث النبوة ما أفاض، بما كان من صادق اتباعهم لسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام، وإخلاص الوجهة له سبحانه، والتزام بطريقة السلف الصالح الذين سلكوا هذه السبيل، وتلك لعمر الله هي الولاية الحقيقية.
لقد كان يؤم الناس في محراب الحنابلة، فإذا صلى المغرب تنفل بين العشاءين في محرابه، فإذا صلى العشاء، انصرف إلى منزله وأخذ معه من الفقراء ما تيسر يأكلون من طعامه... إنها أخلاق العلماء العاملين، ومكارم عباد الله الصالحين.
من أقواله الحكيمة :
ـ إياك أن تشتغل بما يصلح غيرك قبل إصلاح نفسك ، واشتغل بإصلاح باطنك ، وتطهيره من الصفات الذميمة كالحرص والحسد والرياء والعجب قبل إصلاح ظاهرك ... فإن مُهلك نفسه في طلب صلاح غيره سفيه ، ومثله مثل من دخلت العقارب تحت ثيابه وهو يذب الذباب عن غيره.
ـ اعلم أن العلة متى تمكنت لا ينفعها إلا الدواء القوي، والعلة إذا قويت جاذبت المصلي وجاذبها إلى أن تنقضي الصلاة في المجاذبة . ومثل ذلك، كمثل رجل تحت شجرة أراد أن يصفو له فكره، وكانت أصوت العصافير تشوش عليه، وفي يده شبة يطير بها، فما يستقر فكره حتى تعود العصافير فيشتغل بها، فقيل له : هذا شيء لا ينقطع، فإن أردت الخلاص؛ فاقطع الشجرة .
فكذلك شجرة الشهوة إذا علت وتفرقت أغصانها، انجذبت إليها الأفكار، كانجذاب العصافير إلى الأشجار، والذباب إلى الأقذار، فذهب العمر النفيس في دفع ما لا يندفع .
وسبب هذه الشهوة التي توجب هذه الأفكار حب الدنيا .
واعلم أن قطع حب الدنيا من القلب أمر صعب، وزواله بالكلية عزيز، فليقع الاجتهاد في الممكن منه، والله الموفق المعين .
ـ ينبغي للمصلي أن يحضر قلبه عند كل شيء من الصلاة ، فإذا سمع نداء المؤذن فليمثل النداء للقيامة ويشمر للإجابة، ولينظر بماذا يجيب، وبأي بدن يحضر ، وإذا ستر عورته فليعلم أن المراد من ذلك تغطية فضائح بدنه عن الخلق؛ فليذكرعورات باطنه وفضائح سره التي لا يطلع عليها إلا الخالق، وليس لها عنه ساتر، وأنها يكفرها الندم والحياء والتوبة ، وإذا استقبل القبلة فقد صرف وجهه عن الجهات إلى جهة بيت الله -تعالى- ، فصرف قلبه إلى الله -تعالى- أولى من ذلك، فكما أنه لا يتوجه إلى جهة البيت إلا بالانصراف عن غيرها؛ كذلك القلب لا ينصرف إلى الله -تعالى- إلا بالانصراف عما سواه ، وإذا كبرت أيها المصلي ! فلا يكذبن قلبك لسانك؛ لأنه إذا كان في قلبك شيء أكبر من الله -تعالى- فقد كذبت، فاحذر أن يكون الهوى عندك أكبر، بدليل إيثارك موافقة طاعة الله -تعالى- فإذا استعذت، فاعلم أن الاستعاذة هي لجأ إلى الله سبحانه، فإذا لم تلجأ بقلبك؛ كان كلاك لغواً ، وتفهم معنى ما تتلو، وأحر التفهم بقلبك، عند قولك : {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة : 2]، واستحضر لطفه عند قولك : {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}[الفاتحة : 3]، وعظمته عند قولك : {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة : 4]، وكذلك في جميع ما تتلو ، واستشعر في ركوعك التواضع، وفي سجودك زيادة الذل؛ لأنك وضعت النفس موضعها، ورددت الفرع إلى أصله بالسجود على التراب الذي خلقت منه، وتفهم معن الأذكار بالذوق ، واعلم أن أداء الصلاة بهذه الشروط الباطنة سبب لجلاء القلوب من الصدأ، وحصول النوار فيه، التي بها تتلمح عظمة المعبود، وتطلع على أسراره، وما يعقلها إلا العالمون .
فأما من هو قائم بصور ة الصلاة دون معانيها؛ فإنه لا يطلع على شيء من ذلك، بل ينكر وجوده "( مختصر منهاج القاصدين ( ص 31-32 ) .
ابن قدامة والفقه :
وصل ابن قدامة إلى درجة الاجتهاد في الفقه ، وصار عمدة لمن يأتي بعده ، حتى كان بعض الفقهاء يرى أنه لا يصح لأحد الإفتاء إلا بعد مدارسة كتابه ( المغني ) وينسب إلى العز بن عبد السلام أنه قال : لم يكن يمتلك المحلى لـ ابن حزم ، ولا كان عنده المغني لـ ابن قدامة ، إنما كان يرسل لـ محيي الدين بن عربي الرجل الصوفي يستعير منه المحلى والمغني إذا أراد أن يفتي، وكان يقول: ما استطبت الفتيا إلا بعد أن صار عندي المغني والمحلى
وكان رحمه الله يبني أحكامه الفقهية على المصلحة ، فالشرع لم يأت إلا للمصلحة وتنظيم أمور وحياة الناس وفق ما يرده الله سبحانه وتعالى ..
وقد ذكر في كتابه روضة الناظر بعض الأدلة المختلف فيها وذكر من ضمنها الاستصلاح فقال :" وهو اتباع المصلحة المرسلة والمصلحة هي جلب المنفعة أو دفع المضرة ، وهي ثلاثة أقسام ؛ قسم شهد الشرع باعتباره فهذا هو القياس وهو اقتباس الحكم من معقول النص أو الإجماع ، القسم الثاني ما شهد ببطلانه كإيجاب الصوم بالوقاع في رمضان على الملك إذ العتق سهل عليه فلا ينزجر والكفارة وضعت للزجر ، فهذا لا خلاف في بطلانه لمخالفته النص وفتح هذا يؤدي إلى تغيير حدود الشرع ، الثالث ما لم يشهد له بإبطال ولا اعتبار معين وهذا على ثلاثة ضروب :
أحدها ما يقع في مرتبة الحاجات كتسليط المولى على تزويج الصغيرة فذلك لا ضرورة إليه لكنه محتاج إليه لتحصيل الكفء خيفة من الفوات واستقبالا للصلاح المنتظر في المآل ..
الضرب الثاني ما يقع موقع التحسين والتزيين ورعاية حسن المناهج في العبادات والمعاملات كاعتبار الولي في النكاح صيانة للمراة عن مباشرة العقد لكونه مشعرا بتوقان نفسها إلى الرجال فلا يليق ذلك بالمروءة ففوض ذلك إلى الولي حملا للخلق على أحسن المناهج ولو أمكن تعليل ذلك بقصور رأي المرأة في انتقاء الأزواج وسرعة الاغترار بالظاهر لكان من الضرب.. روضة الناظر - (ج 1 / ص 169)
وفاته :
توفي رحمه الله يوم السبت يوم الفطر سنة عشرين وست مائة ، وحضر جنازته من الخلق ما لا يحصون.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
*مدير موقع التاريخ الالكتروني
المصدر : موقع التاريخ ( يرجى ذكر المصدر واسم الكاتب عند النقل ) .