القدس بلاد الأديان والملاحم (3)
وصل جورج إلى الفندق عند الساعة الواحدة والنصف، صعد إلى غرفته واستلقى على سريره وسرعان ما نام، ولم يستيقظ إلا عند الرابعة والربع.. غسل وجهه سريعًا وبدّل ملابسه، وإذا بهاتف الغرفة يرنّ.. اتصل به موظف الاستقبال وأخبره أنّ هناك امرأة بانتظاره اسمها ليفي.. نزل جورج سريعًا فرأى ليفي بشعرها الأشقر، وبلباس غير رسمي فيه شيء من الاحتشام، لكنه أقرب ما يكون للبس السهرات.. صافحها جورج؛ فابتسمت ابتسامة مشرقة أبانت جمالها الخلاب..
تبدين أجمل مما كنت في الصباح! شكرًا لذوقك. تفضلي، لنذهب إلى المطعم، ونكمل حديثنا ونحن نتغدى. اختارا طاولة منعزلة في الفندق، وجلسا متقابلين.. دعا جورج النادل، وطلبا ما يريدان.. ما رأيك ألا نتحدث فترة الأكل عن العمل؟ كما تريد. أنت جميلة جدًّا، هل أنت متزوجة؟ لا، ليس بعد، كنت أظنك تختلف عن كاخ. كيف؟ أنت تهتم بالدين والتوراة والإنجيل، بينما كاخ لا يهتم إلا بالمال والنساء. صحيح، لكن ما الذي نشبه بعض فيه؟ كنت أظن أنك لا تحب المال كثيرا، ولا يشغلك الجمال.. من لا يهتم ولا يحب المال والجمال؟! لكني لم أفهم ماذا تعنين! كلمني بنيامين بعد خروجك عن المقصد من كون الاجتماع في الفندق. ماذا تعنين؟ أنت تريد مثل كاخ المتعة.. والمتعة فقط. وضحي أكثر! لا تتغابى كثيرًا، أنا جاهزة.
تعمد جورج الاستغباء، وإظهار أنه لم يفهم مغزى كلامها..
وأنا جاهز أيضًا لنكمل نقاشنا، ولكن بعد أن أنهي غدائي. جيد، لكن هل تريده نقاشًا ساخنًا؟ كما تحبين. لا أحب أن أرد أمرًا لبنيامين، ولذلك كما تحب أنت. وما علاقة بنيامين بنقاشنا؟! دعني أقول.. أنتم الرجال كلكم لا يهمكم إلا الجنس. يبدو أني أتحدث عن شيء، وتتحدثين عن شيء آخر!
بدأ جورج يفهم أكثر، ويربط بين كلام ليفي وبين كلام كاخ وبنيامين، ولما خرجا من المطعم اتجه جورج للحديقة الخارجية وقال لها:
أرشح أن نجلس في حديقة الفندق إن رأيت ذلك مناسبًا؟ في الحديقة!! كما تريد!! يبدو أن المكان مريحٌ، ويصلح للصراحة. نعم، هو مريح، لكنه مكشوف أمام الناس، ماذا تريد؟ أريد أن نتناقش. هل تتلاعب بي؟ لقد أخبرتك أن بنيامين كلمني وأني جاهزة. وأنا جاهز لنبدأ النقاش، ثم أردف: هناك سوء فهم من بنيامين: أنا لست كاخ. ما فهمته من بنيامين أنكم واحد؛ ولهذا تجهزت لك كما ترى. ألم تقولي لي بأنك لا تحبين الغزل، وأن حياتك للرب فقط! أنا.. أنا وافقت خدمة للرب. خدمة للرب!! كيف؟ أهم عبادة للرب: أن نخدم دولة إسرائيل، ونخدم شعب الله المختار. وأنت ـ آسف ـ رخيصة؟ أليس لك أي قدر لتكوني حرة في نفسك على الأقل!
بما أنك بدأت في الهجوم سأتحدث بصراحة: المرأة في اليهودية لها وضع خاص، ولا تعامل كالرجل.. لا أحب أن أتحدث في ذلك، فهل من الممكن أن تغير الموضوع؟ لم أفهم؟! ولا أود أن نتحدث وأنتي مكرهه، لكن ألم تقولي لي سابقًا أنك تحبين النقاش! أنا أحب النقاش لكني أخشى أن تفهم خطأ.. آمل أن تفهمني بشكل صحيح. تفضلي. الجنس والمرأة في اليهودية يحتاجان إلى تفصيل، فمثلًا الأصل لدينا أن الجنس السوي الطبيعي هو الذي يكون بغرض الإنجاب فقط وبين الرجل وزوجته، لكن ـ وللأسف ـ المرأة مهضومة تعامل كالصبي أو المجنون أو الحيوانات، وهي للمتعة فقط، فقد ورد في التلمود: “إن المرأة هي حقيبة مملوءة بالغائط”.. ثم التفتت بغضب، وقالت: هل هذا ما تريد؟! أتريد فقط أن تقضي ما لديك في هذه الحقيبة؟! أعتذر عن إزعاجك، وأرى أن هذا غاية التمييز والظلم، وأود أن نكمل بأريحية، وما الذي يُلزمكِ أن تكوني كذلك؟ بنيامين! وطاعته! لم أفهم! ما علاقة ما سبق بطاعتك المطلقة لبنيامين. بنيامين زوج أمي. أبوكِ! لا لا، توفي أبي في تفجير إرهابي من مسلم إرهابي تافه.. فورث عمي أمي، فقد ورد في التوراة “فرض زواج المرأة الأرملة من أخو زوجها”. ورثها عمك! هل هي سلعة لتورث؟! نعم، للأسف تجبر على الزواج من أخو زوجها. عذرًا ليس تكذيبًا لك، لكني لا أصدق ما تقولين! وأظنك تبالغين في القدح في التوراة رغم أنك تدعين أنك يهودية متدينة! آه، ربما أكون زدت في الفضفضة! ولا أحب الحديث في ذلك، لكنك أنت الذي تريد! ثم تنهدت ونظرت إلى الأسفل: مع إني حريصة ألا أقول شيئًا حتى الآن. هل هناك أشد مما قلت؟!
امتلأت عينا ليفي الجميلتين بالدموع، وتنهدت وقالت:
بما إنك أنت الذي طلبت، للأسف نعم! شهادة مائة امرأة تعادل شهادة رجل واحد! المرأة كائن شيطاني، وأدنى من الرجال!.. وقد جاء في التوراة: “يجب على الرجل ألا يمر بين امرأتين، أو كلبين أو خنزيرين، كما لا يجب أن يسمح رجلان لامرأة أو كلب أو خنزير بالمرور بينهما”، فأنا أدعو تدينا كل صباح بانكسار: مبارك أنت يا رب الذي خلقتني بحسب مشيئتك، أما الرجل فيقول: “مبارك أنت يا رب لأنك لم تخلقني وثنًا ولا امرأة، ولا جاهلًا”.
كان جورج ينظر في ليفي الجميلة وعينيها الزرقاوين الدامعتين وهو يرثي لها، ويرثي أيضًا لقلبه وعينيه المعلقة بها، ويشعر بتفاعلها مع ما تقول...
أعتذر لكِ.. هل من الممكن أن نغير الموضوع؛ فقد تعبتِ كثيرًا، وأعتذر لكِ عن إزعاجكِ. قلت لك ذلك من البداية. لكن هذه الأمور كلها قطعًا ليست للمرأة اليهوديّة؟
أبدًا.. هذا لليهودية، أما غير اليهودية فلها شأن آخر!! آمل ألا تغضب ولا تتضايق؛ فالمرأة في التلمود ـ وهو الكتاب الثاني من كتب اليهود بعد التوراة يقول: إن المرأة من غير بني إسرائيل ليست إلا بهيمة؛ لذلك فالزنا بها لا يعتبر جريمة؛ لأنها من نسل الحيوانات. أي تعصب هذا! لكني أكرر أنني لست مقتنعًا بما تقولين، فأنا قرأت عن اليهودية، وقرأت أجزاء من التوراة، ومع ذلك أشعر بأنك ربما تأولين التوراة كما تريدين. لا أعرف لماذا بدأت أنفس عن نفسي وأفضفض! لكن للتوضيح: نحن لا نقرأ التوراة كما تقرأون الإنجيل. كيف؟ التوراة هي الوحي الإلهي، بينما التلمود هو شروح التوراة، ولا يصح أن نفهم التوراة منفصلًا عن التلمود، لكني لم أحب أن أزعجك بذلك. ومن كتب التلمود؟ كُتب بأقلام كثيرة جدًّا في أكثر من ألف عام، لماذا هذه الأسئلة؟ لأني تضايقت جدًّا وتعاطفت مع وضع المرأة، وعذرًا لم أقتنع بما قلتيه عن المرأة. غالبية ما نقلت لك من التوراة، هل تريد من التلمود؟! مجموع كتب التلمود أربعة وستون كتابًا، فهل تود أن تسمع شيئًا مما فيها؟ إن كان لا يضايقك ذلك، تفضلي. إذن اسمع العجائب.. في أحد كتب التلمود: إذا قفز كلب بلدي على فتاة في أثناء تنظيفها الأرض ودخل عضوه فيها وجامعها فإنها لا تعتبر غير نظيفة، ويسمح لها بالزواج من حاخام حتى رفيع المستوى! ويحدد التلمود سن الفتاة القابلة لممارسة الجنس بثلاث سنوات ويوم واحد!! ويجد أن الفتاة بهذا السن تصلح لكي تكون زوجة حاخام، أما سن الولد الذي يؤهله للجماع فيحدده كتبة التلمود بتسع سنين ويوم واحد، وقال بعض الحاخامات ثمان سنين ويوم واحد، وفي مكان آخر يقول التلمود: إذا قام رجل بالاتصال الجنسي مع فتاة أصغر من ثلاث سنين ويوم واحد لا يعتبر ذلك فعل جنسي!! لأن الرجل كأنه وضع أصبعه في عين الفتاة!! وإذا قام صبي عمره أقل من تسع سنوات ويوم واحد بالعملية الجنسية مع امرأة بالغة فلا يعتبر ذلك زنا!! لأنه كأنما جرحها بعود من الخشب!! كما لا يعتبر التلمود العملية الجنسية مع الحيوانات زنا ولا يعاقب فاعلها! والمرأة التي تجامع حيوانا لا تعتبر زانية ولا تعاقب بل يعاقب الحيوان! كذلك لا تعتبر العملية الجنسية بقضيب مرخي زنا ولا يعاقب عليه! عذرًا يكفي؛ فقد تقززت من هذا الحديث، لكن لي سؤال وعذرًا مرة أخرى على الصراحة: أنت متدينة أم ناقمة على الدين اليهودي؟! أكرر اعتذاري لكن لا أظن أن كل اليهود هكذا! نعم.. ليس كل اليهود كما أقول؛ فهناك العلمانيون كصاحبك كاخ لا يهمهم لا التوراة ولا التلمود، وهناك فصائل كثيرة مختلفة لكن للأسف نحن من عائلة متدينة جدًّا وأنا متدينة، ولذا لا أعرف لماذا قلت لك ما سبق! ربما كنت أفضفض عن نفسي، وربما أكون مخطئة، وربما كنت أريد أن أدافع عن نفسي كوني ضعيفة جئت أعرض نفسي عليك، وقد شعرت بالإهانة. لم أقصد إهانتك وليس هذا من طبعي، لكن ماذا يريد بنيامين من إرسالك لي؟ لا أعرف بالضبط، كل الذي فهمته منه أن له مبلغًا لم تعطه إياه، وأنه فهم منك أنك لن تعطيه المبلغ حتى أمتعك بجسدي. جسدك جميل ورائع، وكم أتمنى أن أستمتع به، لكن.. أنا متزوج وتهمني مبادئي، وربما أكون متشددًا أكثر مما يجب، وعذرًا لقد فهمني بنيامين خطأ، فأنا لم أقل له ذلك، ولا يليق بي أن أقول ذلك. للأسف أنا سلعة.. ودمعت عيناها ولم تتمالك نفسها وبكت: ربما فهمك بسبب كاخ. اهدئي أرجوك.. ما علاقة كاخ بما حدث؟ كلما جاء كاخ كلم بنيامين وبت لديه ليلة أو ليلتان، فكاخ يهودي؛ ولذلك له العقود والمال والنساء، فلابد أن يعامل مندوب كاخ كما يعامل كاخ، كم أشعر بالمهانة!
لم يعرف جورج ما يقول وهو يرى دموع ليفي.. فسكت وهو ينظر إلى جمالها الخلاب ودموعها الحارة، شعر بالأسى البالغ تجاهها، وشعر بجسمه يحن إلى جسدها الغض،كما شعر بالذنب لأنّه دفعها إلى هذا الكلام الجارح والمؤلم لامرأة مثلها...
امسحي دموعك يا ليفي.. أنا آسف، لن أعود إلى هذا الحديث مرة أخرى، ما رأيك في كوب من القهوة؟ لا تعتذر.. فأنت لم تخطئ. مضيا إلى المقهى الخاص بالفندق، وقد عزم جورج على تغيير موضوع الحديث والتعالي عن رغبته الجسدية.. ما تخوفاتك من توقيع عقد الحماية مع شركتنا؟ ليس لدي أي تخوفات. طُلِب مني أن آتي من بريطانيا من أجل إجابة أسألتك. هههه، الحقيقة أنه من أجل أن تأتي بمبلغ بنيامين، إن كان المبلغ معك وسلمته لبنيامين فاعتبر العقد موقعًا. بالفعل هو معي هل أسلمك إياه أم أسلمه بنيامين؟ سلمه بنيامين.. ثم ابتسمت بحزن: حتى أنت تعمل لخدمة بنيامين وكاخ ولو تعارض مع مبادئك! للأسف ما تقولينه صحيح، المفروض أن ننافس بمنتجنا لا بالرشوة.. إذن ليست اليهودية بأسوأ من المسيحية! ربما، وبما أنك صريحة معي لهذه الدرجة دعيني أقول لك الحقيقة. أي حقيقة؟! أنا في رحلة للبحث عن السعادة بعد قلق وهم أصابني لعدم استطاعتي الإجابة على أسئلتي الكبرى، وبدأت أبحث في الأديان، وبحثي الآن في اليهودية، وسيعقبه المسيحية، ثم الإسلام. السعادة كلمة رائعة، لكن يبدو أنها خاصة بالرجال في اليهودية، كم أتمنى لو كنت رجلًا! ألم تتديني لتنالي السعادة؟ بلى، لكن ربما سعادة الآخرة فقط. ولماذا لم تغيري دينك؟ اليهودية أفضل من النصرانية والإسلام، فهي الدين الأعرق، وشعبها هو الشعب المختار، وكل ما قلته ربما كان فضفضة لشعوري بالإهانة، عذرًا ألا تشعر بالإهانة عندما تدفع رشوة وتخالف مبادئك؟! بلى، كثيرًا ما تحولنا الحياة إلى أدوات يلعب بها الناس، هههه، لكن ألا ترين أن اللاعبين كلهم يهود؟! هههه، طبيعي فنحن شعب مصطفى ومختار.. وتريدني أن أترك اليهودية! بما أن جمالك أشرق مرة أخرى، وبما أن العقد والاتفاقية وتساؤلاته انتهينا منهم، هل تتضايقين لو تناقشنا في اليهودية أكثر؟ ولن ندخل في موضوع المرأة، فأنا أود أن أتعرف أكثر على دينكم العريق.
رنّ هاتف جورج، وكان المتصل بنيامين؛ فاستأذن ليفي في الرد.. كان بنيامين يطمئن على أحواله مع ليفي، وكيف كان لقاؤهما..
أنا بخير، وليفي بخير، ولا زلنا نتناقش في أعمالنا. هههه، أما انتهيتم؟ ليس بعد.. ربما ننتهي اليوم. بإمكانكم أن تكملوا اليوم وغدًا في الفندق إن أردت، فنحن في خدمتكم. حسنًا، ولكني أود أن أقابلك غدًا إن كان ممكنًا، فلدي شيك لكم وحتى نوقع العقود. متى ما انتهيت من ليفي أنا في خدمتك. شكرًا سأتصل عليك لترتيب الموعد. أنتظر اتصالكم، وأقترح أن تأخذك ليفي في جولة إلى المدينة المقدسة غدًا إن أردت. سأتفق معها على هذا.. أترككما يبارككما الرب.
أنهى جورج المكالمة، ونظر في عيني كاترينا الزرقاوين الجميلتين..
بنيامين يريد أن يطمئن على الشيك. ويطمئن أني نفذت كل المطلوب مني. اقترح علي اقتراحًا جيدًا. لا أظنه يأتي باقتراح جيد، ماذا اقترح؟ أن نخرج غدًا في جولة إلى المناطق المقدسة. جميل.. ولكنه غريب، أحيانا يأتي اقتراح جيّد من شخص لا يُتوقع منه ذلك. الساعة الآن السادسة، إن أردتِ أكملنا نقاشنا عن اليهودية، وغدًا أنتظرك صباحًا لنأخذ جولة إلى المناطق المقدسة اليهودية؟ جيد، نكمل نقاشنا وأقترح أن تكون زيارتنا للمناطق المقدسة بعد غد أي يوم السبت، ثم ابتسمت بخجل: نذهب لرؤية الأماكن المقدسة، وإن كنت تريد شيئا آخر فاليوم أو غدًا. شيئًا آخر.. فهمت، أنت فاتنة في الجمال، لكني قلت لك أني متزوج ومبادئي تمنعني. بصراحة أكثر المتزوجون المسيحيون المتدينون هم الذين لا يمانعون في مثل هذه الأمور. نعم.. للأسف صدقتِ، لكني أرى ذلك لا يليق بي فهو خيانة لزوجتي، فكما لا أرضاه منها لا أرضاه لها. دون مجاملة أنت رجل رائع، وأنا ممتنة لك كثيرًا.
استمرا ينظران في أعين بعضهما البعض بإعجاب واضح من الطرفين، ولم يشعر إلا ويده تمسك بيدها الناعمة، ثم انتبه جورج وسحب يده وقال بإحراج..
شكرًا لك، ولا أظن أن هناك ما يستدعي هذا الشكر، المهم أني أرى أنه من المناسب أن تكون زيارتنا كما قلت يوم السبت. جيد، نكمل نقاشنا.
أود أن أتعرف أكثر على التوراة والتلمود. كما قلت لك نحن نقول إن التوراة من عند الله، بينما التلمود فهو شروحات وتوضيحات وقوانين للتوراة تم تناقلها شفويًّا ثم كتبت بعد ذلك. أي أن التلمود كلام بشر! نعم، إلا أنه لا يمكن فهم التوراة إلا من خلالها، فلسنا مثل المسيحيين كما قلت لك سابقًا. ولماذا لا ترجعون مباشرة لكلام الله في التوراة؟ وعدتك أن أكون صادقة معك، حتى التوراة فيها الكثير من الإشكالات، ولعلك رأيت كلامها عن المرأة. كيف يكون كلام الله فيه إشكالات؟ لم أفهم! للأسف نحن نقول إنه من عند الله، ولكن توجد أدلة على أنه قد وقع فيه تحريف. أدلة على التحريف؟! أين النسخة الأصلية؟ أصول التوراة مفقودة، ولكن يوجد ثلاث نسخ مختلفة، وبعضها فيها جمل زائدة ومتناقضة وهذه النسخ هي:النسخة اليونانية؛ وهي النسخة التي بقيت معتبرة لدى النصارى حتى القرن الخامس عشر وخلال ذلك كانوا يصفون النسخة العبرانية بالتحريف، وما تزال الكنيسة اليونانية تعتبرها صحيحة وكذلك سائر كنائس المشرق، والنسخة العبرانية؛ وهي المعتبرة لدى اليهود والبروتستانت، وتشتمل على 39 سفرا من الأسفار، وقد كان إجماع النصارى قائما على صحة وسلامة النسخة اليونانية حتى القرن الخامس عشر، وأن النسخة العبرانية قد حرفها اليهود عام 130م عمدا بهدف التشكيك في صحة النسخة اليونانية التي يعتمدها النصارى آنذاك، كما يضاف لذلك أن التحريف يستهدف النصارى ويهود السامرة معا، ولكن بعد ظهور طائفة البروتستانت في القرن السادس عشر انعكس الأمر؛ فذهب البروتستانت إلى صحة النسخة العبرانية والقول بتحريف النسخة اليونانية، وأخيرًا النسخة السامرية؛ والسامرة هي فرقة يهودية تسكن جبال نابلس، وهذه النسخة لا تحوي سوى سبعة كتب من العهد القديم وما زاد يعتبره يهود السامرة زيادة مزورة، وفيها جمل وفقرات لا توجد في باقي النسخ، ويعتبرها بعض المحققين من البروتستانت دون النسخة العبرانية وإن كانوا يلجئون إليها في بعض المواقع فيقدمونها على العبرانية. تأريخ عجيب جدًّا وتناقض مثير، ولكن ما مظاهر هذا التحريف.. غير موضوع المرأة والجنس؟ كثير!! منها ما تحدثنا به صباحًا عن وصف الله بما لا يليق، ومنها نسبة الفواحش والنقص للأنبياء، ومنها.. أعتذر على مقاطعتك، الفواحش والنقص للأنبياء؟! هههه، أتدري!! لأول مرة في حياتي أتحدث هكذا، وحقيقة أنا مستغربة من نفسي جدًّا، لكني أشعر بسعادة لأني أقوم بذلك، فهل هذا نوع من التنفيس أم وسوسة من الشيطان؟! لا أدري لكني سعيدة بفعل ذلك، دعني أعطيك أمثلة: في التوراة وُصِف نبي الله نوح عليه السلام بأنه يشرب الخمر ويتعرى؛ فقد جاء فيها: “وابتدأ نوح يكون فلاحًا وغرس كرمًا وشرب من الخمر وتعرى داخل خبائه”، وجاء عن لوط عليه السلام: “أنه سكن وابنتاه في غار، فقالت ابنته الكبرى للصغرى: قد شاخ أبونا، وليس على الأرض رجل يدخل علينا، فلنسقي أبانا الخمر، ونضطجع معه في مضجعه، ففعلتا، وحملتا منه بولدين موآب وعمون” وغير ذلك كثير أظن هذين المثالين كافيين. أعتذر لكِ ليفي، لكن لماذا تعودين للقضايا الجنسية كلما خرجنا منها؟ لأني عاهدت نفسي أن أكون صادقة معك، وأنت الذي سألتني. أود أن ننتقل إلى موضوع آخر.
ابتسمت ليفي واحمرت وجنتاها خجلًا وبدت أكثر جمالًا وتألقا..
هههه، تفضل وأتمنى ألا تتحول بأسئلتك للجنس والمرأة.
لم يكن طلب جورج البعد عن القضايا الجنسية إلا هروبًا من إلحاح عينيه على جسده بجمال الفتاة اليانعة التي أمامه؛ فلا يريد أن تلح أذنه على جسده الذي بدء يشعر بالحنين الجارف والعطش الشديد للارتواء من الجمال الفاتن الذي أمامه، فخاف أن يخون كاترينا ومبادئه، يالسخافة الحياة ويا لصعوبتها، ثم تذكر كلمة آدم المشهورة «السعادة في البساطة»، فتمتم بداخله: ليتني أستطيع أن أعيش مع مبادئي ببساطة، فحاول أن يغير الموضوع..
قلت لي إنك من النمسا. هههه، لا قلت لك إني من إسرائيل.
نعم، أقصد أن والديك من النمسا، واسمحي لي فحسب الإحصاءات البريطانية كانت نسبة اليهود عام 1945م 38%، ونسبة المسلمين كانت 58%، والمسيحيون 8%، وأن هذه النسبة المرتفعة لليهود بسبب هجرة 50000 - 60000 خلال الفترة من 1920-1945م، فكيف تعتبرون أن المسلمين والمسيحيين إرهابيون وأنتم القادمون عليهم والمحتلون لأرضهم؟! عذرًا.. أنتم البريطانيون المحتلون، وأنتم الذين أعطيتمونا أرضنا وأعدتم لنا حقنا. ولماذا أعادت بريطانيا لكم حقكم كما تقولين، هل هي خدمات مجانية لكم فقط؟! الذي يهمني أنها أرضنا وأعيدت لنا، أما لماذا خدمتنا بريطانيا، فهو سؤال لك وليس لي.. وإن كانت بريطانيا وأوربا قد خدمتنا فقد قتلتنا كثيرًا ألا تعرف ذلك؟ تقصدين الهولوكست؟! نحن شعب اضطهد كثيرًا على مدى التاريخ، وما الهولكست إلا الحلقة القريبة من الاضطهاد غير الأخلاقي لنا. بالأمس ليلة مجيئي إلى هنا كانت زوجتي الكاثوليكية تحدثني عن الاضطهاد اليهودي للمسيحيين، كل شعوب الدنيا تشعر بالاضطهاد! صدقت.. حتى البرابرة الإرهابيون المسلمون الذين قتلوا أبي يقولون أنهم مضطهدون، لكن التاريخ والوقائع تعطيك الحقيقة. أنت قلت أنك تحبين النقاش ولا تتضايقين من الصراحة فيه، ألا ترين أن المسلمين مضطهدون، اُحتلوا وطُردوا من بلادهم وقُتلوا وشُردوا!
الإرهابيون يستحقون هذا وأكثر، ثم من فعل هذا! هو أنتم قبلنا فلا تنتقدونا. لقد تحولت إلى هجومية، نعم نحن فعلناه قبلكم ولكم، لكن ألا ترين أنهم مضطهدون؟ قلت لك يستحقون ذلك وأكثر؛ فهم برابرة متخلفون وحشيون إرهابيون... ولكن ألا ترين أن المسيحيين في فلسطين أيضًا مضطهدون وليس المسلمون فقط! تعني إسرائيل وليس فلسطين. نعم ألا ترين أن المسيحيين في إسرائيل مضطهدون من اليهود! لا تغضب، المسيحيون بإمكانهم أن يذهبوا إلى أي مكان في أوربا أو أمريكا إن لم يعجبهم تعاملنا!! هههه، كلامك القاسي الحاسم هذا يتناقض مع جمالك، لا أتصور أن هذه الرقيقة الجميلة تقول مثل هذا الكلام القاسي! من ليس مستعدًا أن يخدمنا فليس له عندنا إلا القتل! هذه هي تعاليم الكتاب المقدس. أهكذا تعاليم الكتاب المقدس؟!! نعم، فلدينا في التوراة: “قال الرّبُّ إله إسرائيل: على كل واحدٍ منكم أنْ يحملَ سيفه ويطوف المَحلَّةِ منْ بابٍ إلى بابٍ ويقتلَ أخاهُ وصديقَه وجارَهُ”، ولدينا أيضا: “وكلَّم الآخرينَ فسمِعتُهُ يقولُ: اذهبوا في المدينة وراءهُ واَضربوا. لا تُشفِقوا ولا تَعفوا. اقتلوا الشُّيوخ والشُّبَّانَ والشَّاباتِ والأطفالَ والنِّساءَ حتى الفناءِ”، ولدينا: “فَالآنَ اذهب واضرب عَمَالِيقَ وَحَرِّمُوا كُلَّ مَا لَهُ وَلاَ تَعْفُ عَنْهُمْ بَلِ اقْتُلْ رَجُلًا وَامْرَأَةً، طِفْلًا وَرَضِيعًا، بَقَرًا وَغَنَمًا، جَمَلًا وَحِمَارًا”، تكفيك هذه النصوص أم أزيدك؟ أعتذر.. يبدو أنني أغضبتك، اهدئي قليلًا.. هذا إرهاب لا يطاق! أنا هادئة، وقد قلت لك كلام الله كما في التوراة لا كلامي!
نادى جورج النادل، وطلب منه عصير برتقال.. والتفت إلى ليفي التي تحاول أن تخفي عنه توتّرها وانفعالها..
ماذا تريدين لتهدئي أكثر؟ عصير ليمون لو سمحت.
سكت جورج للحظة وهو ينظر في وجه ليفي وهي تتنهد، ويتأمل في التناقض بين الجمال الرقيق والقتل والتشريد وعدم الشفقة الذي تتحدث عنه.. كانت ليفي مطرقة برأسها، تنظر إلى الأسفل، ثمّ رفعت رأسها وهي تدمع..
مات أبي، وأصبحت لعبة عند بنيامين كل ذلك بسبب اضطهادنا طوال التاريخ، ثم تريدني أن أصدق أن هؤلاء الإرهابيين مضطهدون؟! تفضلي.. اشربي الليمون ودعينا من هذا الموضوع ما دام يضايقك.. لا يضايقني، ويمكنك أن تكمل، وأنا هادئة جدًّا الآن. بصراحة هل أنت مقتنعة بنصوص التوراة التي ذكرتيها؟ بصراحة.. بصراحة لا. لماذا؟ ألم أقل لك إن التوراة مليئة بالتحريف، هذه القسوة لا يمكن أن تكون من عند الرب الرحيم! صدقت.. فالرب رحيم بعباده. وحتى أعيدك للجنس والمرأة اسمع هذا النص من التوراة: “فالآنَ اَقْتُلوا كُلَ ذَكَرٍ مِنَ الأطفالِ وكُلَ اَمرأةٍ ضاجعَت رَجلًا، وأمَّا الإناثُ مِنَ الأطفالِ والنِّساءِ اللَّواتي لم يُضاجعْنَ رَجلًا فاَسْتَبقوهُنَّ لكُم “، ثم ابتسمت مرة أخرى، وقالت: وخذ هذا النص أيضًا: “فَأَوْصَوْا بَنِي بَنْيَامِينَ قَائِلِينَ: انْطَلِقُوا إِلَى الْكُرُومِ وَاكْمِنُوا فِيهَا. وَانْتَظِرُوا حَتَّى إِذَا خَرَجَتْ بَنَاتُ شِيلُوهَ لِلرَّقْصِ فَانْدَفِعُوا أَنْتُمْ نَحْوَهُنَّ، وَاخْطِفُوا لأَنْفُسِكُمْ كُلُّ وَاحِدٍ امْرَأَةً وَاهْرُبُوا بِهِنَّ إِلَى أَرْضِ بَنْيَامِينَ”، ثم ضحكت بسخرية وقالت: عدنا للجنس والنساء إلا إنه الآن في سياق القتل والخطف! فهل تود أن نترك الموضوع أيضًا؟ عجيب! لا أكاد أصدق ما أسمع! نعم لنتجاوز هذا الموضوع أيضًا، ولكن إن سمحت من هم بنات شيلوه؟ من هو شيلوه؟ شيلوه هو المسيح أو المسيا على أحد التفاسير عندنا، المهم أنهن النساء غير اليهوديات كنسائكم ونساء المسلمين، وأعتذر لك لكنك استفززتني؛ ففقدت أعصابي. لا بأس، أظن الوقت متأخرا الآن وأنا أدعوك للعشاء الآن حتى تهدئي قليلًا. أووه.. لم أنتبه للوقت الساعة الآن التاسعة مساءً، إن كان هذا أمر منك فأنا موافقة، وإلا فأنا أود أن أنصرف إن سمحت لي. لا أحب الكلام بهذه الطريقة، أنا لم آت لآمرك، وقد قلت لك أني ارتحت لصراحتك، واستفيد منك كثيرًا في طريقي للسعادة، وأنا أحب أن أجلس معك عندما تكوني ترغبين أنت في ذلك. شكرًا لك على لطفك، أراك غدًا إذن. اتفقنا أن يكون لقائنا بعد غد يوم السبت! زيارتنا للأماكن اليهودية المقدسة بعد غد، ولكن يمكن أن نكمل نقاشنا غدا إن أردت؟ سألتقي بك غدًا عندما آتي لمقابلة بنيامين صباحًا، لكني أود أن أزور كنيسة القيامة وكنيسة مريم إن تمكنت. كنيسة القيامة كنيسة ليست بروتستانتية وأنت تقول أنك بروتستانتيا.. ثم قالت بدلال أخاذ: هل تخدعني؟ ولماذا أخدعك؟ سأزورها لأني وعدت زوجتي الكاثوليكية بأن أزورها. أنت تحب زوجتك كثيرًا، سأرسل لك الساعة الثامنة صباحًا السائق ليحضرك للمكتب لمقابلة بنيامين، وحاول أن تخرج مبكرًا لتتمكن من رؤية الكنيستين فغدًا جمعة.
وماذا يعني أنه جمعة؟ يعني حواجز وتفتيش في كل الطرق، للتأكد من عدم قيام إرهابيين بالتفجير وهم ذاهبون لصلاة الجمعة. سأكون في الثامنة جاهزا لأتحرك للمكتب.. ثم قام وصافح ليفي وهو ينظر في عينيها، وقال: أنا ممتن لك وأعتذر عن إزعاجك. أنا الممتنة لكرمك ولطفك وصراحتك ووفائك لزوجتك ولمبادئك. أنتِ رائعة! كم أتمنى أن أسير معك في طريق السعادة الذي تسير فيه، لكن ظروفي لا تساعدني. ومن يدري؟ ربما.. ألقاك صباحًا أيتها الجميلة.
تناول جورج عشاءه سريعًا بعد انصراف ليفي، وصورتها لا تفارقه.. كان يحسّ بقربها منه، ولكن لا يدري لم؟ هل هو بسبب جمالها الفتان؟ أم لصراحتها معه؟ أم أنه تعاطف معها؟.. كان يشعر بنفسه حائرًا، يتذكر ابتسامتها.. ويتذكر دموعها.. ويتذكر غضبها وانفعالها.. كل ذلك ظلّ حاضرًا في ذهنه. تملّكه الأسف عليها.. هي ضحية لتعاليم محرفة وظالمة.. كيف لتلك المسكينة أن تواجه كل هذا الظلم والتعدي في حقها باسم الرب!! صعد غرفته، وفتح جهاز التلفزيون محاولًا أن ينسى ليفي وجمالها وليرى الأخبار، كانت أخبار التفجير الإرهابي في لندن تناقصت، لكنه رأى وسمع في الأخبار أن المسئول عن التفجير حركة سيتا المنشقة، وأن الباكستاني المطلوب تم القبض عليه؛ فقد كان خائفًا مختبئا في أحد المناطق في ضواحي لندن، وتم الإفراج عنه بعد أن ثبتت براءته.. فقال في نفسه: ثبتت براءتك يا كريم الله. ثم جاء في الأخبار تجهز الحكومة الإسرائيلية لغد الجمعة، ومنع مَن أعمارهم أقل من خمسين عام من الصلاة في المسجد الأقصى تحسبًا لأي تفجير إرهابي.. أغلق التلفاز، وفتح بريده الإلكتروني، ورد على البريد الوارد عليه، ثم قرر أن يكتب بعض نصوص التوراة التي أخبرته بها ليفي ويرسلها لتوم وآدم.. انتهى من كتابتها وأرسلها، وكانت الساعة الحادية عشرة، فاستلقى على فراشه للنوم، لكن خيال ليفي لم يختفِ من مخيلته، تساءل: هل أخطأ عندما لم يجعلها تنام معه الليلة! كم ستكون ليلة سعيدة ممتعة لو وافقها، ثم هي كانت جاهزة، وقد فعلته قبل ذلك مع كاخ، أي مبادئ هذه التي تمنعنا من لذائذ الحياة؟! ولا يدري لماذا تذكر عند ذلك غيرته وغضبه لما تخيل أن كاترينا خانته مع توم، تمتم في داخله: أي تناقض أعيشه؟! أريد الخيانة وأغضب منها، وأدفع الرشوة وأرى أن من يأخذها ليس على خلق أو مبدأ، كم أتمنى أن تستقيم روحي وفكري وحياتي وسعادتي ومبادئي..