3-
عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام عن آبائه
عن أمير المؤمنين عليه السلام
قال: بعثني رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ -
إلى المدينة
فقال: لا تَدَعْ صُوْرَةً إلّا مَحَوْتَهَا ولا قَبْرَاً إلا سَوَّيْتَه...»
وفي روايةٍ أخرى لهما أيضاً
عن أبي عبد الله عليه السلام عن آبائه عليهم السلام
أن علياً عليه السلام قال:
«أرسلني رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ - في هَدْمِ القبور وَكَسْرِ الصُّوَر»([1]).
وكذلك كل ما ورد في باب النهي عن تعمير وتجديد القبور،
يدلُّ بوضوح تام على تلك الحقيقة،
وذلك مثل ما جاء في كتاب «من لا يحضره الفقيه» للصدوق
، وكتاب «المحاسن» للبرقيّ
والمجلد 18 من بحار الأنوار للمجلسيّ
أن أمير المؤمنين عليه السلام قال:
«مَنْ جَدَّدَ قبراً أو مَثَّلَ مثالاً، فَقَدْ خَرَجَ عَنِ الإسْلامِ»([2]).
4-
لقد قام عليٌّ عليه السلام بدفن زوجته فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين بكيفية جعلت قبرها غير معلوم لأحد حتى هذا اليوم،
بل أوصى مولى المؤمنين عليه السلام أصحابه بعد وفاته بدفن جثمانه بنحوٍ يتم فيه إخفاء قبره عن أنظار الناس،
وفي هذا أكبرُ عبرة لأولي الأبصار وتذكرة لأولي الألباب،
بل هو تدبيرٌ تحار في عظمته عقول المؤمنين
وتدهش لبصيرة عليٍّ النافذة ورؤيته الربانية البعيدة
التي جعلته يأمر بذلك
وكأنه كان يرى من وراء أستار القرون
ما سيفعله عُبّاد القبور بعد أكثر من ألف عام؟؟
ولا عجبَ فهو عليٌّ الذي أمره الرسول الخاتم صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ بهدم كلِّ قبر مُشْرِف من قبور الناس
التي كانت مزاراً في ذلك الزمن بل كانت معبد أصنامِ عُبّاد الأموات،
كما أمره بهدم كل وثن أو تمثال كان الناس لا يزالون يعبدونه وربما كان في مقابرهم([1]).
أجل، لم يكن في نظر عليٍّ - المحطم للأصنام -
أيُّ فرق بين أن يعتلي كتف النبي (صَلَّى الله عليه وَآلِهِ وَسَلَّمَ)
سيدنا علي في فتح مكة
امره النبي لكي يُخْرِجَ الأصنام من بيت الله ويطرحها أرضاً فيجعلها حطاماً، وبين أن يذهب إلى القبور ويحطِّم
القبور المشرفة فيسوي بها الأرض،
فكلا الأمرين أمرُ رسول الله ورضا رب العالمين. فكيف لا يرى ذلك الشخص العظيم، ببصيرته النافذة وتفكيره البعيد، لانه من الممكن لهذه الأمة التي تخلّصت حديثاً من ظلمات الجاهلية، أن تحوِّلَ -
عن قريبٍ - قبرَ ابنةِ النبيِّ الوحيدة، التي حازت مزايا ومناقب خاصة من جانب رسول الله (صَلَّى الله عليه وَآلِهِ وَسَلَّمَ)
كقوله: «فاطمة بضعة مني»
و«فاطمة سيدة نساء العالمين»،
إلى مزارٍ، أو بتعبير أصح إلى معبد أوثان جديد مثل تلك التي أُمِرَ بهدمها،
فقام بدفنها في وسط الليل حتى لا يطلع أحد مكانها أحد فيتخذه مزاراً؟!
وكيف لا يوصي سيدنا علي بدفن جثمانه على نحو لا يعلم بمكان قبره أحد، وهو يرى بعين اليقين والبصيرة ما سيحدث لقبره فيما بعد،
كيف لا وقد رأى في حياته أشخاصاً رفعوه إلى حد الإلهية فاعتبره بعضهم اللهَ ربَّهم وخالقَهم؟!
إلى الحد الذي اضطر لأجل ثنيهم عن تلك العقيدة الفاسدة أن يهدّدهم بالقتل والحرق، بل أن ينفذ ذلك، حسب ما ذكرته بعض التواريخ،
ورغم ذلك لم يرجع أولئك الأفراد عن عقيدتهم واحترقوا وماتوا عليها.
أفلا يجب على مثل ذلك الإمام أن يخفي قبره وقبر ابنة رسول الله عليهما السلام عن أنظار الناس حديثي العهد بالجاهلية؟.
أما ما يدّعيه بعض العلماء من أن قبر فاطمة عليها السلام
إنما تمّ إخفاؤه حتى لا يصلِّي عليه الشيخان فهو - ليس سوى ظنّ خاطئ لا يقوم عليه دليل، من هؤلاء الرافضه
والدليل على ما نقول
أن علياً عاش سنين طويلة بعد رحلة الشيخين، كما أن الأئمة من ذرية فاطمة - عليهم السلام
- عاشوا في زمن لم يبق فيه أيُّ خوف من ذلك الأمر أصلاً،
فلماذا بقيَ قبرُ فاطمة مجهولاً ولم يقم عليٌّ ولا الأئمة الكرام من أولاده بإظهاره؟!
وكذلك ما قالوه من أن علّة أمر عليٍّ بإخفاء قبره هو خشيته من أن يقوم الخوارج بنبش قبره وحرق جثمانه،
لا يعدو أيضاً ظنَّاً كاذباً تكذّبه الحقيقة والتاريخ
لأن الخوارج - رغم إجرامهم - لم يؤثَر عنهم أنهم قاموا بحرق أي جثمان من أجساد مخالفيهم ولم يأت مثل هذا الخبر في أي تاريخ.
إن الذين يشيعون بين المسلمين مثل هذه الأباطيل والأقوال الكاسدة إما جاهلون بحقيقة الدين
أو عاجزون عن معرفة أولياء الله ومدى بُعْد نظرهم أو متعصبون أو مدفوعون لإثارة الاختلاف والنزاع بين المسلمين أو كل ما سبق!؟