يوسف بن تاشفين وصحوة الإسلام بالأندلس
هو المجاهد العظيم قاهر الصليبيين ومطفئ الفتنة وناصر السنة وماحي البدعة موحد المغرب والأندلس أمير الملثمين يوسف بن تاشفين بن إبراهيم المصالي الصنهاجي اللمتوني الحميري.
ميلاده ونشأته :
ولد ـ رحمه الله ـ سنة 410هـ ، وقيل سنة 400 هـ فى إقليم موريتانيا ، وقيل فى المنطقة الواقعة على حدود موريتانيا الجزائر المغرب في بني وارتقطين زعماء قبيلة لمتونة، وهي إحدى القبائل الثلاث (لمتونة وجدالة ومسوفة ) التي اختصت بالسيادة على قبائل صنهاجة جميعا ، وكان يبلغ تعدادها حوالي سبعين قبيلة ..
وكانت قبيلة لمتونة هذه تقطن في المنطقة الممتدة على المحيط الأطلسي من وادي نون جنوب مدينة تارودانت حتى رأس بوجدور.
وقد اعتنقت الإسلام في القرن الثالث الهجري ، ثم عملت على نشره في جنوب صحراء أفريقيا ( السنغال ) الذي اشتق اسمه فيما بعد بالبرتغالية منها ـ صنهاجة غال ـ أي نهر صنهاجة.
وعرف رجالها بـالملثمين، وفي فترة لاحقة بـالمرابطين.
وكانت أسرته تختص بالسيادة في قبائل صنهاجة ، فنشأته تنشئة تليق بسيادتها ومكانتها ، إضافة إلى التربية الدينية التي وُجِه إليها منذ صغره ، حيث لازم في بداية حياته عبد الله بن ياسين صاحب الدعوة المرابطية برباطه الذي كان فرعا من مدرسة وجاج بن زلو المصلح الكبير، وأقام معه أكثر من عشرين سنة قبل ولايته على المغرب ، تعلم منه تعاليم الإسلام وأحكامه وحب التضحية في سبيله والعمل على رفعته وعزته .
بداية ظهوره على الساحة :
كان أول ظهور ليوسف بن تاشفين على الساحة يوم عزم المرابطون على فتح بلاد سوس، حيث عينه عمه الأمير أبو بكر الصنهاجي على رأس الجيش الفاتح الذي أعده لضم بلاد المغرب العربي إليه ، فاستخلص تارودانت وضمها لحكم المرابطين ، وأجلى المغراويين عن أغمات وطرد بني يفرن من تادلا، وسار إلى الشاوية (بلاد تامسنا) وقاتل بها البورغواطيين قتالا مريرا سقط فيه زعيم المرابطين عبد الله بن ياسين قتيلا سنة 451 هـ، فاجتمعت بذلك الزعامة الروحية والسياسية لأبي بكر بن محمد الصنهاجي.
وبعد الانتهاء من حربهم عاد الزعيمان المرابطيان إلى أغمات، واستراحا قليلا قبل الخروج لتصفية جيوب بقيت من الحروب الأولى مدة ثلاثة أشهر بلغ الخبر خلالها لأبي بكر بن محمد أن القبائل المرابطية اختلفت بالصحراء، ودب الصراع بين لمتونة ومسوقة ، فعزم على السير إليهم لإصلاح ذات البين، وعهد بأمور المغرب إلى وزيره وابن عمه يوسف بن تاشفين سنة 453 هـ، وقسم الجيش المرابطي بينهما.
فتابع يوسف إخضاع بلاد المغرب حتى استقام له الأمر وصفا ، واختط مدينة مراكش لتكون قاعدة لملكه سنة 462هـ وكان المسجد أول ما صمم في العاصمة الجديدة ، وعمل فيه يوسف بيده الأمير وخاض في الطين والماء وحمل مع البنائين تواضعا لربه عز وجل.
وقيل في سبب بناء تلك المدينة ( مراكش ) أن أبا بكر الصنهاجي بعد أن استقرت له الأمور سمع أن عجوزاً في بلاده ذهبت لها ناقة في غارة، فبكت، وقالت: ضيعنا أبو بكر بن عمر بدخوله إلى بلاد المغرب، فعز ذلك عليه ، وعزم على أن ينيب عنه رجلا حازما نشيطا ذا دين يعينه على نشر العدل وتحقيق العدل ، فوقع اختياره على ابن عمه يوسف بن تشفين .
فأقبل يوسف ـ رحمه الله ـ عمله الجديد بهمة ونشاط ، فاختط بالمغرب مدينة مراكش ، واختار موضعه دون سواه لأنه كان قاعا صفصفا، لا عمارة فيه، وهو موضع متوسط في بلاد المغرب كالقيراون في أفريقية، ويقع تحت جبال المصامدة الذين هم أشد أهل المغرب قوة، وأمنعهم معقلاً، واتخاذه مقرا له يجعله قادرا على قمع أهل تلك الجبال إن هموا بفتنة، كما إن هذا المكان كان مكمناً للصوص، وقضاؤه عليهم وتأسيس عاصمته فيه سيكون ذا تأثير معنوي في البلاد الأخرى ، فإذا كان قد فعل ذلك بموطن اللصوص فهو على ضبط غيره أقدر .
صعوده للملك وتوحيد بلاد المغرب :
كان أبو بكر بن عمر الصنهاجي قد توفي سنة اثنتين وستين وأربعمائة فاجتمعت طوائف المرابطين على يوسف بن تاشفين وملكوه عليهم ، فسار بهم إلى باقي بلاد المغرب العربي فافتتحها حصناً حصناً ، وقد استغرق زهاء عشرين سنة يناضل من أجل ذلك .
وقيل : إنه لم يل الملك بعد وفاة أبي بكر الصنهاجي بل في حياته ، حيث تنازل له عن الملك بعد أن دانت له كل بلاد المغرب العربي ، واستوصاه خيرا بالرعية ، ثم انصرف هو مجاهدا إلى الصحراء من جديد، وواصل فتوحاته في بلاد السودان حتى سقط شهيدا سنة 480هـ بعد أن استولى على نحو تسعين مرحلة من بلادهم.
وعقب وصوله للملك ضرب السكة باسمه ، وتسمى بأمير المسلمين بعد أن أراد شيوخ صنهاجة تسميته بأمير المؤمنين فأبى وقال: إنما تسمى بهذا الاسم الخلفاء، فقالوا: لا بد من اسم تمتاز به، وكان يدعى بالأمير، فقال لهم: يكون أمير المسلمين، فاتفقوا على ذلك وكتبوا به إلى الأقاليم.
وصدر مرسوم بذلك، جاء فيه : " أما بعد حمد الله، أهل الحمد والشكر، ميسر اليسر، وواهب النصر، والصلاة على محمد المبعوث بنور الفرقان والذكر، وإنا كتبنا إليكم من حضرتنا بمراكش حرسها الله في نصف محرم سنة ستة وستين وأربعمائة. وأنه لما من الله علينا بالفتح الجسيم، وأسبغ علينا من أنعمه الظاهرة والباطنة، وهدانا وهداكم إلى شريعة نبينا محمد المصطفى الكريم صلى الله عليه أفضل السلام وأتم التسليم. رأينا أن نخصص أنفسنا بهذا الاسم لنمتاز به على سائر أمراء القبائل، وهو أمير المسلمين وناصر الدين، فمن خطب الخطبة العلية السامية، فليخطبها بهذا الاسم إن شاء الله تعالى، والله ولي العدل بمنه وكرمه والسلام.
دخوله الأندلس :
كانت الأمور قد اشتدت على أمراء المسلمين بالأندلس بعد أن ضيق نصارى الإسبان عليهم الخناق ، فلم يجد المعتمد بن عباد صاحب إشبيلية بدا من الاستنجاد بيوسف بن تاشفين، فأرسل إليه عام 475 هـ كتابا يستصرخه لإعانة أهل الأندلس ، ويعلمه بما وصل إليه حال الإسلام هنالك ، فأجابه يوسف بالموافقة على نجدته ولكن بعد أن يفرغ من فتح سبتة التي كانت لا تزال بيد البرغواطيين ، وهنا عرض عليه ابن عباد أن يرسل له بعض سفنه ليستطيع فتح المدينة في وقت وجيز ، حيث تقوم السفن بحصارها بحرا ، وتقتحمها جنود المرابطين برا ، فأسعده ذلك ، وتمكن بالفعل من فتح سبتة المحاصرة بحرا بعد اقتحامها بقواته ..
ثم جمع شيوخ المرابطين لمشاورتهم في العبور إلى الأندلس فرحبوا بالفكرة ،بل أفتوه بوجوب نصرة المسلمين هنالك ، وعدم تركهم طعمة لأعدائهم.
وفي هذا الوقت كانت الاستغاثات توالى عليه ، وجاءه ابن عباد بنفسه ، حيث التقى به في مدينة فاس ، وألح عليه بسرعة العبور، فطلب يوسف الجزيرة الخضراء من ابن عباد ليجعلها رباطا لجيشه فتم له ذلك.
ثم بدأ في شحن جنوده ومن لحق بهم متطوعا من قبائل المغرب ، وبعد أن أخذوا أماكنهم هناك عبر إليهم بما بقي معه من جند ، وذلك في ربيع الأول سنة 479 هـ فصلى الظهر بالجزيرة الخضراء ، وهناك تلقاه ملوك الأندلس وأمراؤها بالترحاب ، ولم يمكث بالجزيرة الخضراء كثيرا وإنما توجه إلى إشبيلية .. لينطلق منها لمقابلة الطاغوت ألفنسو وجنوده ، وأخذ كل فريق يعد العدة ليوم الحسم ، فتحالف ألفونسو مع ملك أراغون والكونت برنجير رايموند، حيث كان الأول يحاصر طرطوشة والثاني يتهيأ لغزو بلنسية، كما انضم لجيش ألفونسو قوات كثيرة قدمت من فرنسا وإيطاليا.
وعلى الجانب الإسلامي اجتمعت جيوش ملوك الطوائف تحت قيادة ابن عباد، وبقي جيش المغرب تحت لواء يوسف بن تاشفين لتدور رحى معركة من أشد المعارك التي شهدها الصراع بين المسلمين والنصارى .
فالتقى الجيشان يوم الجمعة 11 رجب سنة 479 هـ (وهو الموافق للثالث والعشرين من شهر أكتوبر سنة 1086م ) في سهل فسيح غرب مدينة بطليوس يعرف بالزلاقة، لتنتهي بنصر حاسم للمسلمين ، حتى اضطر ألفنسو لأن يهرب في فرقة من خاصة جنده قدرت بنحو خمسمائة فارس فارا إلى إلى طليطلة.
وقيل : إن أهل الأندلس كتبوا إليه كتابا جاء فيه : " أما بعد، فإنك إن أعرضت عنا نُسبت إلى كرم ولم تنسب إلى عجز، وإن أجبنا داعيك نسبنا إلى عقل ولم ننسب إلى وهن، وقد اخترنا لأنفسنا أجمل نسبتينا، فاختر لنفسك أكرم نسبتيك، فإنك بالمحل الذي لا يجب أن تسبق فيه إلى مكرمة، وإن في استبقائك ذوي البيوت ما شئت من دوام لأمرك وثبوت، والسلام " .
فلما جاءه الكتاب مع تحف وهدايا ـ وكان لا يعرف اللسان العربي ـ لكنه كان يجيد فهم المقاصد، وكان له كاتب يعرف اللغتين العربية والمرابطية - فقال له: أيها الملك، هذا الكتاب من ملوك الأندلس يعظمونك فيه ويعرفونك أنهم أهل دعوتك وتحت طاعتك، ويلتمسون منك ألا تجعلهم في منزلة الأعادي، فإنهم مسلمون، وهم من ذوي البيوتات؛ فلا تغير بهم، وكفى بهم من وراءهم من الأعداء الكفار، وبلدهم ضيق لا يحتمل العساكر، فأعرض عنهم إعراضك عمن أطاعك من أهل المغرب؛ فقال يوسف بن تاشفين لكاتبه: فما ترى أنت فقال: أيها الملك، اعلم أن تاج الملك وبهجته وشاهده الذي لا يرد بابه خليق بما حصل في يده من الملك أن يعفو إذا استعفى وأن يهب إذا استوهب، وكلما وهب جزيلاً كان أعظم لقدره ، فإذا عظم قدره تأصل ملكه، وإذا تأصل ملكه تشرف الناس بطاعته، وإذا كانت طاعته شرفاً جاءه الناس ولم يتجشم المشقة إليهم، وكان وارث الملك من غير إهلاك لآخرته؛ واعلم أن بعض الملوك الأكابر والحكماء البصراء بطريق تحصيل الملك قال: من جاد ساد ومن ساد قاد ومن قاد ملك البلاد. فلما ألقى الكاتب هذا الكلام إلى يوسف بن تاشفين بلغته فهمه وعلم أنه صحيح، فقال للكاتب: أجب القوم، واكتب بما يجب في ذلك، واقرأ علي كتابك، فكتب الكاتب: " بسم الله الرحمن الرحيم من يوسف بن تاشفين، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحية من سالمكم، وسلم إليكم، وحكّمه التأييد والنصر فيما حكم عليكم، وإنكم مما بأيدكم من الملك في أوسع إباحة، مخصوصون منا بأكرم إيثار وسماحة، فاستديموا وفاءنا بوفائكم، واستصلحوا إخاءنا بإصلاح إخائكم، والله ولي التوفيق لنا ولكم، والسلام " .
فلما فرغ من كتابه قرأه عليه فاستحسنه، وقرن به يوسف بن تاشفين درقاً لمطية مما لا يكون إلا في بلاده.
فلما وصلهم كتابه أحبوه وعظموه وفرحوا بولايته ملك المغرب، وتقوت نفوسهم على دفع الفرنج، وأزمعوا إن رأوا من ملك الفرنج ما يريبهم أن يجيزوا إليه يوسف بن تاشفين ويكونوا من أعوانه على ملك الفرنج، فتحصل ليوسف بن تاشفين برأي وزيره ما أراد من محبة أهل الأندلس له، وكفاه الحرب لهم.
فلما رأى ألفنسو اجتماع العزائم على مناجزته علم أنه عام نطاح، فاستنفر الفرنجية للخروج فخرجوا في عدد لا يحصيه إلا الله تعالى. ولم تزل الجموع تتألف وتتدارك إلى أن امتلأت جزيرة الأندلس خيلاً ورجلاً من الفريقين، كل أناس قد التفوا على ملكهم.
فلما عبرت جيوش يوسف بن تاشفين عبر في آخرها وأمر بعبور الجمال، فعبر منها ما أغص الجزيرة وارتفع رغاؤها إلى عنان السماء، ولم يكن أهل الجزيرة رأوا قط جملاً ولا كانت خيلهم قد رأت صورها ولا سمعت أصواتها، وكانت تذعر منها وتقلق، وكان ليوسف بن تاشفين في عبورها رأيٌ مصيب، كان يحدق بها معسكره، وكان يحضرها الحرب، فكانت خيل الفرنج تحجم عنها.
فلما تكاملت العساكر بالجزيرة قصدت ألفنسو، وكان نازلاً بمكان بالزلاّقة بالقرب من بطليوس كتب إليه يوسف بن تاشفين ( متبعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ) يعرض عليه الدخول في الإسلام أو الحرب أو الجزية، ومن فصول كتابه: وبلغنا يا ألفنسو أنك دعوت في الاجتماع بك، وتمنيت أن يكون لك فلكٌ تعبر البحر عليها إلينا، فقد أجزناه إليك، وجمع الله في هذه العرصة بيننا وبينك، وسترى عاقبة دعائك "وما دعاء الكافرين إلا في ضلال" (غافر: 50) فلما سمع ألفنسو ما كتب إليه جاش بحر غيظه وزاد في ظغيانه وأقسم أنه لا يبرح من موضعه حتى يلقاه.
ثم إن ابن تاشفين ومن معه قصدوا الزلاقة، فلما وافاها المسلمون نزلوا تجاه الفرنج بها، فاختار المعتمد بن عباد أن يكون هو المصادم لهم أولاً، وأن يكون يوسف بن تاشفين إذا انهزم المعتمد بعسكره بين أيديهم وتبعوه، يميل عليهم بعساكره، وتتألف معه عساكر الأندلس، فلما عزموا على ذلك وفعلوه خذل الفرنج وخالطتهم عساكر المسلمين واستحر القتل فيهم، فلم يفلت منهم غير ألفنسو في دون الثلاثين من أصحابه، فلحق ببلده على أسوأ حال، فغنم المسلمون من أسلحته وخيله وأثاثه ما ملأ أيديهم خيراً.
فحكي أن موضع المعترك على اتساعه ما كان فيه موضع قدم إلا على جسد أو دم، وأقامت العساكر بالموضع أربعة أيام حتى جمعت الغنائم، فلما حصلت عف عنها يوسف بن تاشفين وآثر بها ملوك الأندلس، وعرفهم أن مقصوده إنما كان الغزو لا النهب، فلما رأت ملوك الأندلس إيثار يوسف ابن تاشفين لهم بالمغانم استكرموه وأحبوه وشكروا له. ( وفيات الأعيان - (7 / 114 وما بعدها ) ..
ثم أسرع يوسف بعد هذا النصر المدوي بالعودة إلى المغرب ، تاركا لأمراء الأندلس استكمال الجهاد لاسترجاع ما اغتصبه منهم نصارى الإسبان ، وكان مما عجل بعودته جيئه خبر وفاة ابنه أبي بكر الذي استنابه على المغرب في غيابه .
ولكنه ما لبث أن جاءته الاستغاثة مرة أخرى من ابن عباد ، حيث حثه على الإسراع بالعبور إليه لأن ألفنسوا لما علم بعودته للمغرب استجمع قواته ونزل بها طليطلة فاحصرها وتمكن من دخولها ..
فأسرع العبور إليه ، وفي أثناء استعداده لمقابلة الطاغوت ألفنسوا طلب الدعم والمدد من ملوك الأندلس العرب فما أجابه أحد منهم، فقرر خلعهم وتوحيد الأندلس تحت سلطة المرابطين خاصة بعد توصله بفتاوى أهل العلم بذلك.
وصارت بذلك الأندلس والمغرب المعربي دولة واحدة تحت إمرته ثم أعلن ولاءه للخلافة العباسبة ، وأمر بأن يخطب لبني العباس على منابره ..
ثم أعاد إصدار العملة ( السكة ) لتتلاءم مع الدولة الجديدة الموحدة ، ونقش على ديناره: " لا إله إلا الله محمد رسول الله " وتحت ذلك: " أمير المسلمين يوسف بن تاشفين " وكتب في الدائرة: " ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين " وكتب على الوجه الآخر من الدينار: الأمير عبد الله، أمير المؤمنين العباسي، وفي الدائرة تاريخ ضرب الدينار وموضع سكه. سير أعلام النبلاء - (19 / 253) .
صفاته أخلاقه:
هذا وقد اشتهر ابن تاشفين ـ رحمه الله ـ بصفات جليلة أهلته لتلك المكانة التي وصل إليها في خدمة الإسلام في أصعب الأزمات ، تمثلت في الحزم والشجاعة والدهاء والكرم وحب الجهاد ، فقد قال ابن خلدون :" كان بطلا نجدا شجاعا حازما مهابا ضابطا لملكه، متفقدا الموالي من رعيته، حافظا لبلاده وثغوره، مواظبا على الجهاد، مؤيدا منصورا، جوادا كريما سخيا، زاهدا في الدنيا متورعا عادلا صالحا، متقشفا على ما فتح الله عليه من الدنيا، لباسه الصوف لم يلبس قط غيره، وأكله الشعير ولحوم الإبل وألبانها، مقتصرا على ذلك لم ينتقل منه مدة عمره إلى أن توفي رحمه الله تعالى على ما منحه الله من سعة الملك في الدنيا وخوله منها، فإنه خطب له بالأندلس والمغرب على ألف وتسعمائة منبر.
وكان يعظم أهل العلم والأحكام ويأخذ بمشورتهم في أموره كلها، كاتب أعلام المسلمين واستفتاهم من أمثال الطرطوشي والغزالي وابن العربي وغيرهم، حتى روي أن الإمام الغزالي بلغ من إعجابه بيوسف وكريم خصاله أن عزم على المسير إليه والجهاد في صفه، فلما بلغ الإسكندرية وصل إليه خبر وفاته فعاد عن عزمه.
وقال ابن الأثير : وكان حسن السيرة، خيراً، عادلاً، يميل إلى أهل الدين والعلم، ويكرمهم، ويصدر عن رأيهم، ولما ملك الأندلس جمع الفقهاء وأحسن إليهم، فقالوا له: ينبغي أن تكون ولايتك من الخليفة لتجب طاعتك على الكافة، فأرسل إلى الخليفة المستظهر بالله، أمير المؤمنين، رسولاً ومعه هدية كثيرة، وكتب معه كتاباً يذكر ما فتح الله من بلاد الفرنج، وما اعتمده من نصرة الإسلام، ويطلب تقليداً بولاية البلاد، فكتب له تقليد من ديوان الخلافة بما أراد، ولقب أمير المسلمين، وسيرت إليه الخلع، فسر بذلك سروراً كثيراً، وهو الذي بنى مدينة مراكش للمرابطين، وبقي على ملكه إلى سنة خمسمائة، فتوفي وملك بعده البلاد ولده علي بن يوسف، وتلقب أيضاً أمير المسلمين، فازداد في إكرام العلماء والوقوف عند إشارتهم، وكان إذا وعظه أحدهم خشع عند استماع الموعظة، ولان قلبه لها، وظهر ذلك عليه.
مشاريعه وإصلاحاته :
لقد بنى يوسف بن تاشفين كما ذكر من قبل أول من بنى مدينة مراكش ، وشيد بها مسجدها الكبير . وتابع سياسة العمران في بلدانه ، ثم قام بوضع سياسة مالية وضريبية جديدة عادلة. فألغى الضرائب الفادحة التي كان يفرضها الحكام قبله في المغرب والأندلس بحيث خفف العبء على الناس. فأحل الزكاة محل المكوس، وحط الخراج عن الأراضي التي أسلم أهلها، واقتضى الأعشار من أهل الذمة وألغى ما سوى ذلك من المغارم التي فرضها الحكام قبله.
وفاته :
توفي ـ رحمه الله ـ يوم الاثنين مستهل محرم سنة 500هـ، الموافق للثاني من سبتمبر سنة 1106م بعد مرض ألم به قبل ذلك بعامين بقصره بمراكش وقد بلغ عمره مائة سنة، أو تسعين وقد ترك الدولة المرابطية التي أسسها بجناحيها عند وفاته كما نقل ابن الخطيب عن ابن عذارى ـ ملكا مؤسسا، وجندا مجندا، وسلطانا قاهرا، ومالا وافرا…
وبقيت سيرته لتذكرنا بحرصه على جهاده ونصرة المستضعفين والعمل على نشر العل ووحدة المسلمين ، حيث رضي بالخضوع لدولة الخلافة الإسلامية ،وأمر بالخطبة للخليفة العباسي رغم أنه لم يكن في حاجة إلى ذلك اللهم إلا مرضاة الله عز وجل وعزة المسلمين بجمع كلمتهم .