فقرات من كتاب (سنوسيو برقة)لـ ايڤانز بريتشارد
فقرات من كتاب (سنوسيو برقة)
تأليف: ايڤانز بريتشارد
نقله إلى العربية: عمر الديراوي أبوحجلة *[1]
مكتبة الفرجاني - طرابلس- ليبيا
تحرير وتقديم: فضيل الهادى
ايڤانز بريتشارد
تقديم:
(بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية والذى كان من نتائجه احتلال "بريطانيا العظمى" لليبيا استقدمت الادارة العسكرية الانجليزية فى " برقة " عالم الانثربولجى البريطانى الشهير "ايفانز بريتشارد" وذلك لغرض عمل دراسة عن سكان هذا الاقليم وطبيعة تفكيرهم وعاداتهم وميولهم وذلك على عادة السياسة الانجليزية الخطيرة فى معرفة ماهية الاهلين فى المناطق التى يحتلونها. وبالفعل قدم السيد بريتشارد تقارير متتابعة فى غاية الاهمية لتلك الادارة كان خاتمتها هذا الدراسة **[2]. ولهذا الكتاب اهمية كبيرة كونه يلخص وجهة نظر احد اعمدة علم الاجتماع فى العالم وليس فى بريطانيا وحدها عن السكان فى برقة عامة. ونحن اذ نقدم هذه الفقرات المنتقاة منه والتى تتعلق بماهية "الطريقة السنوسية" فاننا نلفت عناية السادة القراء الى انها لاتغنى عن قراءة الكتاب بأكمله.
(المحرر)
(السنوسية طريقة من طرق الصوفية، أو الدراويش ، كما يطلق عليهم أحياناً. وأصحابها من جماعة أهل السنّة، وهذا يعني أنهم في معتقدهم وأخلاقياتهم إنما يعتنقون القرآن الكريم وسنة رسوله، وهي مجموعة من الأحاديث التي تدور حول حياة وعادات الرسول الكريم ، الذي يتوجب على المؤمنين أن يتخذوا أفعاله مثالاً يقتدون به في جميع الأمور.
ويعترف معظم المسلمين الحنفاء «الارثوذكس» بمصدرين آخرين للعقيدة: الإجماع، وهو الاتفاق العام بين المؤمنين الأكفاء من ذوي الرأي في مثل هذه الأمور ؛ وهو تقرير ما يجب الاعتقاد به أو فعله بعد قيامه على تعليم الرسول الكريم وسيرة حياته. ويرفض مؤسس الطريقة السنوسية كغيره من شيوخ ومعلمي الجماعات الإسلامية المستقيمة الأكثر صرامة، مثل مؤسس الوهابية، الأخذ بكل من هذين المصدرين ، لكنه في الواقع يستخدم ما يمكن رفعه إلى درجة القياس. والسنوسيون في برقة، شأن مؤسس طريقتهم، يتبعـون المذهب المالكي؛ وهو المذهب السائد في شمالي أفريقيا من بين المذاهب السنية الأربعة.
إذن فالسنوسية طريقة سنية محضة ، وهي ليست طائفة مذهبية بل "أخوّة". ولقد عجز خصوم مؤسسها على الدوام عن أن يقنعوا أي شخص عادي بأن صاحبها مهتم بالزندقة، رغم محاولتهم ذلك؛ بل أنهم في أمور طفيفة جداً قد استطاعوا اتهامه بالإبتعاد عن المذهب المالكي. وحتى صوفيتها معهودة ومتقشفة، فها هم الوهابيون، أولئك النقدة الصارمون للطوائف والطرق الإسلامية الأخرى – لا يجدون أنها بدعة، والبدعة في نظرهم تبلغ حد الكفر . لذا كانت السنوسية هي الطريقة الوحيدة التي تسامحوا مع وجودها في الحجاز من بين الطرق الصوفية). «11-12»
(ولقد كان السنوسي الكبير وخلفاؤه يعارضون بكل شدة ممارسة المساعدات الخارجية للوصول إلى هذا الهدف، مثل المواكب، والموسيقى، وحركات الجسم التي تخلق نوبات تشنجية ، وإنقاذ آلات حادة في أجزاء البدن. ومثل هذه الوسائل التي تستعملها طرق أخرى. وإنما سلكوا طريقاً وسطاً بين الأشراقية ، أو الحدسية، مدرسة كبـار المؤلفين الصوفيين. وبين العقلانية، أو المدرسة الفكرية. وهكذا، فإن السيد أحمد الشريف، السنوسي الكبير، يذكر في كتابته، كما يشير إلى ذلك «مورينو Moreno»، ما يحض فيه إتباع الطريقة عن عدم الابتعاد عن العقل، إذ إن الغرض الرئيسي للسنوسية هو جعل الرجل مسلماً صالحاً أكثر من جعله زاهداً جيداً.
فالزهد «الصلاح» شيء ينضاف إلى الإيمان الحنيف والأخلاق الحسنة، وليس بديلاً لهما). «16» (كان «شيخ الطريقة» بعد استشارة مجلسه، في الماضي ، يعين شيوخ الزوايا؛ وهؤلاء الشيوخ يرتبون الأخوان؛ ولهؤلاء الأخوان أن يقبلوا الأعضاء العاديين في صفوف طريقتهم. وكان ذلك يتم بطريقة بسيطة، فيتصافح الرجلان المعنيان ويقرآن «الفاتحة» معاً. ومن العبث اعتبار هذه التصنيفات كدرجات. وبمقدوري الاستناد إلى سيد محمد إدريس كمرجع موثوق ومساندة الرأي القائل: إن تلك التصنيفات ما كانت تعني مطلقا أكثر من أن هنالك بعض أشخاص أكثر علماً من أشخاص آخرين، ولذا فهم أكثر تأهيلاً لتلاوة الأوراد الأطول والأعلى، والقيام بالواجبات الدينية). «19»
(والواقع أن السنوسية ظلت طريقة سلفية على الدوام كما أنها مستقيمة «حنيفية». ففي مرحلتها الأولي كانت طريقة تبشيرية بصورة أساسية؛ وذات هدف محدود هو جلب الأعراب وساكني الصحراء والسودان، عن طريق الإقناع الهادئ، إلى فهم أوفى لمعتقدات ومعاني الإسلام؛ وفي ذات الوقع تقديم بركات المدينة أولئك القوم من: عدل وسلام وتجارة وثقافة. وكانت مبادئها الرئيسية ببساطة، هي: أن تفعل الخير وتتجنب الشر) . «22»
(كانت الرغبة في خلق ظروف يستطيع فيها مسلمو شمال أفريقيا أن يعيشوا طبقا لشرائعهم وفي ظل حكومتهم الخاصة، كما فعل المسلمون في بلاد العرب في ظل الخلفاء الأربعة الأولين، هي التي قادت السنوسي الكبير وخلفاءه إلى معارضة طريقة الحياة التركية وتأثيرات وبدع العالم المسحي الغربي؛ غير إن مقت المسلمين لهذه الأمور لم يتعد إلى التسامح ولم يتحول إلى روح عدوانيه. ومع أن بعض الكتاب قد افترضوا العكس فإن السنوسيين لم يتكشفوا معادين للنصارى واليهود, أكثر من المسلمين الآخرين. وها هو السنوسي الكبير, ثم السيد المهدي, يتجنبان, بكل حذق, جميع التعقيدات السياسية التي قد تؤدي بهما إلى علاقات غير ودية مع الدول المجاورة والدول الأوروبية. كان إخوان الطريقة لا يلقون التشجيع في بحث القضايا السياسية. ولم يكن السنوسيون غير متسامحين تجاه المسلمين الآخرين الذين يختلفون معهم. وينقل الشيخ محمد عثمان - (يقصد المؤلف محمد عثمان الحشائشى مؤلف كتاب جلاء الكرب عن طرابلس الغرب المسمى برحلة الحشائشى) * المحرر - عن السيد المهدي ان الأشخاص الذين يكرههم أكثر من غيرهم هم أولئك الذين يشوهون سمعة المسلمين. ولقد ظل زعماء السنوسية على الدوام متسامحين مع الطرق الصوفية المنافسة, حتى وان كانوا لا يوافقون على طقوسها . بل إن السنوسي الكبير نفسه كان عضواً في مجموعة من الطرق قبل أن يشرع في طريقته الخاصة, كما سمح هو وخلفاؤه من بعده لأتباع الطرق الأخرى أن ينضموا إلى الطريقة السنوسية دون التخلي عن طرقهم.
كذلك ظل زعماء الطريقة السنوسية متسامحين طوال الوقت تجاه طائفة الأولياء, على العكس من الوهابيين اللاايقونيين, الذين دمروا حتى أضرحة ذوي رحم النبي نفسه). (22- 23)
(إن التشابه الذي كثيراً ما يعقد بين الحركة السنوسية والأخرى الوهابية, على أساس من التطهرية والتقيد بالحرفية, والتعصب الموجود في كلتيهما, لهو رأي يحتاج إلى ما يؤيده). «24»
(كما أنه ليس هنالك أي سبب يدعو إلى افتراض أن السنوسي الكبير قد تأثر تأثيراً مباشراً بالدعاوة الوهابية).«24»
(إن طقوس تلك الطريقة وتعاليمها ، كانت قاسية دون أن تكون متعصبة ؛ وإنها تسامحت في فكرة تقديس الأولياء التي كان البدو قد تعودوا عليها ، حتى أن السنوسي الكبير قد غدا في الواقع نوعاً من الولي الوطني.. غير أنه يجب أن يضاف إليه أن تقبل تعاليمها وإمكانية اعتبار السنوسي الكبير بين البدو من فئة المرابطين وذوي الصلاح الذين يفدون من الغرب للوعظ والاستقرار في برقة – كل ذلك يكفي لتعليل النجاح الملحوظ الذي أحرزته الحركة السنوسية. فلقد سمع بدو برقة قبل السنوسي الكبير تعاليم مشابهة لما جاء به ، وأجلوا أصحابها مثل الإجلال الذي حظي به السنوسي الكبير، غير أن أولئك المبشرين القدامى فازور بأتباع شخصين ومحليين تعلقوا بأشخاصهم ونسلهم بينما أن السنوسي الكبير وطد نفسه وعائلته كقادة لحركة وطنية، وهو مركز تمسكوا به لثلاثة أجيال).
(إن الفارق العظيم بين السنوسي الكبير والأولياء الذين سبقوه ممن تعتبر أضرحتهم معالم محلية في طول برقة وعرضها، هو على الصورة التالية: كان البدو يعتبرونهم جميعاً مرابطين لكن السنوسي وحدة يجمع بين ذلك وبين كونه رأس طريقة منحته هو وخلفاءه منظمة حقيقية. أضف إلى هذا أن السنوسيين ، بخلاف رؤساء معظم الطرق الإسلامية التي ما أسرع أن انحلت إلى شراذم مستقلة لا اتصال بينها ولا اتجاه عام يجمعها ، قد تمكنوا من إبقاء منظمة طريقتهم متماسكة، وضمن سيطرتهم. وقد تسنى لهم ذلك بفضل تسوية زوايا الطريقة وجعلها تتواءم مع التكوين القبلي لأهل البلاد). «27
(يمكن العثور على الطريقة الإسلامية الأحدث في شمال وغرب أفريقيا على الخصوص، والسنوسية واحدة من أحدث هذه الطرق. ومؤسسها فقيه جزائري هو السيد محمد بن على السنوسي الخطابي الإدريسي الحسنى، وهو رجل بارز جداً، صوفي ومرابط وداعي رسالة. وعادة ما يشار إلى السيد محمد بن على السنوسي في برقة بقولهم «السنوسي الكبير»). «27»
(ولد السنوسي الكبير من عائلة بارزة من الأشراف في برقة تقوم على مقربة من «مستغانم Mustaganim» في الجزائر حوالي 1787م .
وقد عرف منذ صباه بالذكاء والورع والعلم الغزير، وكان ذلك يعتبر حلية بجملة لأصله النبيل. وقد تلقى علومه الأولى في مستغانم ثم في «مازون Mazun»، ثم انتقل فيما بعد إلى مدرسة الجامع المشهور بفاس في مراكش، حيث درس الفقه والقضاء والتفسير والموضوعات المألوفة الأخرى لمتدارس الإسلام في ذلك الحين). «27»
(وفي أوائل الثلاثيات من عمره غادر فاس ليقوم بالحج في مكة. وهناك صاحبُ ترجمة له تركي يقول أن أحد الأسباب التي دعته إلى مغادرة مراكش كان تجنب الاصطدام المتوقع مع السلطات الحاكمة هناك، إذ انزعجت من دعوته للوحدة الإسلامية التي كانت هدف حياته، وخشيت أن ينشأ عن تلك الدعوة مترتبات سياسية). «28»
(كانت جغبوب هي تلك الواحة التي قدّر لها أن تصبح مركزاً للطريقة السنوسية ومهداً لجامعة إسلامية هي الثانية في أفريقيا بعد الأزهر. ولم تكن حتى 1856، حين اتخذها السنوسي الكبير مقراً له، إلا واحة غير مقطونة، ماؤها مالح وكبريتي، ولا يكاد يكفي إلا لري مساحة صغيرة من البساتين . إنها لم تكن مكاناً يصلح لحياة فخمة وإن بدت مناسبة من جهة صحيحة ، فعلى النقيض من واحة سيوة كانت الجغبوب خالية من الملاريا. وأهم من ذلك أنها كانت تتمتع بمزايا سياسية معينة ، فهي خارج قبضة الأتـراك، والافرنسيين، والحكومات المصرية، كما أنها على طريق الحج الرئيسي القادم من شمال أفريقيا الغربي عبر مصر إلى مكة . وهذه الطريق تقاطع في الجغبوب طريقاً تجارية أخرى من ساحل البحر إلى الصحراء إلى السودان. هذا علاوة على أنه لما كانت برقة شبه جزيرة فإن الجغبوب هي النقطة المتوسطة التي يمكنه أن يختارها علي بعد متساو تقريباً عن زوايا طريقته في برقة، وطرابلس، وللصحراء الغربية في مصر ، وإقليم السودان). «32-33-34»
(كان عقله عقلاً تبشيريا، وكانت الطريقة التي أنشأها طريقة تبشيرية ، وكانت الأقاليم الوثنية في الصحراء، والسودان ، وأفريقيا الاستوائية وراءهما ، تقدم له مجالاً واسعاً لهداية الأهلين إلى الإسلام). «34»
(كان السنوسي الكبير أثناء طلبه العلم في مكة، قد صادق محمد شريف، وهو أمير من «واداي» أصبح سلطانا لتلك البلاد سنة 1838 وشجع مصالح الطريقة هناك. ويرى بعض المؤلفين أن السنوسي الكبير اشترى قافلة من الرقيق كانت في طريقها من «واداي» إلى الساحل عبر جغبوب، فأعتق أفرادها ولقنهم العلم ثم بعث بهم إلى «واداي» ليكونوا رسل دعوته فيها). «35»
(لم يكـن السنوسي الكبير عالماً ومؤلفاً بارزاً فحسـب بل كان مغرماً بالكتب أيضاً . لذا نجده يمتلك مكتبة طيبة تحـوى ثمانية آلاف مجلد معظمها تصانيف في الشريعة الإسلامية والفقه والصوفية والفلسفة والتاريـخ والتفسير والشعـر والفلك والتنجيم. وكان حواليه الكثير من الرجال الأكفـاء الذين ينتفعون بهذه المكتبة الحقة والواقع أنه كان من العسير على المرء أن يجد في العالم الإسلامي آنذاك، عدا القاهرة، حلقة من متدراسي العلم خيـراً من هذه. كان الشعر أحد الفنون المترقية في الواحة، وقـد حدثني الأعراب أنه بلغ مستوى عالياً من السمو, وها هو الشيخ محمد عثمان، وهو نفسه شاعر، يكتب أن المرء يلقى في جغبوب «رجـال أدب بارزين تكسف منظوماتهم أشعار شعراء العراق والأندلس»). «36-39»
(ولقد تركزت جماعة الطريقة حول الجامعة. وكانت في واقعها مجتمعاً جامعياً تقريبياً ، كما بزرت أهميتها في تاريخ السنوسية بروزاً عظيماً. هنا، وتحت إشراف السنوسي الكبير شخصياً وإدارة تلاميذه البعيدين عن الاقتتال في سبيل الدنيويات، استطاع السنوسي الكبير أن يدرب قادة المستقبل لطريقته الجديدة. كان هو الذي يعين شيوخ زوايا طريقته فينتقيهم من بين حلقته الخاصة من تلاميذه ، أولئك الذين رافقه الكثير منهم من الجزائر وأقطار المغرب الأخرى في رحلاته إلى الجزيرة العربية قاصداً إياها وخارجاً منها. ولقد وجد الشيخ في «برقة» بنية قبيلة من نوع بسيط يمكن أن تبنى فوقها منظمة تبشيرية لكنه يعسر بناؤها من أفرادها. فكان من حسن حظه أنه جلب منظمته معه: جماعة من الأتباع المخلصين الذين جرب ولاءهم في كثير من التقلبات. وهنا تنبغي الإشارة إلى أن خلصاء السنوسية هؤلاء كانوا غرباء في نظر بدو برقة ، كيف لا وهم لا تربطهم بهم علاقات القرابة ! فوقفوا خارج النظام القبلي ولم ينغمسوا في العصبيات القديمة ولا المنازعات الملازمة لمجتمع بدوي. كانت المنظمة التبشيرية ، أعني الطريقة السنوسية، منفصلة عن النظام القبلي، وبفضل تمركزها في واحد جغبوب القصية منع الكبير التصاقها بأي قبيلة أو قطاع من أهل البـلاد. وهو ما يتوقع أن يحصل لو تمركزت في وسط برقة. وكما سيتضح لنـا في فصول لاحقة، كان ارتباط القبائل بالزوايا المحلية في أرضها، وارتباط شيوخ تلك الزوايا بزعيم الطريقة – هما العاملين اللذين أنجحا الطريقة كمنظمة تبشيرية، ومكتناها بالتالي من أن تغدو قوة سياسية فيما بعد). «39-40»
(ونحن لا نظيف جديداً عندما نقول أن السيد محمد بن على السنوسي كان رجلاً عظيماً وأن عمل حياته كان انجازاً رائعاً. أما شخصه فقد ذكر عارفوه أنه كان رجلا طوالاً، ذا مظهر متميز، متكلماً فصيحاً ومعلماً حكيما. ويمكن تقدير شخصيته الدينية من حقيقة أن الكثير من الجزائريين والتونسيين والمغاربة قد استحوذت عليهم تعاليمه وأسرتهم قدرته حتى أنهم تركوا أوطانهم وتبعوه في رحلاته، وأطاعوا أمره حين وجههم كمبشرين إلى أراض جديدة؛ وكذلك في الحقيقة أن بدو شبه جزيرة العرب وليبيا، وهم قوم متحفظون قليلو الاكتراث بالآخرين، قد تقبلوه كمرشد لهم في الناحيتين الروحية والزمنية.
وحتى قدراته الجسدية كانت جديرة بالملاحظة. فقد برز مجدّاّ منذ أن كان ولدا صغيرا في المدارس القرآنية في بلده والمدارس الأخرى في شمال أفريقيا وجزيرة العرب، وظل يكتسب العلم ويمحصه في مكتبته بجغبوب حتى يوم وفاته. كما قام بالتدريس في مدارس المغرب والجزائر وتونس وطرابلس وبرقة ومصر والحجاز واليمن. إن شهوراً عديدة من حياته قد انقضت في السفر مع قوافل الجمال البطيئة في تلك الأيام، إذ ارتحل حاجاً إلى مكة ثـلاث مرات. وبالرغم من هذه النشاطات فقد وجد متسعاً من الوقت ليصف عدداً من الكتب. ولقد بدأ عمله كزعيم لطريقة تبشيرية جديدة في وقت متأخر من حياته، إذ كان يناهز الخمسين من عمره يوم أسس أول زاوية له في جزيرة العرب. وفي العشرين سنة اللاحقة استطاع أن يجعل السنوسية هي الطريقة السائدة في غربي الجزيرة العربية وشمالي أفريقيا ومن وادي النيل إلى حدود تونس، ومن البحر المتوسط حتى صحراء الكبرى. ولما توفي كانت طريقته لا تزال تشدد نشاطاتها في المناطق التي سبق أن انتشرت فيها، مؤسسة الزوايا الجديدة في كل مكان، وآخذة في الانتشار، في السودان والصحراء الكبرى بصورة رئيسة). «40-41-42»
(كان السنوسي الكبير نموذجاً حياً من المعلمين الكبار في أيامه : شمولي النظرة وشديد الحرص في المحافظة على القداسة واكتساب العلم أكثر منه رجلاً تقوده الملهيات الدنيوية والمطامح. كانت مكة مركز عالمه الخاص، وإليها كان دائماً يود أن ينجذب. أما السيد المهدي فكان أكثر منه برقاوية). «42»
(وقد فارق المهدي جغبوب وسط عويل أتباعه فيها، ولم يستطيع أن يأخذ معه إلى كفرة إلا بعضاً منهم، تاركاً البقية وراءه في جغبوب مع ابن أخيه السيد محمد عابد كنائب ديني عنه في تلك الواحة). «43»
(ولم تكن هذه الواحة قبل أن يجعلها المهدي مقر طريقته أكثر من نقطة استقاء للقوافل ومركز تواجد لقبائل «تيبو Tibbu» الرحالة في ذلك الإقليم، وان كان أفـراد قبيلة زوية القاطنون في «جخرة Jikharra» يقصدونها كل عام لجمع التمور. أما بعد الانتقال فقد تحولت محطة تمر منها القوافل على الدوام ويتم فيها التبادل، وقد استفادت السنوسية من ذلك، سواء عن طريق اشتراكها في التجارة والنقل اشتراكاً مباشراً أو عن طريق المكوس التي فرضتها عليها.
أصبحت قرية التاج الصغيرة ذات البيوت المبنية من الطين وجذوع النخل مركزاً للحياة الدينية والدعوة. واشتدت الجهود التبشيرية للطريقة السنوسية في طول وعرض إقليم فزان وفي ديار «كاوار Kawar»، «تيبستي Tibesti»، «برقو Borku»، «إنيدي Ennedi»، «دارفور Darfur»، «وادي Wadai»، «كانم Kenem»، «شاد Chad»، «الأصفر Azger»، «العاير Air»، و«باغرمي Baghirmi». بل كانت تعاليمها منتشرة حتى في السنغال. وقد وقع عبء تنظيم هذه الدعاوة على عاتق مساعدي السيد المهدي الرئيسيين. كان «سيدي محمد البراني» يعمل في كانم حيث انشأ زاوية في «بير علالي Bir Alali» على الطريق إلى تشاد، ونظم جماعات من قبائل أولاد سليمان، وزوية، والمجابرة، وتبو، وبخاصة الطوارق – لمعارضة تقدم الافرنسيين في أفريقيا الوسطى، ومن ثم في برقو. وكان محمد السني وأبنه المهدي يعملان في «برنو Bornu» وباغرمى وفي واداي حيث قوى العلاقات الحسنة القائمة بين سلطات تلك البلاد وبين السيد المهدي). «45»
(سنة 1899 نقل السيد المهدي مقر طريقته إلى واحة «قرو Qiru أو قورو Quru»، بين برقو وتيبستي، بغية توجيه دعاوته بشكل أفضل، ولإدارة الأقاليم الشاسعة التي اعتنقتها، وبغرض تنظيم المقاومة في وجه الفرنسين.
وتذكر الكتب الأوربية أحياناً أن أحد أسباب انتقال السيد المهدي من جغبوب إلى الكفرة كان رغبته في زيادة البعد عن السلطة التركية في برقة) . «46»
(وليس هناك شك من ناحية أخرى، في أن السيد قد انزعج من النشاطات الحربية والسياسية الفرنسية التي يبدو أنه كان على علم تام بها. كان الفرنسيون يستعجلون الوصول إلى حدود المجال المخصص لهم في اتفاقياتهم مع بريطانيا سنة 1898 و1899 بخصوص أقسام افريقيا الوسطى. ففي يناير سنة 1902 احتلوا بئر علالي (كانم) ودمروا الزاوية السنوسية فيها. وفي نهاية شهر مايو أو أوائل شهر يونيو من السنة نفسها مات السيد المهدي. وكان أخوه السيد محمد الشريف قد توفي قبله في جغبوب سنة 1896). «46»
(وقد شهد المهدي طريقة والده ترتفع وتتوسع، بل وتبلغ أوج اتساعها وأهميتها السياسية في أيامه هو). «46»
(كيف لا، وها هم جميع بدو برقة ومنطقة سرت ومعظم بدو الصحراء الغربية في مصر قد تقبلوا السنوسية، ولم يبق في هذه المناطق واحدة لم تنشأ فيها زاوية لها. بل حتى في مدن برقة تمتعت الطريقة بنفوذ فعال في الأوساط المثقفة والإدارية والتجارية الراقية. كذلك في جنوبي طرابلس، زادت الطريقة سيطرتها بشكل بطئ وتقدمت صوب الغرب. أما في فزان والصحراء الوسطى فكانت هي القوة المسيطرة. هذا كما احتفظت لنفسها بأنصـار كثيرين أقوياء بين بدو الحجاز). «47»
(أما من جانب السيد المهدي فقد أظهر حرصه على تفادي أي عمل يسني لتلك القوى اتهامه بأي تخطيط سياسي. كانت رغبته الوحيدة أن يترك وشأنه يتعبد به طبقاً لتعاليم نبيه. وعندما حارب الفرنسيين آخر الأمر، كان ذلك دفاعاً عن حياته الدينية كما فهمها هو. ومصداق ذلك أن الطريقة في انتشارها في شمال ووسط أفريقيا لم تلجأ البتة لتسند أعمالها التبشيرية. وها هو الشيخ محمد عثمان يورد عن السيد المهدي أن الأوامر التي أصدرها إلى إتباعه كانت مقصورة على أن يتعبدوا ربهم ويطيعوا الله ورسوله؛ كما يذكر أنه كان يتجنب أي مظهر لإبراز قوته، مع أنها كانت قوة معتبرة؛ وأنه أبقى نفسه بعيداً عن المشاكل السياسية، متحاشياً جميع الاعتبارات التي من ذلك القبيل. ولقد تعاونت الطريقة السنوسية مع الإدارة التركية في برقة مع أن العائلة السنوسية والإخوان كانوا لا يوافقون الأتراك على طريقتهم في الحياة، لكنها قاومت المطالب التركية بخصوص مساعدتهم في حرب 1876-1878 ضد الروس. كما رفضت المساعدة التي طلبها منها عرابي باشا في مصر سنة 1882 والأخرى التي طلبها مهدي السودان سنة 1883، ضد البريطانيين. كذلك كان السيد المهدي يرفض وجهات النظر الدبلوماسيين الايطاليين والألمان على السواء.
أما عندما غزا الفرنسيون مملكتها ودمروا زواياها الدينية في الصحراء ثم فعل الايطاليون مثل ذلك دون أي استفزاز، في برقة، فإن الطريقة لم يكن أمامها خيار في المقاومة). «47-51»
(استمر التقدم الفرنسي. وبعد سقوط «بئر علالي» في سنة 1902 نقل السيد أحمد مركز قيادته من «قرو Qiru») متراجعاً إلى الكفرة. وهناك كان في صحابة الصحراء الشاسعة والحصانة الدبلوماسية، إذ إن البريطانيين كانوا يعتبرون تلك الواحة تابعة للأتراك. وفي سنة 1906 احتل الفرنسيون «كاورا Kawar» و«بلما Bilma»، ثم احتلوا «عين كلك Ain-Kalak» في السنة التالية وقتلوا سيدي محمد البراني، شيخ الزاوية السنوسية فيها وأشجع مبشري السيد المهدي في الصحراء. وفي سنة 1909 استولى الفرنسيون على «عبيش Abaish» في واداي وسيروا حملة على «مصالت Masalit». وكانوا أثناء تقديمهم يدمرون زوايا الطريقة أو يخضعونها. ثم أنهم في سنة 1913، 1914 احتلوا «تيبستي Tibesti، برقو Borku ، ورجنقة Wajanqa، وانيدي Ennidi»، في نفس الوقت الذي احتل فيه الايطاليون فزان التابعة لولاية طرابلس). «54»
(وأهم عائلات المشيخة في البلاد هي تلك التي مثلت عشائر كبيرة سواء لدى الحكومة التركية أو الطريقة السنوسية أو في الفروع الأخرى من قبيلتهم، والقبائل المجاورة، والجماعات الموالية. وقد فقدت هذه كثيراً من نفوذها من جراء خسرانها ونفي بعض أعضائها الأكثر بروزاً أثناء الحرب الايطالية السنوسية الثانية. نسفت سلطة هذه العائلات المشيخية التقليدية على يدي السياسة الايطالية أولاً: عن طريق الاعتراف بعدد كبير من الشيوخ، ثم دفع رواتب لهم. وبعضهم شخصيات لا أهمية لها، حتى فقد منصب الشيخ الكثير من اعتباره في نظر الشعب. ومن ثم بتجاهل الايطاليين له أصلاً. وأفضل ما نعرف من هذه العائلات المشيخية بيت «أبو بكر بوحدوث» في البراعصة، وبيت « الأطيوش» بين المغاربة، وبيت «عبد الله» بين العبيدات ، وبيت قزة وعبار بين العواقير، وبيت أصبلي بين عرافة، وبيتا سويكر وعلواني في عابد، وبيت بوخطارة بوحليقة في الحسا. وفي منطقة سرت نجد واحداً أهم منهم جميعاً هو بيت سيف النصر في أولاد سليمان الذين هم في أكثرهم من البدو الأصلاء). «108»
(كان البدو يجهلون العالم الخارجي عنهم جيلاً عميقاً، كما يجهلون دين آبائهم أيضاً. وهذا ما حز في نفس السنوسي الكبير. وعلى أن أعود إلى هذه القضية الآن. لأن السنوسية كانت طائفة تبشيرية ولا يمكن فهمها إلا على هذه الكيفية.
كان البدو يعترفون بالإسلام قبل أن يؤثر فيهم السنوسي الكبير بتعاليمه . هذا صحيح، ولكنهم كانوا يجهلون المحتوى العقائدي للإسلام جهلاً كلياً... وكذلك شعائره، أو واجباته الطقسية والأخلاقية. ولست أفتات عليهم حين أفرض أنهم يكونوا يطيعون مفاهيمه. بل لا أراني أجانب الصواب في هذا الافتراض). «109-110»
(فليس عسيراً على المرء أن يتصور كيف كانوا مشاغبين فعلاً قبل السنوسي الكبير والسيد المهدي، اللذين لقناهم شيئاً من فروض دينهم ولينا جلافة عاداتهم. لقد خلقت السنوسية تغيراً كبيراً في طريقة حياتهم، هذا أمر لا شك فيه.
وها هو الشيخ محمد عثمان يخبرنا أن بدو برقة كانوا «ذوي طبيعة طيبة ومزاج مرح، وهم ينظرون بالاحترام العميق للشيخ سيدي المهدي، كما يخافون الله ورسوله. ويكون الغريب والرحالة في أمان تام بين ظهرانيهم، فلا حاجة له أن يخشى شيئاً ولو كان معه أحمال من الذهب والفضة».
وهو يذكر أيضاً أنه كان هناك سلام وأمان للقوافل في «واداي» وأطراف الصحراء الأخرى التي توجد فيها السنوسية؛ ويعزي ذلك لنفس السبب. ثم يعطف على ذلك إن السيد المهدي قد أنجز هذه النتائج المرموقة بممارسة السلطة الروحية وحدها، لا عن طريق القوة، «كما كان سيفعل أي أمير أو سلطان في تلك الحالة». أما عن أهل مدينة بنغازي، الذين لم يحظوا برأي جميل في نظر الرحالة التونسي، فهو يذكر أنهم كانوا متعجرفين، أصحاب شح وكسل لا يزالون متردين في الجهل، وبدون أي مظهر من مظاهر المدينة أو التربية الدينية، «لولا أن أرسلت إليهم رحمة الله الأخوة السنوسية، التي ساهمت كثيراً في إعادة خلقهم أدبياً» وحتى الكتاب الإيطاليون اضطروا إلى الاعتراف بأن السنوسية فعلت الكثير لأجل شعب برقة. والبدو يذكرون بامتنان «وكثيراً ما سمعتهم يصرحون بذلك» مختلف الحسنات الأدبية والثقافية التي جاءتهم بها الطريقة. وإذا كانوا قد انحطوا الآن عن المقاييس الدينية والأدبية التي رفعت الطريقة السنوسية قسماً منهم إليها فإنما يرجع ذلك إلى الخمود الفعلي لتعاليمها أثناء ذلك الصراع الطويل مع للايطاليين). «114»
(أما ما وهب الرسوخ والاستقرار لهذا العلاقة بين القبائل البدوية وبين الطريقة السنوسية. محولاً الزعيم إلى زعيم زمني، والمنطقة الدينية إلى الحكومة، والاتحاد القبلي المفكك إلى أمة – فكان هو العداوة المشتركة للتدخل الخارجي؛ وهو عامـل وفره الأتراك إلى درجة لا بأس بها، ثم الايطاليون إلى درجة سخية). «121»
(استقر السيد محمد بن على السنوسي في برقة وهدفه الوحيد إحياء الإيمان ورفع ثقافته البدو الكافرين تقريباً والأميين تماماً، الذين كان اتصالهم بالمدن ضئيلاً. كانت الوظائف الاجتماعية التي تقوم بها الزوايا السنوسية في برقة أكثر تواءماً مع السكنى بين رجال القبائل النفورين منها بين سكان المدن المسلمين. وكانت الدعوة إلى الإيمان، والعمل التعليمي، وحراثة البساتين، وفض المنازعات، وتوفير المأوى، الكرم، والأمان للمسافرين، والملجأ للمطلوبين، والضعفاء، وللمضطهدين – كل هذا مهمات تتلاءم بصورة خاصة مع ظروف الحياة القبلية الجافية.
لقد أقيمت الطريقة على كاهل القبائل لا عاتق أهل المدن. فالقبائل والعشائر هي التي أنشأت الزوايا، وكانت تعتبرها مؤسسات قبيلية.
فلم تكن زاوية «القصور» مجرد زاوية للطريقة في أرض قبيلة عابيد، بل كانت زاوية عابيد؛ تماماً كما كانت المرج زاوية العرافة، وشحات زاوية الحسا.. وهكذا دواليك . لقد تداخل النظام القبلي وتنظيم السنوسية: قدمت السنوسية الرمز الوطني للقبائل وساهمت القبائل فيها عن طريق زوايا تلك القبائل. أن اجتماع تنظيم عام مع تمثيل يقبل بوجود الولاءات القبلية والمنافسات هو الذي زود الطريقة بأساسات ثابتة). «124»
(الحسا 1، عيلات فايد 1، البراعصة 1 (أما الزاوية الأخرى واسمها «النيان Nayyan» فكانت عبارة عن مخزن حبوب مُحلق بالزاوية البيضاء)، عابد 1، عرافة 1، مغاربة 2، عواقير 6، درسة 9، وقبيلة عبيدات 14.
وكان هناك سبع عشرة زاوية بين قبيلة أولاد على في مصر، أما أولاد سليمان والقبائل الملحقة بهم في سرت، فكان لهم زاوية واحدة هي زاوية سرت، هذا إذا استثنينا الزوايا المقامة في واحات سرت). «125»
(بعد تأسيس الزاوية البيضاء سنة 1843 انتشرت الطريقة السنوسية في أرجاء برقة حتى شملت شبكة زواياها جميع قبائل البلاد. لقد ألقت بذورها، إذا جاز التعبير، في الصدوع بين القبائل وبين العشائر، وكانت نقاط نموها أيضاً هي مواطن تقارب في البنية القبلية وما تفرع منها). «126-127»
(وبفضل كرم الشيخ محمد الطيب الأشهب شاهدت الرسالة التي بعثها السيد محمد بن على السنوسي الخطابي الحسنى الإدريسي سنة 1855 إلى أبنائه الفضلاء، وهم نفر من شيوخ عشيرة السديدي من قبيلة عواقير، بخصوص بناء زاوية «مسوس Musus». وهو يقول فيها أنه يبعث إليهم «إخواناً» ليعمروا البناء، وأنه قد أمرهم أن يبنوا ملحقاً يستطيع استخدامه كمستراح له حين يزور الزاوية، شريطة أن لا يتم ذلك إلا بعد الفراغ من بناء الزاوية نفسها. وأنه سيكون هناك بناؤون ونجارون بين الإخوة، وكل ما يلزم من شيوخ القبيلة هو انتقاء الموقع والإشراف على العمل. وهو يبين لهم أن العمل إنما هو لصالحهم، وخدمة لهم ما داموا هم وأبناءهم سيتلقون في الزاوية علماً، وعلوم القرآن والشريعة على الخصوص، كما أن لهم استخدامها للعبادة. ومن بعد هذا يورد السنوسي الكبير فقرات من القرآن والحديث تُثني على أفعال الخير والحسنات. وأخيراً يدعو الله أن يساعد أولئك المشتركين في البناء وأولئك الذين تعهدوا بدوام المحافظة على الزاوية. وليعن الله من يعين أخاه، والمرء يحصد ما زرع) «127-128»
(والبدو قساة الرؤوس بالفطرة، وهم ينتظرون جزاء على عملهم وللمنح التي يقدمونها. وكانوا يعتبرون أنهم ينالون جزاءهم العادل على مساندة زاويتهم في صورة الخدمات التي تقدمها لهم، إذ كانت الزوايا السنوسية بينهم، شأن أديرة العصور المظلمة في أوروبا – تخدم أغراضاً كثيرة علاوة على تلبيتها الأغراض الدينية. فقد كانت في واقعها: مدارس، ومحطات قوافل، ومراكز تجارية، ومراكز اجتماعية، وحصوناً, ومحاكم، ومصارف نقدية، ومستودعات، ومأوياً للفقراء، ومواطن حمى، ومدافن – كل ذلك إلى وكنها قنوات يسير فيها نهر البركة الربانية. والحق أن هذه الزوايا كانت مراكز للثقافة والأمن في بلد متوحش ووسط قوم شرسين، كما أنها نقاط مستقرة في بلد كان كل شيء فيه يتحرك . إن مضرب خيام البدو موطن قد تدق أوتاده في أي مكان. أما الزاوية فهي ثابتة.. ومع الزاوية أهلوها. لكن أي حسنات التي أكسبتها الزوايا للبدو؟
لقد بينها السنوسي الكبير في الرسالة التي ذكرها سابقاً وملخصها أن البدو وأطفالهم يجدون من يلقنهم دينهم ومبادئ الإسلام على يدي رجال متفقهين أتقياء، كما يمكنهم أن ينالوا فرصة عبادة الله في مسجد، ثم أنهم بإحسانهم إلى زواياهم سيكسبون أنفسهم الثواب المقابل فيما بعد.
وكيف تدار هذه الزاوية ؟
كان لكل زاوية شيخها الذي يمثل زعيم الطريقة ومن وظائفه التي يقوم بها أن يفصل بين البدو، ويقود رجال القبائل في الجهاد، ويعمل كوسيط بين القبيلة والإدارة التركية، ويكرم المسافرين، ويشرف على جباية العشر، ويتعهد خدمات حراثة القمح والعناية بالحيوانات، ويرسل الموارد الفائضة إلى المقر الرئيسي للطريقة، كما يؤم المصلين أيام الجمعة ويساعد في الوعظ والتدريس. وإلى جانبه كان هناك عدد من الموظفين من بين الإخوان: نائب الشيخ، وهو الإمام الذي يؤم الصلوات اليومية ويدرس القرآن والشريعة، والمعلم ليدرس القراءة والكتابة والحساب في مدارس الزاوية. وقد يكون هناك مؤذن خصوصي ليدعو المؤمنين للصلاة، مع أن أياً من الإخوان يستطيع أن يقوم بهذه المهمة). «137»
(فالمواصلات الفقيرة في البلاد والأوقات المضطربة فيها منذ سنة 1911 – قد شجعت على اصطناع الإدارة الذاتية المحلية في التنظيم السنوسي. إن شيخ زاوية ما ينشئ عائلته فيها، ولا يكون لأبنائه وطن وغيرها ولا أصدقاء إلا البدو المحيطين بها وعائلات الشيوخ في الزوايا المجاورة. ومن طبيعة رجال القبائل أن يكرهوا التغيير والتبديل، وهم يفضلون أن يكون شيوخ زواياهم من عائلات يعرفونها وتشاركهم اهتماماتهم المحلية). «139-140»
(وأنا أذكر الطرق الأخرى لهذا السبب، وهو أن الإشارة إليها، مهما كانت مقتضية، تضع السنوسية في خليفة أكثر عموماً من مجرد طريقة واحدة بين طرق دراويش أخرى كثيرة). «144»
(ويلزم من هذا أن السنوسية لا تعارض الطرق الأخرى الموجودة في المدن على مستوي ديني، وأن كانت لا توافق على تلك الطرق التشنجية؛ وهن لا ينافسنها سياسياً) . «147»
(وقد قام الايطاليون بجهود كثيرة لإثارة هذه الطرق ضد السنوسية، لكن تلك الجهود كانت مبنية على جهل القائمين بها بطبيعة «الطريقة» الإسلامية ، فبدت غير فعالة). «147-148»
(كانت السنوسية هي الطريقة الوحيـدة في برقة القادرة على أن تغدو حركة سياسية. ولذا نجدها الطريقة الوحيدة التي أثارت شكوك اسطنبول وعداوة روما. وهنا يجوز لنا أن نتساءل: ما هو الشيء الذي ميز السنوسية عن الطرق الأخرى في البلاد ؟) . «149»
(ومن المفيد جداً أن نشير إلى أن السنوسية نالت مقاماً رفيعاً في الجزء الغربي من جزيرة العرب شبيهاً بذلك المقام الذي نالته في برقة.
وها هو العالم الهولندي «سنوك هوركرونجي»، المستعرب الذي قضى سنة في غرب جزيرة العرب بين 1884-1885، يذكر «أنه ظل ينظر إليها بتقدير رفيع في المدن حتى هذا اليوم ، لكنها ليست متفوقة على أخواتها الطرق الأخرى في ذلك. أما في مقطعات الحجاز التي تسكنها قبائل «حرب» وغيرها من الأعراب فإن السنوسية تخطي بأرفع التقدير، نظراً لأن دعوتها العملية قد نجحت إلى خد بعيد في أن تجلب أبناء الصحراء الذين ينفرون من كل سلطة كما أنهم بعيدون جداً عن الإسلام الصحيح، وضمتهم تخت زعامتها»). «151»
(عاد الأتراك إلى برقة حوالي الوقت الذي زارها فيه السنوسي الكبير - (يقصد المؤلف العهد العثمانى الثانى أى بعد نهاية الحكم القرمانلى) * المحرر -، وبعد ثماني سنوات من السيطرة العثمانية أسس السنوسي زاويته الأولي في إقليم التل. وسرعان ما كسبت الطريقة السنوسية لنفسها ثقة البدو وغدت هي الناطقة باسمهم، فبات من الضروري للسلطات العثمانية أن تأخذها بعين الاعتبار في المعاملات الرسمية مع قبائل المناطق الداخلية.
لقد مكنت الطريقة مختلف القبائل من أن تعبر عن نفسها كوحدة سياسية لأول مرة، من حيث علاقاتها مع العالم الخارجي. ومقابل ذلك زودت القبائل الطريقة بنظام اجتماعي فمنحت الطريقة ذلك النظام تنظيماً سياسياً في وقت كان يسير فيه نحو اتصال مباشر أكثر مع القوى السياسية خارج مجتمعه القبلي.
والمعروف على السنوسية أنها نالت «فرماناً Ferman» من السلطان عبد المجيد لأول سنة 1856، جاء به «سيدي عبد الرحيم المحبوب» من الآستانة. وكان الشيخ قد أرسل إلى اسطنبول لهذا الغرض ولاقي أعظم المشقات). «155»
(ثم صدر فرمان آخر بعد ذلك على يدي أخ السلطان عبد المجيد، السلطان عبد العزيز، وجيء به من اسطنبول إلى والي طرابلس ، نقلة «سيدي أبو القاسم العيساوي» الذي خلف عبد الرحيم المذكور في مشيخة زاوية بنغازي. وفي دائرة سجل الأراضي في بنغازي الآن رسالة من وإلى طرابلس إلى متصرف بنغازي تبين خلاصة هذا الفرمان. وهي تثبت الامتيازات الممنوحة في الفرمان السابق، وتضيف إليها حق الحمى المقدس ضمن حدود زوايا الطريقة. وفي الرسالة تبجيل كثير، وهي مكتوبة بذلك الأسلوب الفضفاض المعروف عن مثل تلك الرسائل.
ومع هذا لم يكن الأتراك منخدعين.. لم يكونوا يصدقون أن السنوسي يحبهم، ولكنهم كانوا واثقين من أن الطريقة والبدو إذا جد الجسد، سيساندونهم ضد أي من القوى المسيحية في أوروبا. ويتضح هذا من المراسلات التي عثر عليها الايطاليون في أرشيفات طرابلس حين احتلوا المدينة سنة 1911. فها هو الشيخ محمد عثمان يكتب سنة 1896 بكل صراحة ويقول: أن الأتراك لم يكونوا على مودة مع السنوسية، وكان يسرهم أن يأخذوا السيد المهدي إلى اسطنبول حيث يمنحونه قصراً هناك. وهو الأسلوب الذي استعمله الأتراك عوضاً عن فرض الإقامة الجبرية، فمثل ذلك فعلوا مع «أبو الهدى» زعيم الطريقة الرفاعية، ومع الشيخ ظافر زعيم الطريقة المدنية. ثم يضيف محمد عثمان، أن السيد السنوسي من جانبه لم يكن يحب الأتراك. فعندما كان (المؤلف) في بنغازي طرد شيخ الزاوية السنوسية من منصبه، طرده السيد السنوسي، لأنه سمح لنفسه أن تفسده السلطات التركية). «157»
(ولا عجب في ذلك، فقد كان لدي الأتراك مشاكل كافية تماماً في أمكنة أخرى، فهم في غنى عن مجافاة طريقة إسلامية قوية واستعداء البدو المحاربين الذين يساندونها. بل ما هو الغرض الذي ينشدونه من وراء ذلك لو فعلوه! لهذا السبب ترك الأتراك السنوسية تقوم في داخل البلاد بوظائف كثيرة من مهمات الحكومة: التعليم، العدالة، ضبط الأمن، ثم). «158»
(ولقد أخبرني بعض وجهاء بنغازي المتقدمين في العمر أن الباشا، كما كانوا يطلقوا على الحاكم التركي، ما كان له أن ينجح في جمع الضرائب من البدو لولا تعاون رؤساء الزوايا السنوسية.. الذين كثيراً ما كانوا يرافقون المديرين ومفارز جمع الضرائب إلى شيوخ العشائر الملحقة بزواياهم.
كان من المصلحة العامة لكل من الإدارة التركية والسنوسية بطبيعة الحال، أن يتوفر النظام، والأمن، والعدالة، وتسير تجارة البلد.. فتعاون الطرفان لتوفير ذلك في أرجاء البلاد.
ولقد حاول الموظفون الأتراك أن يظلوا على علاقات حسنة مع شيوخ السنوسية إلى أقصى ما يستطيعون. وساعد في ذلك أن كونهم رجالاً مثقفين يسر لهم أن يتقبلوا تعليماتهم الرفيعة، بل إن بعضاً منهم انتسبوا إليها.
وقد منحهم هذا الانتساب نفوذاً وتقديراً في أعين البدو يعدل ما كان يضيفه عليهم مركزهم كموظفين، إن لـم يكن أكبر. ومثل ذلك فعل التجارالناجحون الذين لهم علاقات مع القبائل البدوية أو الذين كانوا يبعثون قوافل إلى الصحاري والسودان: لقد وجدوا من الأفضل لهم أن يلتحقوا بالطريقة. إلى هذا السبب يعود وجودنا نفراً يسيراً من الأغنياء والمواطنين الأكثر ثقافة في جميع مدن ليبيا منتمين إلى الطريقة، بينما نجد الناس العاديين ذوي علاقة مع طرق أخرى أو لا طريقة أبداً.
ومع انه يمكن تسمية الإدارة في برقة في هذه الفترة «ائتلاف تركي-سنوسي» ، فقد كان هنالك تيار سفلي من الغيرة عند كل من الجانبين، وكان يتولد منه صراع مكشوف من وقت لآخر. وكانت المناسبة الأكيدة لبروز هذا الصراع هي ظهور أي محاولة من جانب الإدارة لفرض الضريبة على الممتلكات السنوسية. فرغم أن هذه الممتلكات كانت معفاة من الضرائب حسب فرمان السلطان فنجن نري الإدارة المحلية تبذل جهوداً غير ناجحة لتقاضي الضرائب عليها. خذ سنة 1908 مثلاً . في هذه السنة حاول الأتراك فرض ضريبة على غلال الأراضي السنوسية ، وعند ذلك تم اجتماع قبلي حضره مئة وخمسون شيخاً على رأسهم «عمر بو رقية» من قبيلة درسة. وقد عقد الاجتماع في زاوية «الحنية» السنوسية، وفيه قرر المجتمعون ألا يدفعـوا أية ضريبة للحكومة التركية إلى أن تسحب ضريبتها الجديدة . وأسقطت الحكومة القضية.. لكن المشاكل استمرت حتى سنة 1910. وقبل ذلك حاول الوالي أحمد باشا زهدي (1904-1905) بموجب تعليمات من اسطنبول أن يفرض ضريبة على محاصيل رجال القبائل والزوايا على السواء. فهاجم البدو المحيطون «بالمرج» من جراء ذلك فصيلة تركية كلفت بجمع الضرائب وردوا أفرادها إلى بنغازي بعد أن جردهم من كل شيء وجوده معهم. وكانت النتيجة أن أعفي الوالي من منصبه). «167»
(وكما أن السنوسية لم تطلب من البدو أن يغيروا طريقة حياتهم وإنما اكتفت بأن يعيشوا حياة أفضل). «169»
(.... ولا تهمنا هذه الأحداث من حيث أنها تظهر العرب كمحافضين فحسب. بل من حيث وجود مشاعر قوية لديهم لصالح نظام الخلافة الطويل العهد.
وهي أكثر أهمية من ذلك في هذا البحث من ناحية أنها ساهمت جزئياً في تضليل الملاحظين الايطاليين لواقع حال الأمور في برقة . ففي ذلك الحين تقدم بعض أعضاء ما يمكن أن يسمى «الحزب العربي»، المعارض لحزب جمعية الاتحاد والترقي الذي غلبت عليه الصبغة التركية المناوئة لمصالح العرب – تقدموا إلى القنصل الايطالي في بنغازي يطلبون تأييداً دبلوماسياً لهم من دولته. فانتهز القنصل الفرصة واستغل تلك الظروف للقيام بدعاية لصالح ايطاليا في المدينة، ثم أنه وسع تلك الدعاية إلى الريف ، بأن وزع المنح على بعض شيوخ البدو.
كانت مشاكل بنغازي هذه والصورة المهددة التي اتخذتها – إذ بدا أنها تدق وتداً أعمق بين التركي والعربي – مضافة إلى تذمر البدو المعتاد الذي أدي منذ فترة قصيرة إلى القلاقل.. هي التي ظلمت الايطاليين، وجعلتهم يصدقون أنهم سيحتضنون عرب المدينة، بل حتى البدو السنوسيين، ويكتسبون تأييدهم ومساندتهم عندما يقومون بالهجوم الذي كانوا يعدونه على البلاد، أو أن هذه العناصر ستقف حيادية على الأقل.
وبذلك وقعوا في خطأ مزدوج: من حيث حكمهم هذا ، ومن حيث سياستهم. لقد عجزوا عن أن يفهموا المشاغبات المتوطنة في أي مجتمع مديني عربي، ولم يدركوا حقيقة أن البدو موجودون في كل مكان، وأنهم على الدوام ضد الحكومة. لقد أخذوا التقارير المبالغ فيها إلى درجة المسخ ، على علاّتها . وكانت هذه التقارير عن القلاقل الناشبة في الداخل، وقد بعث بها مخبرون يبدو أنهم أغرار في هذه الصناعة. كيف لا، وقد حشدتهم دائرة الاستخبارات وعينتهم فيها على عجل). «170-171»
(نعم ، إن العرب والبدو السنوسيين قد يرون الإدارة التركية بضيق ، وقد تساورهم الشكوك فيها.. إلا أنه قبل تلك العاصفة كان الولاء الأوسع للإسلام والسلطان قد شدّهم إليه. لذا سارع عرب المدن فانحازوا إلى جانب الأتراك، وحالما بلغت أخبار الأعمال العدائية داخل البلاد هرع شيوخ زوايا السنوسية وشيوخ القبائل، وسط حماس عام، والتفوا جميعاً حول الراية التركية. لقد بدا واضحاً لدي كل من الترك والعرب ما هو الحال آنذاك..
وعلى هذا الأساس يمكن القول: أن خطر الاحتلال الايطالي الوافد عقب تقدم الفرنسيين في الصحراء قد قرب الحكومة العثمانية والطريقة السنوسية من بعضهما تجاه عدو مشترك). «172»
(كانت السنوسية حتى هذا الوقت قد رفضت السماح للعلم التركي أن يرفرف فوق جغبوب والكفرة، ولم تسمح لمندوب تركيا أن يقيم في تلك الواحات رغم كثير من الجهود التي بذلت لإقناع السنوسيين بذلك، حتى أن علماً أرسل إلى الكفرة لهذا الغرض على يد عمر الكيخيا سنة 1908. أما الآن فإن السيد أحمد الشريف مستشاره متلهفين لإعلان السيادة العثمانية على الصحارى. ما دام ذلك لا يستتبع أي تدخل مباشر في شؤونهم. ذلك أنه ينتظر من العلم التركي أن يحمي الكفرة من هجوم الفرنسيين.
هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى، فلم يكن للسنوسيين أي وضع دبلوماسي في الشؤون الدولية ، ولذا فإنه لم يكن بمقدورهم التقدم بعرائض رسمية ضد العدوان الفرنسي إلى المستشاريات الأوربية إلا عن طريق البلاط العثماني. لهذا وافق السيد أحمد الشريف سنة 1910 على استقبال قائمقام تركي في الكفرة شريطة أن يكون الرجل سنوسيا، كما وافق على أن يرفع العالم التركي هناك. وقد بعث إليه متصرف بنغازي، واسمه مراد فؤاد بك، السيد كيلاني الأطيوش، وهو عضو من العائلة البارزة في قبيلة سنوسية. وقد أخبرني الوجيه البنغازي (حسين باشا بسيكري) أنه بعد أن أنزل الايطاليون جنودهم في برقة، وفي سنة 1911، بعثت الإدارة التركية أول وآخر مدير إلى جغبوب. وكان هذا شيخاً قبليا سنوسياً بارزاً بارزاً اسمه « الحسين بن بو بكر بو حدوث » البرعصي. وقد رفع الراية التركية للمرة الأولي والأخيرة في القرية المقدسة، كما ركز حول مقره بضعة أفراد من الشرطة. كما ظل صاحبنا في منصبه حتى زيارة «أنور باشا» للواحة في سنة 1912 حيث سُحب من هناك تمشياً مع الاتفاق الذي تم الوصول إليه بين أنور باشا والسيد أحمد الشريف). «173»
(ولقد أدرك الأتراك أنهم عاجزون عن المقاومة بدون تأييد السنوسي، لا في الصحراء فحسب بل في ليبيا أيضاً. إذ كيف يكون بوسعهم إمداد حامياتهم هناك دون السيطرة على البحر! لذا أظهروا لهفتهم العظيمة لكسب السيد أحمد الشريف إلى جانبهم ومنحوه امتيازات جديدة بالإضافة إلى سابقاتها. ففي سنة 1910 اقترح متصرف بنغازي أن يجعل للسنوسي منحة شهرية قدرها 4000 قرش، كما أرسل والي طرابلس رسالة بالشيفرا إلى ممثليه في مختلف أنحاء الإقليم يسألهم عما إذا كانوا يعتقدون أن الطريقة السنوسية على قوة كافية لأن تطالب بامتيازات إضافية) «173-174»
(إن مثل هذه الأحداث التي تم للمراقبين الايطاليين التعرف عليها قبل حربهم مع تركيا بوقت قصير ثم في المراحل المبكرة معها ، قادتهم إلى استنتاجات خاطئة، وذلك لأنهم لم يقدروا تشابك الأحاسيس العربية حق قدرها «174»
(كيف أن الصراع الطويل قوى النواحي السياسية للسنوسية بطريقة ها أنا أشير إليها في حال البنيات المجزّأة من النوع الذي نجده بين بدو برقة). «177»
(حين غزا الايطاليون البلاد وقبل الأتراك الصلح واصلت القبائل مقاومتها باسم السنوسية . وفي نظامها الاجتماعي كانت القبيلة تقابل الأخرى والعشيرة تقابل عشيرة مماثلة . وكانت السنوسية هي التي منحت جميع أفراد القبائل وعشائرها رمزاً عاماً يمثل مصالحهم المشتركة. عند ذاك ووجه الايطاليون بمقاومة غير منظمة لكنها تبدو غير قابلة للقضاء عليها ، أشعل نارها البدو . وجواباً على ذلك عمد الايطاليون إلي توجيه عدائهم أكثر إلى الطريقة السنوسية باعتبارها رأساً ملموساً للمقاومة يكن تحطيمه . لكنهم أخفقوا في ذلك ، فاضطروا إلى الاتفاق معها.
تحرير وتقديم: فضيل الهادى
DARALSALAM_1@YAHOO.COM
راجع أيضا: فضيل الهادي: بين برقه الهادئة وبرقة المهدأه
[1] المترجم (عمر الديراوى ابو حجلة): ولد في قرية ديراستيا- غرب جنوب نابلس عام 1928. درس في القرية وفي مدرسة الفرندز برام الله والكلية الرشيدية بالقدس. تطوع في الجيش العربي العراقي برتبة ملازم وكان موقعه في قرية عانين قرب مدينة جنين حيث اصيب خلال اشتباكات مع القوات الاسرائيلية برصاص في رجله. عمل معلماً للغة الانجليزية في المدرسة الفاضلية بطولكرم. وفي عام 1950 قصد السعودية وعين في الظهران مدرساً للغة العربية للطلاب الاجانب. عاد ليعمل مدرساً في المدرسة السعدية بقلقيلية والمدرسة الفاضلية بطولكرم. وفي عام 1957 عمل معلماً في صافيتا (جبل العلويين) السورية. وبعد عامين عمل مترجماً ومدققاً لاصول المؤلفات في (دار العلم للملايين) ببيروت. وتولى الاشراف على سلسلة (الناجحون). وتولى سكرتيرية مجلة "العلوم" لعام1964،1965 وعمل محرراً في القسم الانجليزي من مجلة "الرسالة" البيروتية. واحرز درجة الليسانس في التاريخ من جامعة بيروت العربية وعلى دبلوم التربية عام 1968 من الجامعة نفسها، والتحق بكلية الاداب في الجامعة اللبنانية وشرع في اعداد رسالة لنيل الدكتوراه بعنوان "الايوبيون في اليمن". ترك 23 كتاباً في حقول الادب والسياسة والتاريخ . توفى 30/11/2007 م
[2] انظر ليبيا فى كتب التاريخ لبعيو
السنوسي الكبير
http://archive.libyaalmostakbal.net/Books/assanousi.jpg
هذه الصورة للجغبوب وهى مأخوذة من الطائرة اثناء العهد الايطالى وتشمل الجغبوب كما اسسها
السنوسى الكبير... ويبدو فيها المعهد والمسجد والضريح والمساكن... وقد هدمت كلها...