الحديث الصحيح حجة على أهل الأرض قاطبة
الحديث الصحيح حجة على أهل الطوائف
الحمد لله نستعينه ونستغفره ونشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا عبد الله ورسوله ،
من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له إن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحد وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا)
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما)
عندما يتجادل أهل السنة والجماعة مع أهل الطوائف كالرافضة والإباضية والصوفية والأشاعرة والمُرجئة وأهل الرأي والقياس، فإن بعضهم يحتج بأن هذه الأحاديث التي تعتبرونها صحيحة ليست بحجة علينا لسببين:
الأول: أنهم لا يعترفون برواتها وإن كانوا ثقاتا
الثاني: أنها ليست في كتبهم المعتمدة
فالجواب أننا نوقن بأن دين الله واحد وأن صراطه المستقيم واحد لا يتجزأ ولا يتفرَّق ، قال الله (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) وقوله (اهدنا الصراط المستقيم) فلو كانت طرق الحق كثيرة ما عاد للصراط المستقيم معنى ولا فائدة بتقييده.
وأننا أهل الإسلام على اختلاف طوائفنا مُجمعون أن القرآن الذي بين أيدينا على اختلاف قراءاته سواء (رواية حفص عن قراءة عاصم) أو (رواية ورش عن قراءة نافع) وغيرها هو الكتاب السماوي الوحيد الباقي المحفوظ بحفظ الله ، حفظه الصحابة الكرام في مصحف واحد بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في عهدي أبي بكر الصديق وذي النورين عثمان على تفاصيل يعلمها أهل السير وعلوم القرآن.
فلو قال قائل بأننا لا نعلم صدق الصحابة في جمعهم القرآن واحتمال الخطأ عليهم فقد كفانا مؤنة الرد عليه ، وخالف إجماع المسلمين وخرج من دائرتهم .
وجمع الحديث النبوي الشريف كان مثل جمع القرآن غير أنه لم يجمع في دواوين مشهورة مُفرَّقة إلا في القرن الثالث، أعني أنَّ التابعين الأوائل كانوا يحفظون دواوين السنة إمَّا حفظًا وإما كتابة وإن كان أكثرهم كتابة، لكن كانوا يخلطون أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله بأقوال الصحابة وأفعالهم وآثارهم حتى جاء مجموعة من الحفاظ ففصلوا أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفعاله وصفاته عن أقوال الصحابة بما يعرف اليوم بالكتب الستة وما شاكلها من المسانيد والمعاجم وغيرها..
فنعود للسببين الرئيسين الذين تزعم الطوائف أنهم لا يعتقدون بصحة أحاديث أهل السنة بسببهما :
وهما
الأول: أنهم لا يعترفون برواتها وإن كانوا ثقاتا
الثاني: أنها ليست في كتبهم المعتمدة
فالسبب الأول الجواب عنه : أننا نوقن بأن الصادق يُعرَفُ بعلامات منها صدقه في أحواله وأقواله وكذلك الكاذب يعرف بضد ذلك ، فمتى اجتمعت صفات الصدق في إنسان ثبت صدقه وبلغت الحجة على من سمع كلامه ،
هذا كمن يقول لك جاءني فلانٌ فأخبرني بكذا وكذا فذهبت إلى فلانٍ فسألته فصدَّق قوله، ومثل أن تحجز تذاكر سفر للطيران في يومِ الجمعة القادم الساعة الواحدة ظهرًا فتذهب إلى المطار فتجد موعدك محدَّدًا صحيحًا فأنت اعتقدت بصدق واحدٍ فكيف لا تعتقد بصدق ألوف من الناس ؟
فكيف اجتمعت ثقات كُثُرٌ على مسألة واحدة فذلك يقطع بثبوتها عند كل عاقلٍ ، دع عنك من لا يعلم شيئا عن علم الحديث.
فإن كل مؤمن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من كذب علي متعمدا فيلتبوأ مقعده من النار) أخرجه مسلم وأحمد وأهل السنن وهو متواتر قطعي لا شك فيه ، وكذلك أحاديث رفع اليدين في الصلاة وأحاديث دخول الجنانِ للمؤمنين ودخول النيران للكافرين وأحاديث الشفاعة وأحاديث قيام الساعة وغيرها.
وأحاديث الخروج من النار للموحيد رواها أبو هريرة وأبو سعيد الخردي وأنس بن مالك وجابر بن عبد الله مما وقفنا على أسانيدهم الصحيحة برواية العدل عن العدل كما هو معلوم ، فإن أهل السنة (الصحابة وتابعيهم بإحسان) الذين جمعوا القرآن هم الذين جمعوا السنة وأحاديثها، مشوا على النهج السابق ولم يخالفوا ولم يبتدعوا ، ولا يوجد في جامعي القرآن الكريم رافضي ولا إباضي ولا صوفي ولا أشعري وهذا بديهي لا يماري في ذلك إلا ضال أو جاهل.
فكذلك كتب الحديث المشهورة ليس فيها روافض ولا إباضية ولا جهمية ولا أشعرية ولا غيرهم من أهل الضلال الذين لا تُقبل شهادتهم ولا الصلاة خلفهم كما قرَّرَ الشافعي في أصوله.
فثبت بذلك أنه متى ثبت لدى المسلمين صحةُ حديثٍ بثبوتِ نَقَلَتِهِ ورواته غير شاذٍ ولا معلولٍ ولا مُعارض بما هو أقوى منه ، فإنه حُجة على أهل الأرض قاطبةً لمن بَلَغَهُ ذلك بلُغَةٍ يفهمها لقوله تعالى (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم) وقوله (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا)
فإن حفظة القرآن كانوا ثقاتا ولابد من قبول قولهم وإجماعهم، فكذلك نقلة الحديث وحفظته ثقات معروفون بالضبط والعدل والأمانة لابد من قبول قولهم ، ولا يقدح في ذلك وجود أحاديث ضعيفة وموضوعة وغيرها فإن الحفاظ الأئمة الأعلام كابن الجوزي وابن حزم وابن تيمية والذهبي وابن حجر العسقلاني والسيوطي والشوكاني والألباني حقَّقوا الأحاديث وميَّزوا الصحيح من السقيم، ونجزم بأنه لم يُفُتهم إلا القليل إن كان فاتهم شيء. لأن الإحاطة بالعلم لله وحده عز وجل.
الحجة الثانية قولهم : إنها ليست في كتبنا المعتمدة
فهذه من حجج اليهود والنصارى على الإسلام التي لم يقبلها الله ولم يجعل لأحدٍ حجَّةً على رسوله صلى الله عليه وسلم، بل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن على المشركين والمجوس واليهود والنصارى ويُحاججهم به، لم يقل أحدٌ منهم لا ! لابد من أن تحاججنا بكُتُبنا فهذه حجة داحضة ، لأن بعض الكتب ليست فيها المسائل التي نتناقش فيها ، كما أننا كعربٍ لا نعلم ثبوت صحة نقل اليهود للتوراة والنصارى للإنجيل على اللغة الأولى لأننا أولًا لا نثق بنقلتهم، وثانيا لا يوجد سند صحيح لكتبهم وثالثا محقِّقوهم يُعدِّلون في كتبهم حسب الحاجة وهذا أمرٌ غير موجودٍ في القرآن فلا أحد يستطيع تعديل حرفٍ فيه .
فإن سند رواية حفص عندنا هو حفص عن عاصم عن زر عن عثمان وعلي وزيد أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم
والسند الآخر حفص عن عاصم عن أبي عبد الرحمن السلمي عن ابن مسعود وعثمان وعلي وزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأسانيد التي رواتها ثقات في القرآن لا يُعقل اجتماعهم على الكذب وسكوت الأمة عليه!
فإن تصحيح سند الحديث الشريف ليست بأولى من تصحيح سند رواية القرآن الكريم
فإذا صحَّت هذه بعدالة رواتها وضبطهم صحَّت الأخرى بالشروط ذاتها.
وتوضيح المسألة أن محاججة الشخص بكتابه هو شرط كمال في المحاججة وليس بشرط صِحة.
ومثال ذلك أنه لو تناقش عالما فيزياء ورياضيات فاحتجَّ الرياضي بقوانين فيثاغورس في المثلثات على صحة المنشور الزجاجي لدى الفيزيائي ، لن يسع الفيزيائي الاعتراض على ذلك لأن عالم الرياضيات قد حاجَّه بما هو معروف عنده في علم الفيزياءِ فهذا شرط كمال يعني زيادة على الصحة كأننا نقول هذا صحيح وزيادة ، لكنه ليس شرطًا في صحة الحُجَّة ، فلو أنَّ العالم الرياضي أثبت قوانين فيثاغورس بالتطبيق العملي والرقمي فلن يستطيع عالم الفيزياء المجادلة ولا المماراة إلا إذا كان يماري للماراة فقط وليس لقبول الحق.
ومثال آخر وهو أن الله قال في اليهود والنصارى (157-الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) سورة الاعراف
أي أن هذا شرط كمال في الحجة عليهم ، وإلا فإن القرآن كافٍ لإثبات صحة بعثة النبي صلى الله عليه وسلم (50-وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ 51-أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) سورة العنكبوت
فبيَّن الله أن القرآن حجة لازمةٌ لازم ، ولم يقل له يا محمد قل لهم اسمي مكتوب عندكم وغيره.
بل هو كافٍ في إثبات الحقِّ.
فإذا عَلِمَ أهل "ألمانيا" أنَّ نهر الرين لهم يجري في أراضيهم ، أعني علموا بتسميته هذه أبًا عن جدٍّ وتوارثوه بينهم لم يكن لأحدٍ من أهل الأرض معارضتهم بذلك مع عدم علمنا بحقيقة الأمر.
أعني أن تواتر تسمية هذا النهر مع طول العمر وعدم وجود معارض قوي ولا حقيقي هو دليل قوي وكاف في إثبات صدق هذا الأمر، ومن عَلِمَ أن القرآن حقٌّ منقول بالتواتر بالأئمة المجموع على صدقهم وعلمهم وأمانتهم ، ومثله الحديث النبوي لم يحلَّ لأحدٍ من المسلمين فضلا عن الكافرين أن يقول هذا ليس بحجة ولا يُقنعني ولا ينبغي ليَ اتباعه.
وقِس على ذلك في باقي العلوم تتضح لك الصورة إن شاء الله.
وقال تعالى في آخر سورة الرعد (ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) وفي آيات آخر (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم إنه كان بعباده خبيرا بصيرا) الإسراء (قل كفى بالله بينكم وبينكم شهيدا يعلم ما في السموات والأرض) العنكبوت فلم يطلب من نبيِّه صلى الله عليه وسلم الاحتجاج بما في أيدي اليهود والنصارى من كتبٍ ولا بما توارثه أهل مكة من عادات آبائهم بل اكتفى بكتاب الله وشهادته له بالصدق.
قال ابن كثير في تفسير سورة آل عمران الآية 20 " قال تعالى « فإن حاجوك » أي جادلوك في التوحيد « فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن » أي فقل أخلصت عبادتي لله وحده لا شريك له ولا ند له ولا ولد ولا صاحبة له « ومن اتبعن » أي على ديني يقول كمقالتي كما قال تعالى « قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني » الآية ثم قال تعالى آمرا لعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن يدعو إلى طريقته ودينه والدخول في شرعه وما بعثه الله به الكتابين من المليين والأميين من المشركين فقال تعالى « قل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ » أي والله عليه حسابهم وإليه مرجعهم ومآبهم وهو الذي يهدي من يشاء
ويضل من يشاء وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة ولهذا قال تعالى « والله بصير بالعباد » أي هو عليم بمن يستحق الهداية وممن يستحق الضلالة وهو الذي « لا يسئل عما يفعل وهم يسألون » وما ذلك إلا لحكمته ورحمته وهذه الآية وأمثالها من أصرح الدلالات على عموم بعثته صلوات الله وسلامه عليه إلى جميع الخلق كما هو معلوم من دينه ضرورة وكما دل عليه الكتاب والسنة في غير ما آية وحديث فمن ذلك قوله تعالى « قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا » وقال تعالى « تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا » وفي الصحيحين وغيرهما
مما ثبت تواتره بالوقائع المتعددة أنه صلى الله عليه وسلم بعث كتبه يدعو إلى الله ملوك الآفاق وطوائف بني آدم من عربهم وعجمهم كتابيهم وأميهم إمتثالا لأمر الله له بذلك وقد روى عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ومات ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار رواه مسلم « 153 » وقال صلى الله عليه وسلم بعثت إلى الأحمر والأسود « م 521 » وقال كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة « خ 335 م 521 » وقال الإمام
أحمد « 3/175 » حدثنا مؤمل حدثنا حماد حدثنا ثابت عن أنس رضي الله عنه أن غلاما يهوديا كان يضع للنبي صلى الله عليه وسلم وضوءه ويناوله نعليه فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فدخل عليه وأبوه قاعد عند رأسه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يا فلان قل لا إله إلا الله فنظر إلى أبيه فسكت أبوه فأعاد عليه النبي صلى الله عليه وسلم
فنظر إلى أبيه فقال أبوه أطع أبا القاسم فقال الغلام أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول الحمد لله الذي أخرجه بي من النار رواه البخاري في الصحيح « 1356 » إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث" انتهى كلامه رحمه الله
فلو استطاع المناظر أن يُثبتَ أن الحديث موجود في كتب الخصم فهو زيادة في التقريع والتوبيخ وإقامة الحجة على صحة قوله، أمَّا الحديث الصحيح فهو حجة كافية لمن أنصفَ ولم يتبعْ هواه.
بمعنى أن الحديث الصحيح نستدل به على صحة قولنا ومذهبنا ، فإذا ثبت وجود هذا الحديث عند الخصم في كتبه المعتمدة فإن ذلك يجعل الحجة عليه أقوى وأظهر وأعلى وأدلَّ، فإذا غاب كتبه عن هذه الحجة لم يكن غيابها عنه سببًا في ردِّها عن الحقِّ.
فكتب أهل السنة والجماعة الصحيحة "بتفسير صحيح على مذهب السلف الصالح" هي حجة لازمة على أهل الطوائف، فلو أنكروها وقالوا لن نحتجَّ إلا بما يوافق كتبنا لم يكن علينا أهل السنة والجماعة الإسراع لإجابة مطالبهم.
بل نحن نحتج بما صحَّ عندنا على الرافضة بفضائل الصحابة
وعلى الإباضية بما صحَّ عندنا من خروج الموحدين من النار
وعلى الأشاعرة بإثبات صفات الله كما هي بدون تحريف ولا تعطيل ولا تأويل ولا تشبيهٍ.
وعلى الخوارج فأحاديث طاعة الحاكم في غير معصية الله
وعلى أهل البدع بحديث كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
وغيرها.
1- قال الإمام المفسِّرَ محمد بن سيرين بيننا وبين القومِ القوائمُ: يعني الأسانيد.
2- قال ابن المبارك الإسناد من الدين، لولا الإسناد قال مَن شاء ما شاء. أخرجهما مسلم في مقدمة صحيح
هذا لأن أهل البدع ليس لهم كرامة عندنا حتى نقبل روايتهم فلابد من معرفة الرجال وأحوالهم حتى يُؤخذ العلم من أهله، فإن الدين أغلى شيء لدى المسلمين فلا نؤخذه من أهل الأهواء والبدع.
كما أنه معروف أنه ليس لدى الإباضية كتب حديث معتمدة سوى مسند الربيع بن حبيب ، ولدى الشيخ الألباني تحقيق عظيم في السلسلة الضعيفة على هذا الكتاب فلا هو معروف السند ولا معروف طُرُق جمعه ولا أي شيء عن راويه لا في كتبنا المعتمدة ولا كتب تراجم الرجال ولا كتب القوم!
كذلك الرافضة إن قالوا لا نؤمن إلا بأحاديث بين أيدينا فهذا مردود بما سبق ، وأضيف عليه أن الرافضة يستحلُّون الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لإضلال المسلمين فأحاديثهم دائرة بين المكذوب والموضوع
وصحيحٌ أن الرافضة لهم كتب معتمدة عندهم لكن ليس لديهم كتب تراجم صحيحة بل بعض مُؤرِّخيهم كابن طاهر الحلي والبحراني كتبهم مليئة بالتزوير والبهتان وتمجيد أهل الرفض والحطِّ من أهل السنة والجماعة ، وكذبهم على الصحابة وتكفيرهم لهم.
وليس لدى أصحِّ كتبهم (الكافي للشيخ الكليني) أسانيد صحيحة تقوم بها حجة على إقامة مذهبهم فضلا عن إقامة الحجة على غيرهم، فإذا أراد أهل الطوائف محاجَّة أهل السنة والجماعة فليس إلى ذلك سبيل إلا بكتب أهل السنة والجماعة المعتمدة وتفسيرهم لها ، لا بتفسير أهل الأهواء
لأننا نعلم أن الأشاعرة يأوِّلون صفات الله، وأن الرافضة ينكرون فضائل الصحابة وغيرها.
ولا يجوز ردَّ الحديث الصحيح لأنه يخالف المذهب! هذا والله لهو الطامة الكبرى
قال ابن القيم في مستدرك الفتاوي " قال القاضي: وقد أومأ أحمد إلى هذا في رواية بكر بن محمد، عن أبيه عنه، فقال: الحق عند الله في واحد، وعلى الرجل أن يجتهد، ولا يقول لمخالفه: إنه مخطئ، وقال بعده كلاما: وإذا اختلف أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - في شيء، فأخذ رجل بقول بعضهم وأخذ رجل آخر عن رجل آخر منهم فالحق واحد، وعلى الرجل أن يجتهد ولا يدري أصاب الحق أم أخطأ."
كما أن بعض الطوائف السابق ذكرها ليس لهم كتب تخالف أهل السنة كما هو حال الرافضة والإباضية ،
فالجميع يعلم أن المُرجئة والقاديانية والخوارج ليس لديهم كتب حديث
والصوفية ليس لهم إلا كُتُبُ طُرِقٍ وضعها مشائخهم.
وكذلك الأشاعرة والجهمية والمعتزلة ليس لهم كتب حديث فهم يرجعون فيها إلى كتب السنة كالبخاري ومسلم وأهل السنن ولا يَسَعُهُم إلا ذلك! بفضل الله علينا ومنِّه وكرمه فإذا أرادوا محاججتنا أوَّلوا النصوص أو حرَّفوا المعاني أو ردُّوا الحديث بعقولهم كما هو كثيرٌ اليومَ والله المستعان.
واعلم – رعاك الله – أن بعض الناس سيقول هذه القاعدة مطردة وملازمة لك ، فلو جاء رافضي وقال لدينا في "الكافي" حديث صحيح السند على شرط أهل السنة! وصحيح المتن فهل هو حجة عليك أم تأباه ؟
فنقول أن الحديث الصحيح السند صحيح المتن لا تخلو منه كتب أهل السنة والجماعة، فإذا خلت منه الكتب المسندة فلن يخلو منه البحر الزخار لأبي بكر البزار ، ولا مسند الطبراني الذي جمعه فيه ألوف الأحاديث لأنه يروى الموضوعات اكتفاء بظاهر السند. على قاعدة من قال : من أسنَد فقد أرشَد" وكذلك من عَنو بجمع الأحاديث كالسيوطي في الجامع الصغير والكبير وغيره.
وبعض الأحاديث أخرجها الحاكم النيسابوري على شرط الشيخين إذا خلت من تساهله المعروف ، فهي حجة لازمة لمن بلغته لا يسع المؤمن غير ذلك ، عليه التسليم والاتباع والإذعان. هذا إن خلت أحاديث الحاكم من الشذوذ والنكارة والعلل.
أقول لما سبق: فإذا ثبت وجود حديث عند الرافضة صحيح الإسناد عندنا والمتن فإنه حجة لازمة لنا ولغيرنا ولا يسعنا غير ذلك، ولا أظن وجود مثل ذلك.
لأن الأحاديث لا تخلو من أربع حالاتٍ
1- حديث صحيح عند أهل السنة والجماعة وصحيح عند الرافضة ، فهذا لا خلاف فيه
2- حديث صحيح عند أهل السنة والجماعة لا يصح عند الرافضة، فخلافهم لا يضرنا فهذا حال أغلب الصحاح عندنا أنها لا تصح عندهم
3- حديث لا يصح عند أهل السنة والجماعة وصحيح عند الرافضة، فهذا لأنهم انفردوا بالأباطيل فلا نوافقهم عليها لعدم صحَّة أسانيدهم ولا ثقات رجالهم.
4- حديث لا يصح عند أهل السنة والجماعة ولا يصح عند الرافضة فهذا مثل الأول لا خلاف فيه.
فإذا قال أهل الطوائف هذه الأحاديث صحيحة الإسناد لكن لا نقبلها لمخالفة ظاهر القرآن لم يُقبل قولهم ، لأنَّ نقلة القرآن هم نقلة السنة فهم يتمايزون عن أهل الطوائف بأمور منها:
1- أنهم أعلم بما يَروون من غيرهم
2- أنهم يعلمون أنها لا تخالف القرآن
3- أنَّ لها وجهًا في الدينِ ، أعني: تفسيرًا صحيحًا وإن لم يفهمه بعض الناس
4- حرصهم على نقل الحديث كما سمعوه حتى يقول بعضهم : شككت في اللفظ كذا، أو كذا أو زاد فلان الحرف كذا كما هو معروف لمن دارس علم الحديث في كتبه كصحيح مسلم وغيها.
وإذا احتجَّ أهل الطوائف بما ظاهره التعارض عندنا لم يكن قولهم حجة علينا ولا على التناقض إلا إذا عجز علماؤنا عن الجمع بين الأقوال الظاهرة التعارض ، وليس أمام أهل الطوائف في هذه النقطة المشهورة سوى التدليس وبتر النصوص وكتمان الحقِّ.
فإنه لا يخلو من وجود أحاديث ظاهرها التعارض يجمع بينها العلماء في مؤلَّفاتهم المشهورة، ومع توافر شبكة المعلومات لم يعد صعبا البحث عن جواب لمسائل مثل هذه.
فانتبهوا لهذا ولا يتفننكم أهل الطوائف في دينكم كما فتنهم الشيطان في دينهم!
نسأل الله العصمة من الزلل
هذا والله أعلم
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
محمد ابن جهاد أبو شقرة – الكويت 9/1/2015 الموافق 19 ربيع الأول 1436 هـ