تحقيق قصة طلع البدر علينا وبيان ضعفها
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
لقد اشتهرت هذه القصه بين أولادنا فى الأزهر حيث يدرسها آلاف الطلاب كل عام فى مقرر السيره النبويه للصفوف الثلاثه فى المرحله الإعداديه حيث جائت القصه فى ( ص 81) من الكتاب وفيها
(( ثم غادر الرسول صلى الله عليه وسلم قباء واتجه حيث كان الاوس والخزرج وهم الأنصار يحيطون به عن يمين ويسار وقد تقلدوا سيوفهم وامتلأت نفوسهم بالبشر والسرور فكانت لحظات خالده فى تاريخ المدينه وكان يوما عظيما فى تاريخ الإسلام وخرج النساء الصبيان فى جو من النشوة والفرح يرددون هذا النشيد الجميل:
طلــع البـدر علينـا ---------- من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ----------- مــا دعــا لله داع
أيها المبعوث فينـا --------- جئت بالأمر المطاع
وأوردها المباركفورى فى كتابه " الرحيق المختوم" ( ص 177) تحت عنوان " الدخول فى المدينه " حيث قال المباركفورى :
" وكان يوما تاريخيا أغر فقد كانت البيوت والسكك ترتج بأصوات التحميد والتقديس وكانت بنات الأنصار تتغنى بهذه الأبيات فرحا وسروراً "00ثم ذكر الابيات0
أولا:
التخريج:
أخرجه البيهقى فى الدلائل (2/506) قال :
أخبرنا ابو بكر الإسماعيلي قال سمعت أبا خليفه يقول: سمعت ابن عائشه يقول:
لما قدم عليه السلام المدينه جعل النساء والصبيان يقلن 0000فذكره0
وقد أورد الحافظ ابن كثير فى " البدايه والنهايه "(3/238) عن البيهقى بهذا السند0
وسكت عنه0
ثانيا:
التحقيق:
هذا الحديث الذى جاءت به هذه القصه ليس صحيحا لوجود سقط عظيم فى الاسناد فابن عائشه هذا الذى يتحدث عن دخول الرسول صلى الله عليه وسلم المدينه ليس صحابيا حتى يروى ما حدث عند دخول الرسول صلى الله عليه وسلم المدينه وهو ليس بتابعى أيضا ولا حتى بتابع التابعين فهو من الاخذين عن تبع الاتباع ولم يلق التابعين0
البرهان:
ابن عائشه أورده الحافظ ابن حجر فى "التقريب "( 2/515 ) باب : من نسب إلى أبيه أو جده أو أمه ونحو ذلك 0
قال : " ابن عائشه هو: عبيد الله بن محمد بن حفص"
· قلت : لقد حدث تصحيف فى اسم ابن عائشه عند الشيخ الألباني رحمه الله فى " الضعيفه" ( 2/63 ) ( ح598) حيث أورد الاسم : عبد الله بن محمد ابن عائشه , والصواب هو : عبيد الله بن محمد ابن عائشه, يؤكد ذلك أيضا الإمام المزى فى " تهذيب الكمال " ( 12/261 ) ترجمة(4262) حيث قال : " عبيد الله بن محمد بن حفص بن عمر بن موسى بن عبيد الله بن معمر القرشى التيمى0 أبو عبد الرحمن البصرى المعروف بالعيشى وبالعائشى وبابن عائشه , لانه من ولد عائشه بنت طلحه بن عبيد الله , قدم بغداد"0
ثم نقل عن محمد بن عبد الله الحضرمى وأبى القاسم البغوى وزكريا بن يحيى الساجى : انه مات سنة ثمان وعشرين ومائتين0
· قلت : لذلك قال الحافظ ابن حجر فى "التقريب" ( 1/538 )
انه من كبار العاشرة0
· قلت قد تبين من بحثنا إن السند سقطت منه ثلاث طبقات رئيسيه وهى: طبقة الصحابه والتابعين وطبقة اتباع التابعين 0 فأقل السقط من السند ثلاثة رواه على التوالى وهذا النوع فى "علم المصطلح" يسمى " المعضل"0حيث قال السخاوى فى " فتح المغيث" ( 1/185 ) :
المعضل فى الإصطلاح: هو الساقط من إسناده اثنان فصاعداً مع التوالى"0
· قلت : بهذا التحقيق يتبين أن القصه واهيه , فلا يغتر الداعيه بإيرادها فى هذه الكتب المشهوره بعد أن تبين سقوطها بالسقط المتوالى فى إسنادها0
وليتخذ طالب هذا الفن من هذه القصه مثالا لعلم الحديث التطبيقى للمعضل0
بطلان إحتجاج أبى حامد الغزالى :
لقد إحتج أبو حامد الغزالى بهذه القصه على إباحة الغناء حيث قال فى " الإحياء "( 2/275 ) :
" ووجه جوازه :
أن من الألحان ما يثير الفرح والسرور والطرب فكل ما جاز السرور به جاز إثارة السرور فيه ويدل على هذا النقل من إنشاد النساء على السطوح بالدف والألحان عند قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم :
طلــع البـدر علينـا ---------- من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ---------- مــا دعــا لله داع
* قلت : لقد بينا فى تحقيقنا أن القصه واهيه بالسقط فى الإسناد وفوق ذلك إن أبا حامد الغزالى أورد هذه القصه بزياده لا اصل لها حيث قال :" إنشاد النساء على السطوح بالدف والألحان"0
* قلت: ولقد بين ذلك الإمام الحافظ العراقى " تخريج الأحياء "( 2/275 )
حيث قال " حديث إنشاد النساء عند قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم : أخرجه البيهقى فى " دلائل النبوة" معضلا وليس فيه ذكر للدف والألحان"
·
قلت :ولقد نقل الشيخ الالبانى رحمه الله تحقيق العراقى مقرا له حيث قال فى " الضعيفه" ( 2/63 ) :
تنبيه: اورد الغزالى هذه القصه بزياده : " الدف والالحان" ولا اصل لها كما أشار لذلك الحافظ العراقى بقوله:" وليس فيه ذكر للدف والألحان "
وقد إغتر بهذه الزياده بعضهم فأورد القصه بها مستدلا على جواز الأناشيد النبويه المعروفه اليوم0
فيقال له " اثبت العرش ثم انقش " على انه لو صحة القصه لما كان فيها حجه على ما ذهبوا إليه 0
شاهد للقصه غير صحيح :
روى عن انس قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينه فلما دخل المدينه جاءت الأنصار برجالها ونسائها فقالوا إلينا يا رسول الله فقال :
" دعوا الناقة فإنها مأموره " فبركت على باب أبى أيوب 0 قال : فخرجت جوار من بنى النجار يضربن الدف وهن يقلن :
نحن جوار بنى النجار -------- يا حبذا محمد من جار فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " أتحبوني" فقالوا: إي والله يا رسول الله قال : " أنا والله أحبكم, أنا والله احبكم, أنا والله احبكم " 0
التخريج :
أخرجه البيهقى فى " الدلائل " ( 2/508 ) قال :أخبرني ابو الحسن : على بن عمر الحافظ قال : حدثنا أبو عبد الله بن محمد بن مخلد الدورى قال : حدثنا محمد بن سليمان بن إسماعيل بن أبى الورد قال : حدثنا ابراهيم بن صرمه قال : حدثنا يحيى بن سعيد عن اسحاق بن عبد الله بن ابى طلحه عن انس قال 000فذكره0
· قلت : وهذه القصه نقلها الحافظ بن كثير فى " البدايه والنهايه" (3/240) عن البيهقى بهذا الإسناد ثم قال : " هذا حديث غريب من هذا الوجه لم يروه أحد من أصحاب السنن"
المفضلات