1- أسباب وصف النبي بالإرهاب
2- ما الارهاب
3- براءة الأنبياء والرسل عليهم السلام من الإرهاب
4- شبهة وردها
5- الفرق بين الإرهاب والجهاد
6- قبول الآخر أساس الحرية الدينية في الإسلام
7- أحوال غير المسلمين في الدولة الإسلامية
مقدمة:
إن الحمد لله الذي جعل سيدنا محمدا رسول الله أشرف البشر وأعظمهم على مر التاريخ، فهو إمام الأنبياء والمرسلين، وسيد الشفعاء يوم القيامة، ولن تستطيع أقلام مأجورة ولا أفكار مسعورة ولا حملات إعلامية مضللة من أن تنال منه ولا من دينه وأخلاقه بعد أن قال عنه ربه مادحا: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم:4) ، فمدح الله تعالى له يغنيه عن كل إطراء، ويدفع عنه كل شبهة.
لقد كان من صفات هذا الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم العفو عند المقدرة، والرحمة لمن حوله من المؤمنين، قال تعالى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة:128)، بل إن رحمته تمتد لتشمل الكون كله، فما هو إلا رحمة لكل شيء، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الانبياء:107)، وكان عليه السلام يستشعر أهمية الرحمة في حياته ودعوته، فسمى نفسه نبي الرحمة، روى أبو موسى الأشعري، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي لنا نفسه أسماء فقال: (أنا محمد، وأحمد، والمقفي والحاشر، ونبي التوبة، ونبي الرحمة) رواه مسلم[1]
والعجب من أن يتهم بعض المغرضين في عصرنا نبي الرحمة والسلام صلى الله عليه وسلم بالألفاظ النابية التي تدل على جهلهم أو حقدهم، فمن ذلك أنهم وصفوه بالإرهاب، وهو أبعد الناس عن ذلك صلى الله عليه وسلم[2]، فهو أرحم البشر، وأبعدهم عن الظلم والثأر والعدوان، وأحرصهم على فرض النظام والشريعة، وأكثرهم عفة ورفقا ولينا وتواضعا، ولقد أحسن شوقي حين شبه النبي عليه السلام بالأب الرحيم الذي يعفو عن زلات أولاده، فقال: [3]
وإذا عفوت فقادرا ومقدرا لا يستهين بعفوك الجهلاء وإذا رحمت فأنت أم أو أب هذان في الدنيا هما الرحماء ...
أسباب وصف النبي بالإرهاب :
الأسباب التي تدعو بعض الكتاب والمغرضين إلى وصف النبي بالإرهاب لا تعدو أن تكون في مجملها ستة، وهي:
1- اجتزاء النصوص الدينية وعدم النظر إليها كوحدة متكاملة، فالتشريع الإسلامي يشمل الدين والدنيا والحرب والسلام، فقراءة النصوص التي تنظم قواعد الحرب وآدابها بمعزل عن النصوص التي تنظم حياة السلام قد يوقع في الخلط وسوء الفهم.
2- عدم فهم الظروف التي أحاطت بالنصوص، فهنالك ما يسمى أسباب النزول، ومعرفتها ضرورية جدا لفهم ملابسات نزول النص.
3- الجهل باللغة العربية، فقراءة النص الديني بلغته الأصلية تزيل كثير من اللبس والغموض عنه، فهناك العام الذي يراد منه الخاص وبعكسه الخاص الذي يراد منه العام، وهناك الترادف والمشترك والمبهم وغير ذلك، ومعرفة قواعد البلاغة العربية مهمة جدا لفهم القرآن الكريم.
4-الجهل بفلسفة الحياة، فالحياة فيها السلم وفيها الحرب، ولا بد للدين الحق من أن ينظم قواعد الحياة في الحالتين، ولا يترك شئون الحرب ليدبرها الناس بأنفسهم، فيكون دينا ناقصا لا يصلح لواقع الحياة.
5- الجهل بالسيرة النبوية وأحداث التاريخ، وتفسير أحداثه من زاوية طائفية أو مذهبية بعيدا عن الموضوعية بفهم أحداثه.
6-الأسباب النفسية من حقد وكراهية، وهي أسباب قلما ينجو منها متعصب حاقد على الدين الحنيف ورسوله الكريم، قال تعالى: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً )(النساء: من الآية89)
ما الإرهاب؟
وقبل أن نفند فرية الإرهاب بحق النبي عليه الصلاة والسلام نود أن نعرف الإرهاب ونفرق بينه وبين الجهاد في سبيل الله تعالى، إذ كثيرا ما يخلط الناس بين المصطلحات، مما يوقع اللبس في العقول والنتائج، فمن حيث اللغة: الإرهاب يرجع في اللغة إلى أصل ثلاثي وهو رهب كعلِم، ومعناه: خاف، ورَهَبوت خير من رحموت: أي لأن ترهب خير من أن ترحم، وأرهبه واسترهبه: أخافه، والمرهوب: الأسد[4]
فالإرهاب إذا يرجع إلى الخوف، والخوف يحصل بأسباب كثيرة، يبدأ بالأمور النفسية، فالخوف من التكذيب والازدراء ونحو ذلك هو أدنى درجات الإرهاب ونسميه بالإرهاب النفسي، وقد يخاف الإنسان من أن يتحول التكذيب إلى تشهير دائم فيتطور الإيذاء النفسي إلى إيذاء إعلامي واجتماعي، وقد يقاطع الناس هذا الإنسان اقتصاديا، فيتحول الضرر من معنوي إلى حسي، مما يتسبب له بالفقر والضرر، وفي خطوة أخيرة قد يحاولون إيقاع الأذى الجسمي به أو بأهله وضيوفه، وهنا يدخل الإرهاب مرحلة خطيرة وهي مرحلة التصفية والإبادة، مما يبرر لهذا المتضرر بالدفاع عن نفسه حفاظا على حقه في الحياة.
من هذه المقدمة نستطيع تعريف الإرهاب بأنه: هو إيقاع الأذى المادي أو المعنوي بالآخرين ورفض الاستماع إليهم أو التحاور معهم، ويبدأ الأذى بالتكذيب والتشهير، وينتهي بحرب الإبادة والتصفية الجماعية، وبين هاتين المرحلتين مراحل كثيرة من العدوان الإعلامي والاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي.
براءة الأنبياء والرسل عليهم السلام من الإرهاب :
من التعريف السابق للإرهاب نجد أنه لا ينطبق على الأنبياء والرسل جميعا، فقد كانوا يريدون من أقوامهم مقارعة الحجة بالحجة، وأن يسمحوا لهم بتبليغ رسالات ربهم دون أذى، وإنما ينطبق على أعدائهم، حيث يقعد أعداء الرسل في طريق الحق لقطعه على كل من يريد الوصول إلى الهدى، وأول من فعل ذلك إبليس لعنه الله، حيث جاء على لسانه في القرآن الكريم: (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) (لأعراف:16)، ويستخدم أعداء الرسل كافة الأساليب الإرهابية لصرف الناس عن الهدى، فيدعو الإرهابيون من أعداء الأنبياء والرسل إلى الحرب الإعلامية متمثلة بصور شتى منها بذاءة اللسان مع الأنبياء، ونعتهم بالألفاظ النابية، قال تعالى: (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) (الذريات:52)، وقد يحاصرون المؤمنين اقتصاديا، ويشيعون الفاحشة ويلوثون الأعراض وسمعة المؤمنين بالإفك ونحوه، ثم تبدأ التصفية الجسدية ومن آثارها مقابلة الحجة بالسوط، والحق بالسيف، والحقيقة بالجلد، إذ ينطلق الإرهاب من فكرة رفض التعايش مع الآخر، وينتهي بالتصفية الجسدية ومحاولة الاستئصال الدموي لذاك الآخر ولو كان نبيا مرسلا مثل موسى عليه السلام، قال تعالى: (وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ)(غافر: من الآية28)
وكثيرا ما حاول أعداء الرسل التضييق على رسلهم ومحاولة إخراجهم من أرضهم وكأن الأوطان حكر للكفرة قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ) (ابراهيم:13) ، وربما امتدت أيديهم الآثمة لقتل الأنبياء وأتباعهم، (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) (آل عمران:21)
وقد تعرض النبي الخاتم عليه السلام إلى مختلف أنواع الإرهاب من قومه حتى نجاه الله منهم، قال تعالى: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (الأنفال:30)
شبهة وردها :
وردت مادة رهب ومشتقاتها في القرآن الكريم في اثني عشر موضعا، منها: الرهب ورهبانية ورهبان وغير ذلك[5]، ولم ترد بمعنى الأمر بإرهاب العدو أبدا، وإنما وردت لتعليل الإعداد لملاقاة الأعداء في المعركة، وذلك موضع واحد من الذكر الحكيم، وهو قوله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) (لأنفال:60)، والإرهاب المقصود هنا يكون في المعركة، فقد (أمر تعالى بإعداد آلات الحرب لمقاتلتهم حسب الطاقة والإمكان والاستطاعة)[6]، ومعلوم بأن المعارك كلها تهدف إلى كسب الحرب وإرهاب العدو وإحراز الغنائم، فالحرب ليست لعبا، والقوي هو الذي ينتصر في النهاية، لذلك تحرص الدول والجيوش جميعا على كسب المعارك منذ الجولة الأولى، وبث الرعب في نفوس أعدائها، وهذا ما أراده القرآن، ولم يرد قط إرهاب الآمنين، أو تصفية الخصوم بالأساليب الغادرة كما يفعل الطواغيت في الأرض، لأن المبدأ الذي قام عليه الدين احترام حقوق الآخرين في العقيدة والحياة الكريمة والمشاركة الفاعلة في المجتمع، وعدم البدء بالعدوان على الآخرين، يقول سبحانه: (والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون، وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين، ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل، إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم)(39-42: الشورى).
المفضلات