ما يُباح من الغيبة
*************
اعلم أن الغيبة تُباح لغرض صحيح شرعي لا يمكن الوصول إليه إلا بها .
و هو ستّة أسباب :
1. التظلّم :فيجوز للمظلوم أن يتظلَّم / أي يرفع ظلامته / إلى السلطان و القاضي و غيرهما ممّن له ولاية أو قدرة على إنصافه من ظالمه ، فيقول : ظلمني فلان بكذا .
2. الاستعانة على تغيير المنكر :تباح الغيبة في الاستعانة على تغيير المنكر و ردّ العاصي إلى الصواب ، فيقول لمن يرجو قُدرَتَهُ على إزالة المنكر : فلان يعمل كذا و كذا ، فازجره عنه .
و نحو ذلك ، و يكون مقصوده التّوَصّل إلى إزالة المنكر ، فإن لم يقصد ذلك كان حراماً .
3. الاستفتاء :فيقول للمفتي : ظلمني أبي ، أو أخي ، أو زوجي ، أو فلان بكذا ، فهل له ذلك ؟ و ما طريقي في الخلاص منه ، و تحصيل حقّي ، و دفع الظلم ؟
و نحو ذلك ، فهذا جائز للحاجة ، و لكن الأحوط و الأفضل أن يقول : ما تقول في رجل أو شخص ، أو زوج ، كان من أمره كذا ؟
فإنه يحصل به الغرض من غير تعيين ، و مع ذلك ، فالتعيين جائز كما سنذكره في حديث هند إن شاء الله .
4. تحذير المسلمين من الشر و نصيحتهم .و ذلك من وجوه :
· منها جرح المجروحين من الرواة و الشهود ، و ذلك جائز بالإجماع ، بل واجب للحاجة .
· و منها المشاورة في مصاهرة إنسان ، أو مشاركته، أو إيداعه ، أو معاملته ، أو مجاورته ، أو غير ذلك . و يجب على المشاور أن لا يخفي حاله ، بل يذكر المساوئ التي فيه بنيّة النصيحة .
· و منها إذا رأى مُتفقِّهاً يتردّد إلى مُبتدِع ، أو فاسق يأخذ منه العلم ، و خاف أن يتضرر المتفقِّه بذلك ، فعليه نصيحته ببيان حاله ، بشرط أن يقصد النصيحة ، و هذا مما يُغْلَطُ فيه . و قد يحمل المتكلِّم بذلك الحسد ، و يلبّسُ عليه الشيطان ذلك ، و يُخَيّلُ إليه أنه نصيحة ، فليتفطّن لذلك .
·و منها أن يكون له ولايةٌ و لا يقوم بها على وجهها : إما بأن لا يكون صالحاً لها ، و إما بأن يكون فاسقاً ، أو مغفّلاً ، و نحو ذلك ، فيجب ذِكرُ ذلك لمن عليه ولاية عامة ليزيله ، و يولّي من يصلح ، أو يعلم ذلك منه ليعامله بمقتضى حاله ، و لا يعتزّ به ، و أن يسعى في أن يحثّه على الاستقامة أو يستبدل به .
5. أن يكون مجاهراً بفسقهِ أو بدعتهِ :كالمجاهر بشرب الخمر ، و مُصادرة الناس ، و أخذ المكس/ دراهم تُجمع / و جباية الأموال ظلماً ، و تولّي الأمور الباطلة ، فيجوز ذِكرُهُ بما يُجاهر به ، و يحرم ذكره بغيره من العيوب ، إلا أن يكون لجوازه سبب آخر مما ذكرناه .
6. التعريف :فإذا كان الإنسان معروفاً بلقب ، كالأعمش ، و الأعرج ، و الأصمّ ، و الأعمى ، و الأحول ، و غيرهم جاز تعريفهم بذلك ، و يحرم إطلاقه على جهة التنقّص ، و لو أمكن تعريفه بغير ذلك كان أولى .
فهذه ستّة أسباب ذكرها العلماء و أكثرها مُجمعٌ عليه ، و دلائلها من الأحاديث الصحيحة مشهورة .
الأدلّـــــة :
*********
· عن عائشة رضي الله عنها أنّ رجلاً استأذن على النبي صلى الله عليه و سلم فقال:
" ائذنوا له ، بئسَ أخو العشيرة / أي القبيلة ، يحذّر أصحابه منه / " / متفق عليه /
احتجّ به البخاري في جواز غيبة أهل الفساد و أهل الرّيب .
· و عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " ما أظنّ فلاناً و فلاناً يعرفان من ديننا شيئاً " . / رواه البخاري/
قال الليث بن سعد أحد رواة هذا الحديث : هذان الرجلان كانا من المنافقين .
·و عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها قالت : أتيتُ النبي صلى الله عليه و سلم فقلتُ : إنّ أبا الجهم و معاوية خطباني ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" أمّا معاوية فصعلوك / أي فقير / لا مال له ، و أما أبو الجهم ، فلا يضع العصا عن عاتقه "/ متفق عليه /.
و في رواية لمسلم : " و أما أبو الجهم فضرّابٌ للنساء " و هو تفسير لرواية : " لا يضع العصا عن عاتقه " . و قيل: معناه : كثير الأسفار .
· و عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في سفرٍ أصابَ الناسُ فيه شدّة ، فقال عبد الله بن أبيّ : لا تنفقوا على ما عند رسول الله حتى يَنفَضّوا / أي يتفرقوا / ، و قال : لَئن رجعنا إلى المدينة ليُخْرِجَنّ الأعَزُّ منها الأذَلّ . فأتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبرته بذلك ، فأرسل إلى عبد الله بن أبيّ ، فاجتهد يمينهُ : " ما فعل ؟ " ، فقالوا : كَذَبّ زيدٌ رسولَ الله صلى الله عليه و سلم . فوقعَ ذلك في نفسي مما قالوه شِدّةٌ حتى أنزلَ الله تعالى تصديقي : ( إذا جاءكَ المنافقون ) ثم دعاهم النبي صلى الله عليه و سلم ليستغفر لهم فلوّوا رؤوسهم . / أي أمالوها إعراضاً و رغبة عن الاستغفار / - متفق عليه .
· و عن عائشة رضي الله عنها قالت : فالت هند امرأة أبي سفيان / أم معاوية أسلمت عام الفتح بعد إسلام زوجها بليلة / للنبي صلى الله عليه و سلم : إنّ أبا سفيان رجلٌ شحيحٌ و ليس يعطيني ما يكفيني و ولدي إلا ما أخذتُ منه ، و هو لا يعلم ؟ قال صلى الله عليه و سلم : " خذي ما يكفيكِ و ولدكِ بالمعروف "
/ متفق عليه / .
*************
[glint]
المرجع
رياض الصالحين
[/glint]**************
المفضلات