بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله و كفى و سلام على عباده الذين اصطفى أما بعد :
فهذا رد على ما افتراه بعض الأقباط النصـ ـارى على رسول الله صلى الله عليه و سلم لما اتهموه بالجبن و قال بعضهم إن امرأة تدافع عنه لدليل على عدم شجاعته .كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا.
نرد عليهم من خلال ما يلي:
1 _ شهادة الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه و سلم:
قال تعالى مثنيا و مخبرا عن رسوله صلى الله عليه و سلم:
(من سورة التوبة 40 الآية)
(إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)
قال صاحب التفسير الميسر:
إذ يقول لصاحبه -أبي بكر- لما رأى منه الخوف عليه: لا تحزن إن الله معنا بنصره وتأييده, فأنزل الله الطمأنينة في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأعانه بجنود لم يرها أحد من البشر وهم الملائكة, فأنجاه الله من عدوه وأذل الله أعداءه, وجعل كلمة الذين كفروا السفلى. وكلمةُ الله هي العليا,, ذلك بإعلاء شأن الإسلام. والله عزيز في ملكه, حكيم في تدبير شؤون عباده. وفي هذه الآية منقبة عظيمة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه.)
جند الكفار على بعد خطوات منه صلى الله عليه و سلم و لم يفزع و لم يخف بل إنه من ثباته ثبت صاحبه .
و قال تعالى:
(سورةالقلم 4 الآية)(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)
فأثنى الله على رسوله و أخبر أنه على خلق عظيم و من كان جبانا فلا علاقة له بالعظمة في شيء.
(التفسير الميسر)(القلم)(o 4 o)(وإنك -أيها الرسول- لعلى خلق عظيم، وهو ما اشتمل عليه القرآن من مكارم الأخلاق؛ فقد كان امتثال القرآن سجية له يأتمر بأمره، وينتهي عما ينهى عنه.)
ثانيا: الرسول الله صلى الله عليه و سلم ينفي عن نفسه خصلة الجبن :
روى الإمام البخاري عن ابن شهاب قال أخبرني عمر بن محمد بن مطعم أن محمد بن جبير قال أخبرني جبير بن مطعم
: أنه بينا هو مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ومعه الناس مقبلا من حنين علقت رسول الله صلى الله عليه و سلم الأعراب يسألونه حتى اضطروه إلى سمرة فخطفت رداءه فوقف رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال ( أعطوني ردائي فلو كان عدد هذه العضاه نعما لقسمته بينكم ثم لا تجدوني بخيلا ولا كذوبا ولا جبانا ).
ثم لا تجدوني بخيلا ولا كذوبا ولا جبانا
ثم لا تجدوني بخيلا ولا كذوبا ولا جبانا
ثم لا تجدوني بخيلا ولا كذوبا ولا جبانا
وروى الإمام أبو داود رحمه الله في سننه عن عبد العزيز بن مروان قال سمعت أبا هريرة يقول سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول « شرُّ ما في رجلٍ شحٌّ هالعٌ وجُبْنٌ خالِعٌ ».
قال أبو جعفر الطبري رحمه الله في تهذيب الآثار :
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : « شر ما في الرجل شح هالع ، وجبن خالع » ، فإنه يعني بقوله : « هالع » : جازع ، يجزع صاحبه من الإنفاق في الحقوق مخافة الفاقة والإقتار . ووصف بالهلع الشح - وهو من صفة الشحيح - كما قيل : ليل نائم ، ونهار صائم ، يراد به : ينام في هذا ، ويصام في هذا ، فكذلك معنى قولهم : شح هالع ، أنه يهلع به صاحبه ، ومنه قول الله عز وجل : إن الإنسان خلق هلوعا ، قيل : ضجورا ، وقيل : جزوعا . والهلع عند العرب : أشد الجزع وأقبحه ، يقال منه : هلع فلان يهلع هلعا وهلوعا . وأما الجبن الخالع : فهو الجبن الذي يخلع فؤاد صاحبه من الخوف والرعب عند لقاء الناس . وإنما وصفهما صلى الله عليه وسلم بأنهما شر ما في الإنسان من خلائقه ؛ لأن الشح يحمل صاحبه على كل عظيمة ، من منع حقوق الله عز وجل التي أوجبها في ماله كالزكاة ، ويحول بينه وبين أداء ما يلزمه للناس من الديون ، ولأهله من النفقات ، ويدعوه إلى السرق وغصب الناس أموالهم ، وخيانتهم فيما اتمنوه عليه ، وأشباه ذلك من الأمور التي يمل تعدادها ، وأن الجبن الخالع يصد عن القيام بحق الله من جهاد أعداء الله ، ويدعو إلى ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، حذرا على نفسه من المأمور أو المنهي ، ونحو ذلك.
أفينهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الشر و يأتيه؟
و رسول الله صلى الله عليه و سلم خير من جاهد أعداء الله و خير من أمر بالمعروف و نهى عن المنكر.
اللهم لا.
بل هو قدوة المسلمين فلقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:
« إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم.
و الحديث صحيح رواه الإمام مسلم رحمه الله في جامعه الصحيح /كتاب الإمارة.
إنه من الواجب أن ينذرهم من الشرور و منها الجبن.
وأخرج البخاري رحمه الله في صحيحه ، باب :
ما يتعوذ من الجبن:
كان سعد يعلم بنيه هؤلاء الكلمات كما يعلم المعلم الغلمان الكتابة ويقول إن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يتعوذ منهن دبر الصلاة اللهم إني أعوذ بك من الجبن وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا وأعوذ بك من عذاب القبر ) . فحدثت به مصعبا فصدقه .
فالجبن يا نصارى من الأمور التي يتعوذ منها رسول الله و يعلمنا أن نتعوذ منه .و لا يُتعوذ في الإسلام إلا من الأمور القبيحة الشنيعة.
نقل الإمام الملا علي القاري في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيحعن الطيبي قوله:
لا تجتمع الشجاعة والسخاوة إلا في نفس كاملة ولا ينعدمان إلا من متناه في النقص.
و النبي صلى الله عليه و سلم أكمل الناس خَلقا و خُلقا
و أخرج الشهاب القضاعي في مسنده عن عمران بن حصين قال : أرخى رسول الله صلى الله عليه و سلم بطرف عمامتي من ورائي ثم قال يا عمران إن الله يحب الإنفاق ويبغض الإقتار فكل وأطعم ولا تصر صرا فيعسر عليك الطلب واعلم أن الله يحب البصر النافذ عند مجيء الشهوات يعني والعقل الكامل عند نزول الشهوات ويحب السماحة ولو على تمرات ويحب الشجاعة ولو على قتل حية .
لا أدري لماذا يصر النصارى على وصف رسول الله بالجبن و هو العربي الذي يفتخر قومه بالبسالة و الفروسية و يذمون الجبناء و خواري العزيمة. أفمن شب على الشجاعة يصير جبانا؟
قال أبو حيان علي بن محمد التوحيدي صاحب الإمتاع و المؤانسة :
وأما الشجاعة والجبن فهما خلقان متصلان بالخلق ، ولهذا يعز على الشجاع أن يتحول جباناً ، ويتعذر على الجبان أن يصير شجاعاً.
قال التوحيدي :
فأما الشجاعة فهي استعمال قوة العصب بقدر ما ينبغي، وفي الوقت الذي ينبغي، وفيما ينبغي، وعلى الحال التي تنبغي.
وهي خلق يصدر عنه هذا الفعل على ما يحده العقل، وهي حال واسطة بين طرفين مذمومين: أحدهما زيادة بالإفراط والأخرى زيادة بالتفريط.
فأما من جانب الزيادة فأن تستعمل بأكثر مما ينبغي في سائر شرائطها فتسمى تهوراً.
وأما من جانب النقصان فأن تستعمل بأقل مما ينبغي في سائر شرائطها، فتسمى جبناً.
إن رسول الله صلى الله عليه و سلم أكرم من استعمل قوته فيما يجب من الدعوة إلى الله و الجهاد في سبيله في الوقت الذي ينبغي و على الحال التي تنبغي مع كمال الخلق الذي يجعله يترفع عن سلوكيات غيره من الملوك و الفاتحين.
ثالثا: شجاعة رسول الله صلى الله عليه و سلم من خلال شهادة صحابته له :
تحت باب الشجاعة في الحرب والجبن
أخرج البخاري رحمه الله عن أنس رضي الله عنه قال :
كان النبي صلى الله عليه و سلم أحسن الناس وأشجع الناس وأجود الناس ولقد فزع أهل المدينة فكان النبي صلى الله عليه و سلم سبقهم على فرس وقال ( وجدناه بحرا )
روى الإمام أبو عوانة عن البراء قال ما كان معنا يوم كذا وكذا ذكر يوما من أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فارس إلا المقداد بن الأسود رضي الله عنه فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل يمازحه فررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال البراء إني أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فر يومئذ كان والله إذا اشتد القتال واحمر البأس اتقينا به .
وروى الإمام أحمد رحمه الله :
قال رجل للبراء وهو يمزح معه : قد فررتم عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنتم أصحابه قال البراء إني لأشهد على رسول الله صلى الله عليه و سلم ما فر يومئذ..الحديث
قال المحدث الشيخ شعيب الأرناؤوط: حديث صحيح.
روى الإمام أحمد و الطيالسي و الحاكم و البزار و غيرهم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال :
كنا إذا حمى البأس ولقى القوم القوم اتقينا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما يكون منا أحد أقرب إلى العدو منه.
قال الدارمي :أخبرنا محمود بن غلان ثنا يزيد بن هارون انا مسعر عن عبد الملك بن عمير قال قال بن عمر : ما رأيت أحدا أنجد ولا أجود ولا أشجع ولا أضوأ وأوضأ من رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال حسين سليم أسد : رجاله ثقات.
روى الإمام مسلم رحمه الله بسنده قال :
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَنَابٍ الْمِصِّيصِىُّ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ زَكَرِيَّاءَ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الْبَرَاءِ فَقَالَ أَكُنْتُمْ وَلَّيْتُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ يَا أَبَا عُمَارَةَ فَقَالَ أَشْهَدُ عَلَى نَبِىِّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَا وَلَّى وَلَكِنَّهُ انْطَلَقَ أَخِفَّاءُ مِنَ النَّاسِ وَحُسَّرٌ إِلَى هَذَا الْحَىِّ مِنْ هَوَازِنَ وَهُمْ قَوْمٌ رُمَاةٌ فَرَمَوْهُمْ بِرِشْقٍ مِنْ نَبْلٍ كَأَنَّهَا رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ فَانْكَشَفُوا فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ يَقُودُ بِهِ بَغْلَتَهُ فَنَزَلَ وَدَعَا وَاسْتَنْصَرَ وَهُوَ يَقُولُ « أَنَا النبي لاَ كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ اللَّهُمَّ نَزِّلْ نَصْرَكَ ». قَالَ الْبَرَاءُ كُنَّا وَاللَّهِ إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ نَتَّقِى بِهِ وَإِنَّ الشُّجَاعَ مِنَّا لَلَّذِى يُحَاذِى بِهِ. يَعْنِى النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم.
يتبع بحول الله و قوته....
المفضلات