اتهامه بأنه قال بخلق القرآن .
قال الخطيب البغدادي في ترجمة الإمام من تاريخه (( ج: 13 ص: 378, 385 )) :
كتب إلي عبد الرحمن بن عثمان الدمشقي وحدثنا عبد العزيز بن أبي طاهر عنه قال أخبرنا أبو الميمون البجلي, حدثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو أخبرني محمد بن الوليد ( أبو هبيرة الهاشمي الدمشقي ) قال سمعت أبا مسهر يقول : قال سلمة بن عمرو القاضي على المنبر : لا رحم الله أبا حنيفة فإنه أول من زعم أن القرآن الكريم مخلوق.
أ هـ قال الإمام الكوثري :
أقول ولفظ ابن عساكر في تاريخه
( لا رحم الله أبا فلان فإنه أول من زعم أن القرآن مخلوق )
ففي الخبر المسوق هنا تغيير ( أبي فلان )
إلي أبي حنيفة,
ومن أين علموا أن أبا فلان في الرواية هو أبو حنيفة, مع تضافر الروايات على أن أول من قام قال بذلك جعد بن درهم,
وتبديل كلمة بكلمة أمر هّين عندهم, ومناقضة ما تواتر عن أهل العلم شيء لا أهمية له في نظرهم, وقد وفيت الكلام في حقه في هذه المسألة فينا علقته على الاختلاف في اللفظ لابن قتيبة .
ومن جملة ما قلت هناك :
قال ابن أبي حاتم في كتاب الرد على الجهمية سمعت أحمد بن عبد الله الشعراني يقول :
سمعت سعيد بن رحمة صاحب أبي إسحاق الفزاري يقول : إنما خرج جهم سنة ثلاثين ومائة,
فقال : القرآن مخلوق, فلما بلغ العلماء تعاظموه فأجمعوا على أنه تكلم بكفر وحمل الناس ذلك عنهم, وقال أيضاً سمعت أبي يقول :
أل من أتى بخلق القرآن الجعد بن درهم
في سنة نيَّف وعشرين ومائة, ثم جهم بن صفوان, ثم من بعدهما بشر بن غياث .
أ هـ ( ولعل ذكر ثلاثين بجبر الكسر وإلا فخروج جهم سنة بضع وعشرين كما سبق ) .
وقال اللالكائي في (( شرح السنة )) :
ولا خلاف بين الأمة إن أول من قال القرآن مخلوق الجعد بن درهم في سنة نيف وعشرين ومائة أ هـ ( وألقي القبض على جهم سنة 128 )
وكان قتله أيضاً في تلك السنة على ما يذكره ابن جرير إلا أن اللالكائي يقول بأن قتله كان سنة اثنين وثلاثين ومائة,
وفي تلك التواريخ اضطراب كما ترى ولم يحل قتل جهم دون ذيوع رأيه في القرآن,
فافتتن به أناس فشايعه مشايعون, ونافره منافرون, فحصلت الحيدة من العدل إلي إفراط وإلي تفريط من غير معرفة كثير منهم لمغزى هذا المبتدع, أناس جاروه في نفي الكلام النفسي, وأناس قالوا في معاكسته بقدم الكلام اللفظي .
ولما رأى أبو حنيفة ذلك تدارك الأمر وأبان الحق فقال :
ما قام بالله غري مخلوق, وما قام بالخلق مخلوق, يريد أن كلام الله تعالى باعتبار قيامه بالله تعالى صفة كباقي صفاته في القدم, وأما ما في ألسنة التالين وأذهان الحفاظ والمصاحف من الأصوات, والصور الذهنية والنقوش فمخلوقة كخلق حامليها, فاستقرت آراء أهل العلم والفهم على ذلك بعده,
ولا يمكن أن يكون إجماع التابعين على ردّ قول جهم إلا باعتبار تجرئه على صفة قائمة بالله تعالى غير بائنة منه. ومحال أن يكون القديم حالاّ في حادث فيلزم عليهم أن يعترفوا بخلق ما قام بالخالق, ولكن أبا حنيفة كان رجلاً محسوداً أذاع عنه حاسدوه أنه يقول بقول جهم وأنى يصدر عنه ذلك
((تأنيب الخطيب ص: 78, 79))