من صفات العاقل الإنصاف والنظر في الأمور والتمهّل والتثبّت وعدم الحكم على الأمور من أفواه الآخرين، وبذلك يصل إلى الحق وتنزل عليه السكينة.

بينما من صفات الجاهل الغوغائية والببّغائيّة والتسرّع وعدم النظر في الأمور أو تحكيم العقل، فهدف الجاهل في النهاية إبطال الحق وليس الوصول إليه (ويُجادلُ الذين كَفَروا بالباطِلِ لِيُدحِضوا بهِ الحَقَّ واتّخذوا آياتي وما أنذروا هُزُواً) 56 الكهف.
وذلك لأنّ أبرز صفات الجاهل العناد والظلم والحسد والحقد، فكيف ترجو أن تحصل على الحقيقة من خلال هؤلاء؟

وممّا برزت فيه غوغائيّة هؤلاء انتقاص القرآن بأنّ فيه تكراراً، والرّقص على ضجيج شبهتهم تلك، ولكن هل قرأ أحدهم القرآن وبحث وتثبّت بموضوعيّةٍ وإنصافٍ ليقدّر بنفسه إن كان هناك تكرار يقلّل من بلاغة القرآن أم لا؟

ما حقيقة ما يسمّى التكرار في القرآن؟

قال تعالى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ 23) الزمر

في الأساس في التفسير: (فهو يشبه بعضه بعضاً في الصدق والبيان والوعظ والحكمة والإعجاز والإخبار والتذكير والتبشير والإنذار، فكل جزءٍ منه تظهر فيه خصائص القرآن كله مع تعدد المواضيع وكثرتها وتنوّعها وهذا وحده معجز... جمع مثنى بمعنى مردّد ومكرّر لما ثنّى من قصصه وأنبائه وأحكامه وأوامره ومعانيه ونواهيه ووعده ووعيده ومواعظه وفي كل مرة تجد أسلوباً جديداً وروحاً جديداً وعرضاً جديداً بشكلٍ عجيب مدهش غير مستطاعٍ للبشر وهذا وحده مظهرٌ من مظاهر الإعجاز في هذا القرآن يدل على أنه من عند الله) مج 9 ص 4871

دعونا نستعرض أمثلةً من القرآن على التّكرار في المواعظ والقصص لنحكم بأنفسنا:

على سبيل المثال كرّر الله الوصاية باليتيم في القرآن في آيات كثيرة:
(ولا تَقرّبوا مالَ اليَتيمِ إلّا بالّتي هي أحسن حتّى يبلُغَ أشُدّهُ) 152 الأنعام
(ولا تَقرّبوا مالَ اليَتيمِ إلّا بالّتي هي أحسن حتّى يبلُغَ أشُدّهُ) 34 الإسراء
(إنّ الذين يأكلونَ أموالَ اليتامى ظُلماً إنّما يأكُلونَ في بُطونِهِمُ النّار) 10 النساء
(كلّا بل لا تُكرِمونَ اليَتيم) 17 الفجر
(فَأمّا اليَتيمَ فلا تَقهَر) 9 الضحى

تكرار الوصاية باليتيم تأكيد عليها ودعوة مكثّفةٌ إليها، ولو قرأ شخصٌ في ليلةٍ سورة الإسراء ولم يقرأ سورة الأنعام فقد أتى على التحذير من أكل مال اليتيم ولم يفته ذلك، ولو قرأ شخصٌ في يومٍ سورة الضحى ولم يقرأ سورة الفجر لم يفته التذكير بالإحسان إلى اليتيم وعدم ظلمه، كما أنّ الآيات تنوّعت في موضوع الوصاية باليتيم، فآياتٌ ذكرت إكرامه وآيات نهت عن قهره، وآياتٌ وبّخت من يَدُعُّ اليتيم وآياتٌ رغّبت بحفظ مال اليتيم وتنميته وآيات رهّبت من أكل ماله، فهل هذا أفضل أم دسّ حقوق اليتيم في آية واحدة من كل القرآن قد لا يمر عليها القارئ إلّا مرّةً في الشهر؟

مثالٌ آخر: (ولا تَقتُلوا أولادَكُم من إملاق نحنُ نرزُقُكُم وإيّاهُم) 151 الأنعام،
(ولا تَقتُلوا أولادَكُم خَشيَةَ إملاقٍ نحنُ نرزُقهُم وإيّاكُم)31 الإسراء

الساذج السطحي من الناس يقول هذا تكرار، أمّا الذي ينظر بشكل عميق ويفكر بشكل هادئ سيرى آيتين مختلفتين تماماً؛ ففي الآية الأولى الفقر موجود بالفعل فشُغل الإنسان يكون برزقه ونفسه قبل أن يُشغَل برزق ولده فلكي يُطمئنه الله على رزقه بدأ به ثمّ بولده، أما في الآية الثانية الفقر غير موجود لكنّ الأب خائف أن يأتي الفقر مع الأولاد، وهو هنا قلقٌ على رزقهم أكثر من رزقه، فالله يطمئنه بأنّه سيجلب رزق الأبناء معهم فبدأ بهم ثمّ به، فالنهي واحدٌ في الآيتين (عدم قتل الأولاد)، لكنّ الأسباب اختلفت.

ومثالٌ ثالث: في سورة سبأ في آية 36 (قل إنّ ربّي يبسُطُ الرّزقَ لِمَن يَشاءُ ويقدِر) وبعدها بثلاث آيات (قل إنّ ربّي يبسُطُ الرّزقَ لِمَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ ويَقدِرُ له) 39

قليل الفهم سيقول: " تكرار !!!! " لكنّ الذي منّ الله عليه بالعلم والفهم سيلاحظ أنّ الآية الأولى جاءت ردّاً على الكفّار الذين كانوا يتفاخرون بأنهم أكثرأموالاً من المؤمنين ويعتبرونه مقياساً للأفضلية، (انظر الآيات من 35 – 37) بينما الآية الثانية وردت لترغيب المؤمنين بالإنفاق (انظر بقية آية 39)، فالقصد مختلف في الآيتين، وهكذا ما يبدو في الظاهر تكراراً لا بدّ أن يُقرأ في سياقه لنستخرج منه درراً جديدة لا يراها إلّا المبصرون. هذا بالنسبة للمواعظ فماذا عن قصص القرآن؟

لنأخذ مثالاً قصّة نوح عليه السلام، هل هي مكرّرة أم أنّها في كل مرّة ذكرت فيها ذكرت من زاوية مختلفة وجاءت بخبر جديد ودرس جديد وكانت لها وظيفة مختلفة، وهل ذكرت بأساليب متشابهة أم مختلفة تماماً مما لا يستطيع الإتيان به إنسانٌ عادي مهما ارتقى في مستوى الأدب يا أدباء؟

وإذا جمعنا قصة نوح من كل القرآن في ورقةٍ واحدة هل سنحصل على نسخ مكرّرة أم صورة مكتملة لقصّةٍ واحدة؟!

لنأخذ نموذجاً مواعظ نوح عليه السلام لقومه، فقد مكث يدعوهم 950 سنة، ولا بد أنّه قابل أجيالاً عديدة فكرّر الوعظ والدعوة واستعمل أساليب متنوعة وجرت بينه وبينهم حواراتٌ عديدة، والقرآن ذكر صوراً من تلك الحوارات

افتح مصحفك وانظر الآيات (25-49) هود، وقارنها بنفسك مع سورةنوح.
وذكرت قصة صنع الفلك وركوبها بالتفصيل في سورةهود (37- 44)، وبالإيجاز في سورة القمر (10-15)
وفي سورة المؤمنون آيات بين التفصيل والإيجاز تأتي تتمة لمشهد نوح والمؤمنين معه في السفينة (27-30)، انظروا لاختلاف الأساليب في السور الثلاث.

كل االبشر يروُون قصة ليلى والذئب، فهل اختلفت أساليبهم الرتيبة في رواية تلك القصة؟!

في كل موضع وردت فيه قصة نوح هناك وظيفة خاصة جاءت تؤدّيها ومعنى مختلفاً جاءت تؤكّده:

ففي سورة الأنبياء (وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ 76 وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ 77) جاءت كمثال في جملة رسلٍ دعوا الله فاستجاب لهم، للحث على الدعاء والتأكيد أنّ الله يجيب الدعوات

وفي سورة العنكبوت التي ابتدأت (الم 1 أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ 2) جاءت الآية (ولقد أرسَلنا نوحاً إلى قومِهِ فَلَبِثَ فيهِم ألفَ سَنَةٍ إلّا خمسينَ عاماً) 14، كدرس في الصبر على المحن والثبات مهما طالت المدّة

وفي الصّافّات (وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ 75 وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ 76 وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ 77 وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ 78 سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ 79 إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ 80 إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ 81 ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ 82) جاءت تأكيداً على البشارة بالنصر لأنّه موضوع السورة كما بينته آياتها (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ 171 إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ 172 وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ173)

وسورة هود –التي ذكرت فيها أطول قصة لسيدنا نوح- نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في مكة في فترة اشتدّت فيها المحنة عليه وعلى المسلمين لتثبّتهم كما ثبت نوح عليه السلام

وفي سورة الشعراء تكرّرت آية (فاتقوا الله وأطيعون) 108،110 على لسان نوح عليه السّلام دلالة على تكرار وعظه لقومه وتأكيداً على أهمية ما دعاهم إليه

وتكررت نفس الجملة على ألسنة الأنبياء الآخرين دلالة على وحدة الرسالة بينهم جميعاً عليهم السلام، و نزلت (سورة نوح) -التي سمّيت باسمه- لهدفٍ جديد هو تعليم فنون الدعوة وصفات الداعية.

للتكرار إذاً فوائد عظيمة منها:
· تثبيت قلب النبي ص والمؤمنين معه (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا 32) الفرقان.

· دليل على إعجاز القرآن، يقول رحمة الله الهندي: (منها [أسباب التكرار] أن إعجاز القرآن لمّا كان باعتبار البلاغة أيضاً وكان التحدّي بهذا الاعتبار فكرّرت القصص بعبارات مختلفة إيجازاً وإطناباً مع حفظ الدرجة العليا للبلاغة في كل مرتبةٍ ليعلم أنّ القرآن ليس كلام البشر، لأن هذا الأمر عند البلغاء خارجٌ عن القدرة البشرية.

ومنها: أنه كان لهم أن يقولوا: إنّ الألفاظ الفصيحة التي كانت مناسبةً لهذه القصة استعملتها وما بقيت الألفاظ الأخرى مناسبةً لها، أو أن يقولوا إن طريق كل بليغ يخالف طريق الآخر فبعضهم يقدر على الطريق المطنب وبعضهم على الموجز فلا يلزم من عدم القدرة على نوع عدم القدرة مطلقاً أو أن يقولوا إنّ دائرة البلاغة ضيقة في بيان القصص وما صدر عنك بيانها مرة فمحمولٌ على البخت والاتّفاق فلمّا كُرّرت القصص إيجازاً وإطناباً لم يبق عذرٌ من هذه الأعذار الثلاثة) إظهار الحق ص 826-827

ويقول العلّامة القرطبي: (ذكر الله أقاصيص الأنبياء في القرآن وكرّرها بمعنى واحد في وجوه مختلفة وبألفاظ متباينة على درجات البلاغة والبيان وذكر قصة يوسف ولم يكررها فلم يقدر مخالف على معارضة المكرر ولا على معارضة غير المكرر والإعجاز واضح لمن تأمّل) صفوة التفاسير 2/ 40 سورة يوسف، المقدمة

· تأكيد معانٍ معيّنة و إيصال المعلومة للقلب وترسيخها فيه، تقول الدكتورة فوز نزّال -دكتورة في كلية الآداب في الجامعة الأردنية-: (وللتكرار اللفظي وظائف حرص البلاغيّون على رصدها، حيث إذا لم تكن له وظيفة فهو عندهم عيب أو الخذلان بعينه على حد تعبير ابن رشيق الذي رصد للتكرار اللفظي تسع وظائف هي: التوكيد، وزيادة التنبيه، والوعيد والتهديد، والتوجع، والهجاء، والتهكم، والتفخيم والتعظيم، والتشويق والتلذذ بذكر المكرر، والتوبيخ، ويجمع البلاغيون والأدباء والنقاد وعلماء التفسير وعلوم القرآن على أهمية الدور الوظيفي لأسلوب التكرار، وتنبّهَ إلى هذه الأهميّة علماء النفس فرأوا "أنه متى كثر تكرار أمرٍ تولّد تيارٌ فكري وعاطفي يتلوه ذلك المؤثر العظيم في الأفراد والجماعات هو العدوى، إذ لا يكفي لتحوّل الانفعال إلى عاطفة أن يحدث مرة واحدة، ولمن لا بدّ لحصول ذلك أن يتكرّر حدوثه ، فالتكرار هو السبيل الوحيد لربط الانفعال به ، وتركّزه حوله، إلى جانب ما يثيره من انفعالات أخرى تدخل في تركيب العاطفة". هذا يعني أنّ تكرار القول لا يقل تأثيراً في إثارة الانفعال وتكوين العواطف من تكرار الفعل، بل إنّ تكرار القول حافزٌ هام لحدوث الفعل). لغة الحوار في القرآن الكريم، د. فوز نزال (الجامعة الأردنية) الجوهرة للنشر والتوزيع ط1 2003 ص287

· لمخاطبة جميع الناس على اختلاف أفهامهم وثقافاتهم ونفوسهم، يقول الجاحظ: ( وجملة القول في الترداد أنه ليس فيه حدٌّ ينتهي إليه ولا يؤتى على وصفه وإنّما ذلك على قدر المستمعين ومن يحضره من العوام والخواص، وقد رأينا الله عزّ وجلّ ردّد ذكر قصة موسى وهود وهارون وشعيب وإبراهيم ولوط وعاد وثمود، وكذلك ذِكر الجنة والنار وأمورٍ كثيرة لأنه خاطب جميع الأمم من العرب وأصناف العجم، وأكثرهم غبي غافل، أو معاند مشغول الفكر ساهي القلب). البيان والتبيين، الجاحظ، دار الكتب العلمية بيروت لبنان ط1 1998 ج1 ص79

هذا هو ما يسمّى التكرار في القرآن أيّها الإخوة والأصدقاء، هل انتقص من بلاغة القرآن أم أضاف إعجازاً إلى الإعجاز؟!

أمّا التكرار السّمج الممل والثّقيل والسّرد والزوائد الشحمية واللحمية إن أردتم أن تتعرّفوا إليها فافتحوا الكتاب المقدّس!

نعم، وأنا سأضرب لكم الأمثلة لتحكموا بأنفسكم:

يذهب خادم إبراهيم عليه السّلام ليبحث عن عروس لإسحق فتحدث معه تفاصيل حتى يجد الفتاة المناسبة ويقابل أباها ، وهناك يكرُّ الخادم له كلّ التفاصيل التي حصلت معه حرفاً حرفاً، فتجد الآيات في سفر التكوين 24/ 3-27 تكرّر في : التكوين 24/ 37-49
وكان يكفي الكاتب أن يقول: " فقصّ عليه الخبر" بدل التكرار.

ومثالٌ آخر: يصف الرب لموسى بدقة كيف يصنع التابوت والمائدة والمنارة والمذبح ومذبح البخور وثياب الكهنة وصدرة القضاء والخيمة... سفر الخروج ف25- ف30

ثم يتحدث سفر الخروج ف37- ف38 كيف قام بصلئيل بصناعة التابوت والمائدة والمنارة والمذبح ومذبح البخور والمغسلة كما أمر الربّ بتكرار كل التفاصيل كلمةً كلمة.

ومثال آخر: حلم "الفرعون": التكوين 41/ 1-7 : "... رأى فرعون حلماً كأنه واقف على شاطئ النهر فطلعت من النهر سبع بقرات حسنة المنظر سمينة الأبدان..."، يعيد "الفرعون" قصّ حلمه على يوسف التكوين 41/ 17- 24: "فقال فرعون ليوسف رأيت في الحلم كأني واقف على شاطئ النهر فطلعت من النهر سبع بقرات سمينة الأبدان حسنة الهيئة...." وتمضي السطور والقارئ يتثائب –على الأقل أتحدث عن نفسي-

قارن هذا التكرار بالتكرار في سورة يوسف من القرآن (43- 46) واستشعر بنفسك الفرق بين تكرار الله وتكرار النّاس، وبين الإعجاز والسّرد:
" وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ 43 قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ 44 وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ 45 يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ 46"

وتتكرّر الوصايا العشر في سفر التثنية 5/ 7-21، وهذا تكرارٌ حسنٌ، وبالمناسبة اسم السفر "التثنية" يفيد التكرار من الفعل ثنّى أي جعله اثنين، وسمّي بذلك لأنّ فيه تكراراً لما ورد في الأسفار الأربعة الأولى.

وسفري (أخبار الأيام) يكرران سفري (الملوك) مع زيادة تفاصيل

هذا فيما يخص التكرار فماذا عن السرد وحشو السطور الذي تضيق به الصدور؟؟

مثال: ترميم أسوار القدس بعد خرابها: نحميا 3\ 1-32: يذكر السفر اسم كل شخص وماذا فعل ".... 6- والباب العتيق رممه يوياداع بن فاسيح ومشلام بن بسوديا فسقفاه وأقاما مصراعيه وأقفاله ومغاليقه 7- وبجانبهما رمم ملطيا الجبعوني ويادون الميرونوتي مع أهل جبعون والمصفاة القسم الممتد إلى مقر والي غربي الفرات...."
وهكذا يمضي السفر بأكمله

فماذا عليهم لو قالوا: " قام الكهنة والعمال بترميم الأسوار والأبواب وكرسوها للرب. انتهى"؟! وركّزوا على إنجازاتهم وهممهم بدل أسمائهم، فإنّ ذكر الإنجازات والإخلاص قد يحثّ الأجيال التالية أكثر من تعداد الكثير من الأسماء.


ومثال آخر: تعداد العائدين من السبي مع ذكر عدد جمالهم وحميرهم: نحميا 7\ 6-68
وتعداد لسكان أورشليم: نحميا 11
وتعداد أسماء الكهنة واللاويين: نحميا 12

هل هذا كتاب سماوي أم دائرة إحصاءات عامة؟