وسطية أهل السنة والجماعة في القدر

آخـــر الــمــواضــيــع

وسطية أهل السنة والجماعة في القدر

النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: وسطية أهل السنة والجماعة في القدر

  1. #1
    :: مشرف قسم بوابة الرد على الأباضية ::
    الحالة : سالم السهلي غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 11858
    تاريخ التسجيل : Sep 2014
    الجنـس : رجل
    المشاركات : 173
    المذهب : سني
    التقييم : 50

     

     

    1 58 وسطية أهل السنة والجماعة في القدر


    وسطية أهل السنة والجماعة في القدر

    في نشأة الكلام في القدر ونزاع الناس فيه :

    الحديث عن القدر والنزاع والمخاصمة فيه، والاحتجاج به، من الأمور التي صاحبت الإسلام منذ نشأته، بل إنا لا نعدو الحقيقة إذا قلنا : إن جذور الكلام والخوض فيه تمتد إلى ما قبل الإسلام.

    يؤكد ذلك نصوص من كتاب الله -عز وجل- ومن سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
    فقد جاء فيهما ما يدل على أن كفار قريش، خاصموا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في القدر ونازعوه فيه، واحتجوا به.يقول الصحابي الجليل أبو هريرة -رضي الله عنه- : "جاء مشركو قريش يخاصمون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في القدر فنزلت : {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}.

    قال الإمام ابن القيم في هذه الآية : "والمخاصمون في القدر نوعان :

    أحدهما : من يبطل أمر الله ونهيه بقضائه وقدره، كالذين قالوا : لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا.
    والثاني : من ينكر قضاءه وقدره السابق. والطائفتان خصماء الله".

    وأخبر -عز وجل- في آية أخرى أنّ المشركين كانوا يحتجون بالقدر ويتعللون بمشيئة الله وينسبون ما وقع منهم من كفر وشرك وعصيان إلى إرادة الله ذلك ومشيئته إياه، منكرين إرادتهم واختيارهم، وذلك تنصلًا من مسئولية ما اقترفوا من شرك وإثم. يقول -عز وجل- في ذلك : {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ}، ثم أخبر سبحانه عن تحقق وقوع ذلك منهم وقولهم له، فقال : {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ}. وقال أيضًا : {وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ}.

    ومضمون كلامهم أنه لو كان تعالى كارهًا لما فعلناه؛ لأنكره علينا بالعقوبة، ولما مكنا منه.ولو أراد لحال بيننا وبين عبادة الأصنام.. فإنه عالم بذلك وهو يقرُّنا عليه.وهل هذا القول منهم إلا احتجاج بالقدر، وقول بالجبر؟!وقوله -عز وجل- في آية "الأنعام" : {كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} يشير إلى أن جذور هذا القول ضاربة في أعماق الأمم المشركة، ويدل دلالة واضحة وصريحة على أن من شأن المشركين والكافرين من بني الإنسان، التعلل بالقدر والميل إلى الجبر لتبرير شركهم وكفرهم، أو على الأقل للتنصل من جريرة ذلك ومسئولية.وفي آية أخرى من كتاب الله -عز وجل- نجد أن المنافقين في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بدر منهم ما يدل على عدم يقينهم بأن كل شيء بقدر، يقول -جل وعلا- : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا}.ذكر الإمام ابن جرير أن الذين قالوا ذلك جماعة من المنافقين.خوض الصحابة في القدر :
    وفي عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم-، خاض بعض الصحابة الكرام في القدر فنهاهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فانتهوا ولم يعودوا لمثل ذلك أبدًا.عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال : ((خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أصحابه وهم يختصمون في القدر، فكأنما يفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب، فقال :بهذا أمرتم؟ أو لهذا خلقتم؟ تضربون القرآن بعضه ببعض، بهذا هلكت الأمم قبلكم))، ولم ينقل عن الصحابة -رضي الله عنهم- أنهم تكلموا في ذلك إلا عندما ظهرت بدعة القدرية فتكلم من عاصر ذلك منهم بالرد والإنكار عليهم -كما سيأتي ذلك.ظهور بدعتي نفي القدر والقول بالجبر :
    في أواخر عصر الصحابة رضوان الله عنهم، كانت البداية الحقيقية لنشأة الاختلاف والكلام في القدر.
    إذ نبغ في وقتهم معبد الجهني الذي قال بنفي القدر، كما روى الإمام مسلم عن يحيى بن يعمر قال : "كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني... ثم ذكر يحيى أنه لقي عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- فقال : يا أبا عبد الرحمن، إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرءون القرآن ويتقفرون العلم... وإنهم يزعمون أن لا قدر، وأن الأمر أنف، فقال ابن عمر منكرًا عليهم ذلك : فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم براء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأدهم مثل أحد ذهبًا فأنفقه، ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر".
    ومعبد إنما تلقى هذه المقالة عن رجل نصراني كان قد أسلم ثم تنصر مرة أخرى، فكان معبد أول من نشر ذلك ونادى به وأظهره؛ ولا سيما بالبصرة -كما تقدم.
    قال الإمام الأوزاعي -رحمه الله- :
    "أول من نطق في القدر رجل من أهل العراق يقال له:سوسن، وكان نصرانيًّا فأسلم، ثم تنصر، فأخذ عنه معبد الجهني، وأخذ غيلان عن معبد".
    وقال ابن عون :
    "أدركت الناس وما يتكلمون إلا في علي وعثمان، حتى نشأ ها هنا حقير، يقال له : سنسويه البقال : قال : فكان أول من تكلم في القدر".
    فهؤلاء هم أقطاب القدرية الأوائل، وكان مذهبهم في القدر يدور على أمرين :
    أحدهما : نفي علم الله سبحانه بالأشياء قبل وقوعها.
    والثاني : نفي خلقه لأفعال العباد، وأنها ليست واقعة بقدره.وهؤلاء هم غلاة القدرية الأوائل،
    وقد انقرض مذهبهم، والمتأخرون منهم يثبتون علم الله سبحانه بالأشياء قبل وقوعها وينفون خلقه لأفعال العباد.
    قال القرطبي "... 671هـ" وغيره :
    "قد انقرض هذا المذهب -أي : مذهب غلاة القدرية- ولا نعرف أحدًا ينسب إليه من المتأخرين...قال:والقدرية اليوم مطبقون على أن الله عالم بأفعال العباد قبل وقوعها،وإنما خالفوا السلف في زعمهم بأن أفعال العباد مقدورة لهم وواقعة منهم على جهة الاستقلال،وهو-مع كونه مذهبًا باطلًا-أخف من الأول".

    وهذا المذهب هو الذي تبنته المعتزلة وجعلته أصلًا من أصولها التي قام عليها كيان الاعتزال، وبسبب قولهم به عرفوا بالقدرية، لنفيهم القدر.
    وفي مقابل القول بنفي القدر، ظهر قول مضاد ومعاكس له، وهو القول بالجبر، ومضمونه : أن الإنسان مجبور على أفعاله وأنه لا يقدر منها على شيء؛ فهو كالريشة في مهب الريح،
    وأول من عرف عنه القول بذلك في الإسلام هو : الجهم بن صفوان الذي كان من مقالته : "أنه لا فعل لأحد في الحقيقة إلا لله وحده، وأنه هو الفاعل وأن الناس إنما تنسب إليهم أفعالهم على المجاز كما يقال : تحركت الشجرة ودار الفلك، وزالت الشمس، وإنما فعل ذلك بالشجرة والفلك والشمس لله سبحانه".
    ومن خلال مقالتي الطائفتين، يتبين لنا أن القدرية النفاة مفرطون في هذا الباب، مقصرون فيه بما سلبوا الله قدرته، وقولهم : إن العباد هم الخالقون لأفعالهم.

    كما يتضح لنا مدى غلو الجهمية الجبرية في إثبات القدر حتى سلبوا الإنسان مشيئته وإرادته وعدوه بمنزلة الجماد، وأنه لا فعل له في الحقيقة، وأنه مجبور على أفعاله غير مختار فيها، وكلا الفريقين من الإفراط والتفريط على شفا جرفٍ هارٍ، والطريق المستقيم القصد.

    فكل منهما قد أخطأ، وضل في هذا الباب، وإن كان هذا لا يمنع أن يكون مع كل منهما بعض الحق والصواب، لكن الحق المحض والصواب المحض ليس هو في قول واحد منهما، وإنما هو في قول خارج عن قولهما جمع ما عند كل من الفريقين من حق وصواب،

    وخلا مما وقع فيه الفريقان من خطأ وضلال.
    ذلك هو قول أهل السنة والجماعة في هذا الباب، الذي هو حق بين الباطلين، وهدى بين الضلالتين، به كانوا وسطًا بين إفراط وتفريط الفريقين في هذا الباب، وتوسط أهل السنة والجماعة فأثبتوا مسئولية العبد عن أفعاله فيثاب ويعاقب عليها، وله إرادة ترجح له الفعل أو الترك وإن كانوا يقولون : إن إرادته ليست مؤثرًا تامًّا يوجب وجود الفعل؛ فالله خالق أفعال العباد كما هو الخالق للفاعلين، وهو سبحانه لا يكون في ملكه إلا ما يريد كونًا وقدرًا، وقدرته هي المؤثر التام في الوجود والإعدام؛ لذا فإن فعل العبد له علاقة بقدرته من حيث هي مؤثر ناقص في الوجود، وله علاقة بقدرة الرب من حيث هي المؤثر التام للوجود، وهم بذلك يجمعون بين النصوص ويؤلفون بينها، فإنه نص على خلقه لأفعال عباده بقوله : {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُون}، ونص على أنه لا يكون في ملكه إلا ما يشاء فقال سبحانه : {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}،فأثبت للعبد مشيئة مؤثرة في فعله، وجعل وجود متعلقها خلقًا وإيجادًا تابعًا لمشيئته تعالى.هذا؛ والقدر كما صح ذلك عن علي -رضي الله عنه- وابن عباس رضي الله عنهما : سر الله، فيجب الوقوف مع النصوص حيث وقفت، والإمساك عما عدا ذلك، وقد أشار إلى هذا المعنى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث قال : ((اعملوا؛ فكل ميسر لما خلق له))؛ فالذي يهمنا من أمر القدر وكلفنا به هو العمل، وما عدا ذلك مما هو من أسرار القدر؛ فلم نكلف البحث عنه؛ لأن البحث عنه بغير دليل هادٍ يعرض العبد للضلال والقول على ربه ودينه بغير علم، وهو محرم شرعًا؛ كما قال سبحانه : {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}
    وقصارى القول في مذهب أهل الحق : أن الفعل فعلُ العبد، والخَلْق خلْق الرب، والرب خَلَق العبدَ وفِعْلَه؛ ففعل العبد من خلْق الله، وهو واقع بقدرة العبد وإرادته بشرط تعلق خلق الرب -عز وجل- وإرادته الكونية القدرية، وبدون ذلك كله لا يحصل.




    التعديل الأخير تم بواسطة سالم السهلي ; 02-24-2015 الساعة 08:59 PM

    «« توقيع سالم السهلي »»

  2. #2
    عضو
    الصورة الرمزية محمد السباعى
    الحالة : محمد السباعى غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 9108
    تاريخ التسجيل : Apr 2011
    الجنـس : رجل
    المشاركات : 7,862
    المذهب : سني
    التقييم : 120

     

     

    افتراضي


    جزاك الله خيرا





    «« توقيع محمد السباعى »»

وسطية أهل السنة والجماعة في القدر

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. وسطية أهل السنة في باب الأسماء والصفات
    بواسطة سالم السهلي في المنتدى بــوابــــة الرد على الأبــاضــية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 08-26-2017, 09:37 AM
  2. وسطية أهل السنة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
    بواسطة سالم السهلي في المنتدى بــوابــــة الرد على الأبــاضــية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 08-25-2017, 12:32 PM
  3. وسطية أهل السنة في باب الأسماء والأحكام
    بواسطة سالم السهلي في المنتدى بــوابــــة الرد على الأبــاضــية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 02-25-2015, 10:15 PM
  4. أهم خصائص وسمات منهج أهل السنة والجماعة
    بواسطة ابو غسان في المنتدى قسم لعقيدة أهل السنة والجماعة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 06-30-2012, 05:52 PM
  5. فضــل أهل البيت عند أهل السنة والجماعة
    بواسطة الاسيف في المنتدى قسم سير اهل البيت رضي الله عنهم
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 11-23-2011, 12:14 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

وسطية أهل السنة والجماعة في القدر

وسطية أهل السنة والجماعة في القدر