إمامة الشيعة وأثرها على القرآن الكريم إعتقاداً وقرءةً وتفسيراً

آخـــر الــمــواضــيــع

إمامة الشيعة وأثرها على القرآن الكريم إعتقاداً وقرءةً وتفسيراً

النتائج 1 إلى 10 من 10

الموضوع: إمامة الشيعة وأثرها على القرآن الكريم إعتقاداً وقرءةً وتفسيراً

  1. #1
    عضو
    الحالة : ابو غسان غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 5223
    تاريخ التسجيل : Nov 2009
    الجنـس : رجل
    المشاركات : 3,177
    المذهب : سني
    التقييم : 52

     

     

    افتراضي إمامة الشيعة وأثرها على القرآن الكريم إعتقاداً وقرءةً وتفسيراً


    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله ] الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [، والصلاة والسلام على رسوله الأمين على وحيه، المصدِّقُ لما قَبْله من الرسل والكتب السماوية، وعلى آله الأطهار وصحبه الأخيار، والتابعين لهم بإحسان.

    أما بعد:

    فإن لكل نبي منهج ومعجزة، معجزة تتحدى الإتيان بمثلها، وتثبت نبوته وتؤيد رسالته ليلزم الناس بها.

    لقد إشترك جميع الأنبياء في أصول دعوتهم واختلفت شرائعهم في الحلال والحرام. فالمحرمات في توراة موسى غيرها في الإنجيل وفي القرآن. وفي القرآن غيرها في الإنجيل والتوراة.

    إختلفت معجزات الأنبياء عن بعضها بإختلاف الزمان والبيئات والثقافات والعلوم والعادات للأمم السابقة. فمثلا كانت معجزة موسى العصا التي كانت تنقلب إلى حية تسعى، لأن السحر كان منتشرا في مجتمعهم. فكانت معجزته العصا واليد، ومنهجه التوراة. وكانت معجزة عيسى إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، لأن أهل ذلك الزمان كانوا بارعين في الطب. وكان منهجه الإنجيل.

    كانت معجزات الأنبياء قبل نبينا محمد معجزات آنية ووقتية تنتهي بوفاة النبي. فمن رأى المعجزة آمن، ومن لم يرها ربما لم يؤمن. وحتى إذا آمن تبعا للآباء والأجداد، ولكن بمرور الزمن ينتهي إيمان الناس بالمعجزة، لأنها بلغتهم عن طريق النقل دون المعاينة، فيهجروا المنهج، وينحرفوا عن التوحيد إلى الشرك، ومن الأخلاق الفاضلة إلى الرذيلة. عند ذاك يرسل الله تعالى لهم نبيا آخر إما بشريعة النبي الذي تقدََمه، أو بمنهج وشريعة جديدة، وبمعجزة تثبت نبوته.

    ولما أراد الله تعالى أن يختتم الرسالات والأنبياء بعد أن ـ بلغ المجتمع البشري في عصر البعثة المحمدية في التكامل الفكري والرشد العقلي حداً أصبح معه صالحاً لأن يحافظ على المواريث الأنبياء العلمية والدينية ويصونها من خطر الحوادث، وأن يكون نفسه مبلِّغاً لتلك القيم والمفاهيم المقدسة، فقد وصل في هذا المجال إلى درجة الاكتفاء الذاتي، ولهذا لم تبقَ حاجة بعد هذا إلى إرسال الرسل([1]) ـ جعل الله تعالى منهجه معجزة، ومعجزته منهجا، فكان هذا القرآن الكريم الذي إندمج فيه المنهج بالمعجزة، بحيث يبقى يتحدى الناس جيلا بعد جيل على أن يأتوا بمثله أو بعشر سور أو بسورة من مثله إلى قيام الساعة.

    ولما علم الله تعالى أن البشر غير قادرين على حفظ مناهج الأنبياء قبل نبينا محمد ، فتكفل الله تعالى بحفظ المنهج لئلا تطاله الأيدي بالعبث والتحريف، لأنه ليس بعد نبينا نبي يصحح ولا بعد منهجه منهج. فمنهجه وشريعته خاتمة الشرائع السماوية. فقال تعالى: ] إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [ [الحجر/9].

    ومن الطبيعي عندما يتولى الله تعالى حفظ كتابه، أن يهيأ لذلك أسبابا ومسببات، لأننا نعيش في عالم الأسباب، فكان صحابة نبيه هم تلك الأسباب الذين بهم حفظ كتابه، بعد أن تلقوها من نبيهم الأكرم حفظا في الصدور وكتابة فيما توفرت لهم من أدوات الكتابة، ثم تناقلت الأمة هذا القرآن المجموع بين الدفتين جيلا بعد جيل، إلى يومنا هذا، بحيث لا تستطيع البشرية الآن أن تغير حركة حرف واحد منه، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا. فهو القرآن نفسه الذي يتلوه أهل المشرق والمغرب، ليس فيه إختلاف لا في حرف، ولا في كلمة. وكلما تقدم الزمن، وتطور العلم فاستجدت وسائل جديدة لحفظ هذا القرآن تحقيقا للوعد الإلهي: ] إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [ [الحجر/9].
    أهمية القرآن في حياة المسلمين

    لقد كانت مناهج الأنبياء قبل منهج القرآن عبارة عن تعاليم عبادية وأخلاقية تنظم حياة الفرد وعلاقته بربه وخالقه، وتقيم سلوك الفرد في مجتمعه. أما القرآن فلم يكن كتاب مواعظ وتراتيل، كسابقيه من الكتب المنزلة وإنما جمعت فيه كل مقوّمات الإعجاز العلمي والحضاري، ليدفع جاحديه، ويؤيّد تابعيه. فقد جاء منهجا متكاملا يعالج جميع قضايا المجتمع البشري، إما إجمالا أو تفصيلا.

    فهو منهج ودستور ودولة، وسياسة وقانون، وشريعة وأخلاق، ونظام وسلوك، وإقتصاد وثقافة، وضعه خالق البشر لتسير عليه البشرية، إذا أرادوا أن تتكامل حياتهم في هذه الدنيا سعادة، وفي الآخرة نعيما سرمدا.

    هذا القرآن الذي وصفه الله تعالى بأنه هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، من إتبعه لا يضل ولا يشقى، ومن أعرض عنه فإن له معيشة ضنكا، وشفاء ورحمة للمؤمنين، ] يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [ [المائدة/16].

    هذا القرآن الذي قال عنه نبينا محمد :( حَبْلُ اللَّهِ مَنِ اتَّبَعَهُ كَانَ عَلَى الْهُدَى وَمَنْ تَرَكَهُ كَانَ عَلَى ضَلاَلَةٍ )([2]).

    ولقد وصف سيدنا علي t هذا القرآن أبلغ وصف، فقال: ( وَاعْلَمُوا أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هُوَ النَّاصِحُ الَّذِي لَا يَغُشُّ وَالْهَادِي الَّذِي لَا يُضِلُّ وَالْمُحَدِّثُ الَّذِي لَا يَكْذِبُ وَمَا جَالَسَ هَذَا الْقُرْآنَ أَحَدٌ إِلَّا قَامَ عَنْهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ زِيَادَةٍ فِي هُدًى أَوْ نُقْصَانٍ مِنْ عَمًى وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ الْقُرْآنِ مِنْ فَاقَةٍ وَلَا لِأَحَدٍ قَبْلَ الْقُرْآنِ مِنْ غِنًى فَاسْتَشْفُوهُ مِنْ أَدْوَائِكُمْ وَاسْتَعِينُوا بِهِ عَلَى لَأْوَائِكُمْ فَإِنَّ فِيهِ شِفَاءً مِنْ أَكْبَرِ الدَّاءِ وَهُوَ الْكُفْرُ وَالنِّفَاقُ وَالْغَيُّ وَالضَّلَالُ فَاسْأَلُوا اللَّهَ بِهِ وَتَوَجَّهُوا إِلَيْهِ بِحُبِّهِ وَلَا تَسْأَلُوا بِهِ خَلْقَهُ إِنَّهُ مَا تَوَجَّهَ الْعِبَادُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمِثْلِهِ وَاعْلَمُوا أَنَّهُ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ وَقَائِلٌ مُصَدَّقٌ وَأَنَّهُ مَنْ شَفَعَ لَهُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُفِّعَ فِيهِ وَمَنْ مَحَلَ بِهِ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صُدِّقَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُنَادِي مُنَادٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ كُلَّ حَارِثٍ مُبْتَلًى فِي حَرْثِهِ وَعَاقِبَةِ عَمَلِهِ غَيْرَ حَرَثَةِ الْقُرْآنِ فَكُونُوا مِنْ حَرَثَتِهِ وَأَتْبَاعِهِ وَاسْتَدِلُّوهُ عَلَى رَبِّكُمْ وَاسْتَنْصِحُوهُ عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَاتَّهِمُوا عَلَيْهِ آرَاءَكُمْ وَاسْتَغِشُّوا فِيهِ أَهْوَاءَكُمْ )([3]).

    إنه كتاب رب العالمين الذي قال عنه الجن : ] إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا [[الجن/1، 2]، يخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ليجعل من الإنسان الذي كرمه الله تعالى حرا كريما لا ذل ولا خضوع إلا لله تعالى.

    يهدي إلى الرشد في العقائد، ويدعو الإنسان إلى الإيمان بالله وحده والكفر بالطاغوت أياً كان شكله وإسمه. جاء ليقول للمنحرفين من البشرية الذين يقولون إن الله هو المسيح بن مريم، وإن الله ثالث ثلاثة، وإن عزيرا إبن الله، والذين يقولون نحن أبناء الله وأحباؤه. كفى دجلا إنما الله إله واحد فله أسلموا.

    جاء ليقول للناس إن الإنحراف في العقائد يستتبعه إنحراف في الحياة كلها: ( فالمسألة ليست مسألة انحراف عقيدي فحسب، إنما هي كذلك فساد الحياة كلها بناء على هذا الانحراف! واليهود والنصارى بادعائهم أنهم أبناء اللّه وأحباؤه، كانوا يقولون - تبعا لهذا - إن اللّه لن يعذبهم بذنوبهم! وإنهم لن يدخلوا النار - إذا دخلوا - إلا أياما معدودات. ومعنى هذا أن عدل اللّه لا يجري مجراه! وأنه سبحانه - يحابي فريقا من عباده، فيدعهم يفسدون في الأرض ثم لا يعذبهم عذاب المفسدين الآخرين! فأي فساد في الحياة يمكن أن ينشأ عن مثل هذا التصور؟ وأي اضطراب في الحياة يمكن أن ينشئه مثل هذا الانحراف؟

    وهنا يضرب الإسلام ضربته الحاسمة على هذا الفساد في التصور، وكل ما يمكن أن ينشئه من الفساد في الحياة، ويقرر عدل اللّه الذي لا يحابي، كما يقرر بطلان ذلك الادعاء: «قُلْ: فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ؟ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ، يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ» .. بذلك يقرر الحقيقة الحاسمة في عقيدة الإيمان. يقرر بطلان ادعاء البنوة فهم بشر ممن خلق. ويقرر عدل اللّه وقيام المغفرة والعذاب عنده على أصلها الواحد. على مشيئته التي تقرر الغفران بأسبابه وتقرر العذاب بأسبابه. لا بسبب بنوة أو صلة شخصية! ثم يكرر أن اللّه هو المالك لكل شيء، وأن مصير كل شيء إليه: «وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ» .. والمالك غير المملوك. تتفرد ذاته - سبحانه - وتتفرد مشيئته، ويصير إليه الجميع )([4]).

    ولك أن تتصور لولا وجود هذا القرآن بيننا اليوم لكان حالنا لا يختلف عن حال الأمم التي تعبد الأوثان، أو تعبد المال أو تعبد الحجر والشجر والبقر. فهم في حضيض من الأخلاق، ودرك من الشقاء، وضنك من الحياة، رغم ما تتوفر لهم من وسائل الترفيه، تشبه حياتهم حياة البهائم التي تأكل لتعيش، يسود فيهم قانون الغاب والبقاء للأقوى والأغنى.





    «« توقيع ابو غسان »»

  2. #2
    عضو
    الحالة : ابو غسان غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 5223
    تاريخ التسجيل : Nov 2009
    الجنـس : رجل
    المشاركات : 3,177
    المذهب : سني
    التقييم : 52

     

     

    افتراضي


    دلالة القرآن على نبوة سيدنا محمد

    لقد كان لرسول الله محمد كغيره من الأنبياء معجزات مادية ومعنوية كثيرة، منها على سبيل المثال:

    · الغيوب التي أخبر بها النبي وتحققتْ حال حياته أو بعد وفاته كما أخبر عنها، ومن هذا النوع أيضاً ما أخبر به عليه الصلاة والسلام من الإعجاز العلمي الذي شهد بصحته العلم التجريبي الحديث.

    · المعجزات الحسية التي وهبها الله النبي كتكثير الطعام وشفاءِ المرضى وانشقاقِ القمر.

    · الدلائل المعنوية، كاستجابة الله دعاءه، وعصمتِه له من القتل، وانتشارِ رسالته عليه الصلاة والسلام، فهذه الدلائل تثبت تأييد الله له ومعيِته لشخصه ثم لدعوته ودينه، ولا يؤيد الله دعياً يفتري عليه الكذب بمثل هذا([5]).
    القرآن وبين معجزات الأنبياء

    كانت معجزات الأنبياء الذين سبقوا نبينا محمد هي معجزات آنية ووقتية كلها زالت بزوال حياة الأنبياء ومناهجهم، ولم تترك آثارها بعدهم. فمن عاش حياته مع الأنبياء كان شاهدا على معجزاتهم. وبزوال أثر هذه المعجزات، تطرق التحريف شيئا فشيئا إلى مناهجهم، فحرفت كتبهم ومناهجهم، حتى إحتاجوا إلى نبي آخر يدعوهم من جديد إلى منهج الله تعالى القويم.

    وهكذا الحال مع معجزات نبينا محمد المادية والمعنوية، فإنها كانت معجزات آنية زالت وانمحت آثارها بعد نبينا محمد ، فكان لابد من معجزة خالدة تتحدى البشرية حتى قيام الساعة فكان هذا القرآن الذي تحدى أهل زمانه الذي نزل فيه، وهم كانوا أهل بلاغة وفصاحة وبيان، ولم يزل يتحدى، وسيبقى هذا التحدي قائما إلى قيام الساعة، ولن تستطيع البشرية أن تأتي بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.

    لقد اعترف أعداء القرآن بعظمة القرآن، وذلت رقابهم لما سمعوه من محكم آياته، فهاهو الوليد بن المغيرة سيد قريش، يسمع النبي وهو يقرأ قوله تعالى: ] إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [ [النحل/90].

    فيقول قولته المشهورة: "والله إنَّ لقولِه الذي يقولُ لحلاوة، وإنّ عليه لطلاوة، وإنه لمثمرٌ أعلاه، مغدِقٌ أسفلُه، وإنه ليعلو وما يُعلا، وإنه ليَحطِم ما تحته".([6])

    ولما جاء عتبة بن ربيعة إلى النبي r قرأ عليه النبي r أوائل سورة فصلت، فرجع إلى قريش قائلاً: إني واللهِ قد سمعت قولاً ما سمعتُ بمثلِه قط، والله ما هو بالشعر ولا السحر ولا الكهانة، يا معشر قريش: أطيعوني واجعلوها بي، خلّوا بين هذا الرجل وبينَ ما هو فيه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعتُ نبأ".([7])

    وفي العصر الحديث أيضاً شهد المنصفون من المستشرقين بعظمة القرآن، وسجلت كلماتُهم بحقه المزيدَ من الإعجاب والدَهش.

    ومنه قول المستشرق فون هامر في مقدمة ترجمته للقرآن، فقد قال: "القرآن ليس دستورَ الإسلام فحسب، وإنما هو ذِروة البيانِ العربي، وأسلوبُ القرآن المدهش يشهد على أن القرآنَ هو وحيٌ من الله، وأن محمداً قد نشر سلطانَه بإعجاز الخطاب، فالكلمةُ [أي القرآنُ] لم يكن من الممكن أن تكونَ ثمرةَ قريحةٍ بشرية".([8])

    ويقول فيليب حتي في كتابه "الإسلام منهج حياة": "إن الأسلوب القرآني مختلف عن غيره، إنه لا يقبل المقارنة بأسلوب آخر، ولا يمكن أن يقلد، وهذا في أساسه هو إعجاز القرآن .. فمن جميع المعجزات كان القرآن المعجزة الكبرى".

    وأما جورج حنا فيقول في كتابه "قصة الإنسان": "إذا كان المسلمون يعتبرون أن صوابية القرآن هي نتيجة محتومة لكون القرآن منزلاً ولا يحتمل التخطئة، فالمسيحيون يعترفون أيضاً بهذه الصوابية، بقطع النظر عن كونه منزلاً أو موضوعاً، ويرجعون إليه للاستشهاد بلغته الصحيحة كلما استعصى عليهم أمر من أمور اللغة".

    ويقول الفيلسوف الفرنسي هنري سيرويا في كتابه "فلسفة الفكر الإسلامي": "القرآن من الله بأسلوب سام ورفيع لا يدانيه أسلوب البشر".

    وأما المستشرق بلاشير فلم يألُ جهداً في الطعن في القرآن ومعاداته في كتابه "القرآن الكريم"، لكن الحقيقة غلبته، فقال: "إن القرآن ليس معجزة بمحتواه وتعليمه فقط، إنه أيضاً يمكنه أن يكون قبل أي شيء آخر تحفة أدبية رائعة؛ تسمو على جميع ما أقرته الإنسانية وبجلته من التحف".

    وصدق الله وهو يقول: ] وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [[سبأ/6]([9]).

    إذن فإستمرار معجزة القرآن وإستمرار التحدي القائم به من أولى وأهم الدلائل على نبوة نبينا محمد . ولهذا فهو محفوظ من كل نقص أو زيادة أو تغيير أو تحريف، ولو تطرق الشك ـ لا سمح الله ـ إلى حرف منه لم يبق لنا إعتماد على شيء في القرآن حجة أصلا فتنتفي فائدته وفائدة الأمر بإتباعه والوصية بالتمسك به إلى غير ذلك.

    وإذا تطرق الشك إليه فإنه الشاهد الوحيد المتبقي الدال على نبوة محمد ، فتجريح الشاهد يسقط نبوته، ويسقط رسالته، وبالتالي يسقط الإسلام برمته. وهذا هو الهدف الأول والأخير من القول بدخول التحريف على قرآن المسلمين.
    الدليل العقلي

    إثبات صحة القرآن عقلا: ( الدليل العقلي):

    إذا سلمنا بأن نبينا محمد هو خاتم الأنبياء والمرسلين، وأن منهجه ومعجزته هو هذا القرآن الذي بين أيدينا، ونزل لهداية الناس، وأنه لا كتاب سماوي بعده، ولا يبعث الله نبيا بعده يبين نوع التحريف فيه ـ لو فرضناه جدلا ـ فالعقل الصحيح إما أن ينفي أن يكون هذا النبي خاتم النبيين، لعدم وجود من يصحح ويبين التحريف فيه، أو أن يعتقد أن الله تعالى لابد وأن يحفظه من النقص والتحريف، لئلا يؤدي إلى نقض الغرض الذي من أجله بعث الله الأنبياء والرسل، وهو هداية البشرية، وبيان طريق الخير من الشر، وليقيم الحجة على خلقه لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.

    فإذا إتفق المسلمون جميعهم على أن نبيهم محمد هو خاتم النبيين، وأنه لا نبي بعده، فيجب أن يتْبع هذا الإتفاق إتفاقهم على عدم طروء النقص والتحريف على منهجه، وإلا تناقضوا، فعلم إذن أن القول بتحريف القرآن مخالف لأصل ختم النبوة.
    خطورة القول بتحريف القرآن

    لما كان إثبات نبوة نبينا محمد وإثبات رسالة الإسلام متوقفا على القول بصحة هذا القرآن الذي بين أيدينا علمنا أن الذين طعنوا في هذا القرآن ليس غرضهم مجرد القول بإمكان وقوع التحريف في كلمة أو آية من القرآن الكريم؛ وإنما الغرض الأساسي هو الطعن بالدين الإسلامي، وإسقاطه من أن يكون هو الدين الذي إرتضاه الله تبارك وتعالى للعالمين، وأن يكون منهجه ناسخا ومهيمنا على جميع الكتب السماوية، بما بينه من تحريف اليهود لتوراتهم، والنصارى لإنجيلهم، ومصححا لهم ومبينا لما اختلفوا فيه من قبل.

    فمن علم هذا عرف لماذا لم يتردد أعداء الإسلام من اليهود والمستشرقين والمنافقين الذين تستروا بالإسلام من تشكيكهم المتواصل لقرآن المسلمين ليشككوا المسلمين في دينهم ونبيهم فيتساوى المسلمين مع غيرهم من الذين حرفوا كتب أنبيائهم. وبذلك لا تكون لهذه الأمة العظيمة التي مدحها الله عز وجل بقوله: ] كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [[آل عمران/110] من فضل أو مزية على غيرها من الأمم.

    إن الذي يحزن القلب ويبعث فيه الأسى ليس أولئك المستشرقين الذين لم يعترفوا بهذا القرآن العظيم أنه كتاب منزل من عند الله، فهؤلاء هم أعداء الإسلام والمسلمين، وأن يتوقع المسلم من عدوه كل أنواع الشر والمكر أمر طبيعي؛ إلا أنه ليس بطبيعي أبدا أن يأتي هذا الطعن والتشكيك ممن يحسب نفسه على الإسلام، ويدّعي أنه من أتباع هذا النبي وأهل بيته الكرام، فهاهنا الطامة الكبرى، والبلية العظمى.

    ثم إن هؤلاء لم يكتفوا بنقل الروايات الضعيفة فقط ـ كما يقولون ـ بل فيهم من دافع عن وقوع التحريف بكل ما أوتي من قوة، فجمع بين العار والنار.

    ثم جاء الآخرون من بني جلدته، فبدلا من أن يقولوا بكفر، أو جنون القائل بالتحريف، دافعوا عنه بطرق خفية، لأن القائلين بالتحريف من بني جلدته لا يحصيهم إلا الله تعالى. ثم ما لبثوا يدخرون وسعهم برمي غيرهم من المسلمين بالإشتراك معهم في القول بتحريف القرآن، بحجة أو بأخرى ليتساوى طرفا المعادلة، ولا يكونوا هم في مرمى الهدف لوحدهم، وإن أدى هذا إلى إثبات التحريف.

    ليس هدفهم الدفاع عن صحة هذا القرآن بقدر ما يهمهم الدفاع عن علمائهم القائلين بالتحريف، والمنسبين لهذا القول إلى أئمة أهل بيت نبينا الأطهار، وهم منه برآء كبراءة نبي الله إبراهيم من عبادة الأصنام.





    «« توقيع ابو غسان »»

  3. #3
    عضو
    الحالة : ابو غسان غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 5223
    تاريخ التسجيل : Nov 2009
    الجنـس : رجل
    المشاركات : 3,177
    المذهب : سني
    التقييم : 52

     

     

    افتراضي


    التحريف بين القرآن والسنة

    مما لا ريب فيه أنه وبعد أن تفرقت الأمة الإسلامية فرقا وشيعا وأحزابا كل حزب بما لديهم فرحون، لم يبق بينهم جامع في المنهج سوى كتاب الله تعالى.

    وإذا شاء الله تعالى أن لا يبقي من الفرق الإسلامية غير أهل السنة والجماعة ـ وهم أكثرية المسلمين اليوم ـ والشيعة الإمامية الإثنا عشرية، إلا أن الخلافات الكثيرة بينهم جعلت منهما دينان مغايران، لاسيما بعد أن إختلفوا في أصول دينهم وسنة نبيهم .

    فليس بين السنة والشيعة من مشترك واحد في تلقيهم لسنة نبيهم محمد .

    فأهل السنة يعتمدون بعد كتاب الله تعالى على سنة نبيهم محمد المنقولة إليهم عن طريق أصحابه وأهل بيته وأزواجه الذين عاشوا معه في حله وترحاله. فهم جميعا عاشوا نزول القرآن على نبيهم وسمعوا منه مباشرة، وشاهدوا أفعاله، وأتبعوه في كل ما كان يقول ويفعل. وربما جهلوا مسألة ما فسألوه مشافهة وسمعوا جوابه وجها لوجه.

    وكان من الطبيعي أن يعيش أبناء الصحابة على هدي آبائهم وما نقلوه إليهم من القرآن والسنة، فلم يكونوا بحاجة إلى أحد وفيهم من رأى رسول الله وسمع منه ونقله إليهم.

    والإختلاف الرئيسي بين القرآن والسنة كان في التدوين.

    فالقرآن الكريم حينما كان ينزل نجوما على سيدنا محمد كان يأمر كتاب الوحي، بكتابته على ما يتيسر لديهم من وسائل الكتابة. ثم أنه حفاظا على القرآن الكريم وعدم إختلاطه أمر في بداية الأمر بعدم كتابة أقواله من غير القرآن لئلا يختلط الحديث بآيات القرآن. ولما زال هذا المانع إرتفع النهي وصار المسلمون يكتبون أحاديثه .

    وقد اجتهد العلماء في الجمع بين أحاديث الإذن وأحاديث المنع، فنتج عن ذلك آراء أهمها:

    - "أن ذلك من منسوخ السُنَّة بالسُنَّة، أي أن المنع جاء أولًا، ثم نسخ بالإذن في الكتابة بعد ذلك، وقد قالوا إن النهي جاء أولًا خشية التباس القرآن بالسُنَّة، فلما أمن الالتباس جاء الإذن.

    - أن الإذن جاء لبعض الصحابة الذين كانوا يكتبون لأنفسهم، ويؤمن عليهم الخلط بين القرآن والسُنَّة".

    ( فإن قيل: إن إعجازه كاف في تمييزه عنها فلا حاجة إلى التمييز بخصوص الكتابة.

    قلت: إعجازه إنما يدركه أساطين البلغاء من العرب أيام أن كانت بلاغة العرب في أوجها. وذلك في عصره r والأعصر القريبة منه.

    فأما غير البلغاء منهم في هذه الأعصر - وهم الأكثرون - وجميع العرب فيما وبعد ذلك، وجميع الأعاجم والمستعربين في جميع العصور فلا يمكنهم تغييره عن السُنَّةِ، خُصُوصًا إذا لاحظنا: أن السنة القولية كلام أفصح العرب وأبلغهم، وأنها تكاد تقرب من درجة القرآن في البلاغة. ولا يستطيع أن يقف موقف المميز بينهما إلا من كان من فرسان البلاغة والبيان، وممن يشار إليهم بالبنان)([10]).

    - أن النهي لم يكن مطلقًا، بل كان عن كتابة الحديث والقرآن في صحيفة واحدة، أما في صحيفتين فمأذون به.

    وهناك آراء غير ذلك، لكن الذي يتضح من روايات المنع وروايات الإذن أن الإذن جاء آخرًا، فإن كان نسخٌ فهو الناسخ للمنع، وهذا الذي رواه الجمهور.

    والصحيح في النهى ينحصر في حديث واحد رواه الإمام مسلم في كتاب الزهد من صحيحه، تحت باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم، ورواه بسنده، عن أبى سعيد الخدري، أن رسول الله قال : " لا تكتبوا عنى، ومن كتب عنى غير القرآن فليمحه ) وهذا الحديث معلول أعله أمير المؤمنين في الحديث أبو عبد الله البخاري وغيره بالوقف على أبي سعيد.

    ثم أجمع المسلمون على جوازها، وزال ذلك الخلاف. واختلفوا في المراد بهذا الحديث الوارد في النهى، فقيل هو في حق من يوثق بحفظه ويخاف اتكاله على الكتابة إذا كتب، ويحمل الأحاديث الواردة بالإباحة على من لا يوثق بحفظه، كحديث " اكتبوا لأبى شاه " ، وحديث صحيفة على t، وحديث كتاب عمرو بن حزم الذي فيه الفرائض والسنن والديات، وحديث كتاب الصدقة، ونصب الزكاة الذي بعث به أبو بكر t أنسا t حين وجهه إلى البحرين، وحديث أبو هريرة أن ابن عمرو بن العاص كان يكتب ولا أكتب، وغير ذلك من الأحاديث، وقيل: إن حديث النهى منسوخ بهذه الأحاديث، وكان النهى حين خيف اختلاطه بالقرآن، فلما أمن ذلك أذن في الكتابة. وقيل: إنما نهى عن كتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة لئلا يختلط فيشتبه على القارئ في صحيفة واحدة والله أعلم " ([11]).

    وبهذا تعلم أن طعن الشيعة في أحاديث أهل السنة بسبب النهي الوارد عن كتابة حديث النبي هو طعن باطل ذلك لأن التعارض الواقع بين الأحاديث، هو حديث واحد معلول في النهي مقابل عدة أحاديث صحيحة بالأمر أو الجواز، يقتضي أن يكون الأمر أو الجواز المتأخر إما ناسخا للنهي، أو أن يكون الترجيح للحديث الصحيح مقابل الحديث المعلول.

    وقد ورد في نهج البلاغة عن علي وقد سأله سائل عن أحاديث البدع وعما في أيدي الناس من اختلاف الخبر فقال : ( إِنَّ فِي أَيْدِي النَّاسِ حَقّاً وَبَاطِلًا وَصِدْقاً وَكَذِباً وَنَاسِخاً وَمَنْسُوخاً وَعَامّاً وَخَاصّاً وَمُحْكَماً وَمُتَشَابِهاً وَحِفْظاً وَوَهْماً وَلَقَدْ كُذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ عَلَى عَهْدِهِ حَتَّى قَامَ خَطِيباً فَقَالَ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ وَإِنَّمَا أَتَاكَ بِالْحَدِيثِ أَرْبَعَةُ رِجَالٍ لَيْسَ لَهُمْ خَامِسٌ … إلى أن قال: وَرَجُلٌ ثَالِثٌ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ شَيْئاً يَأْمُرُ بِهِ ثُمَّ إِنَّهُ نَهَى عَنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَوْ سَمِعَهُ يَنْهَى عَنْ شَيْءٍ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَحَفِظَ الْمَنْسُوخَ وَلَمْ يَحْفَظِ النَّاسِخَ فَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لَرَفَضَهُ وَلَوْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ إِذْ سَمِعُوهُ مِنْهُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لَرَفَضُوهُ … )([12]).

    وفي الكافي عن منصور بن حازم قَالَ: قُلْتُ ـ لأبي عبدالله ـ َأَخْبِرْنِي عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَدَقُوا عَلَى مُحَمَّدٍ أَمْ كَذَبُوا؟ قَالَ: بَلْ صَدَقُوا. قَالَ: قُلْتُ: فَمَا بَالُهُمُ اخْتَلَفُوا؟ فَقَالَ: أَمَا تَعْلَمُ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ فَيَسْأَلُهُ عَنِ الْمَسْأَلَةِ فَيُجِيبُهُ فِيهَا بِالْجَوَابِ ثُمَّ يُجِيبُهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا يَنْسَخُ ذَلِكَ الْجَوَابَ فَنَسَخَتِ الْأَحَادِيثُ بَعْضُهَا بَعْضاً.

    فهذا إقرار من أئمة أهل بيت النبي أن في الحديث ناسخا ومنسوخا، وأن الصحابة صادقون في نقل الحديث عن الرسول .

    أما الطعن في أحاديث أهل السنة بسبب التعارض الواقع في أحاديثهم عن رسول الله فغيض من فيض بالنسبة للشيعة، ويكفي أن ننقل ما قاله شيخ الطائفة الطوسي في تهذيب الأحكام – (ج/1ص2) قال: ( ذاكرني بعض الأصدقاء أيده الله ممن أوجب حقه علينا بأحاديث أصحابنا أيدهم الله ورحم السلف منهم، وما وقع فيها من الاختلاف والتباين والمنافاة والتضاد، حتى لا يكاد يتفق خبر إلا وبإزائه ما يضاده ولا يسلم حديث إلا وفي مقابلته ما ينافيه، حتى جعل مخالفونا ذلك من أعظم الطعون على مذهبنا، وتطرقوا بذلك إلى إبطال معتقدنا… ).

    ثم أنه من المتفق بين الشيعة وأهل السنة والجماعة أن السنة النبوية الشريفة المصدر الثاني من مصادر التشريع بعد القرآن الكريم، والدليل الذي يدل على حفظ القرآن هو نفسه دال على حفظ السنة النبوية الشريفة مع فارق واحد أن السنة النبوية الشريفة من الممكن نقلها بالمعنى. أما القرآن فلا يجوز إلا بنقله وضبطه بحروفه المنزل من الله تعالى. فقوله تعالى: ] فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [[النساء/59]. إما أن يكون خاصا بزمن النبي وحياته فقط، أو يكون عاما في حياته وبعد مماته. والثاني هو الصحيح لأدلة كثيرة نذكر منها قول الله تعالى:] فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [[النور/63] فالنبي يجب أن يطاع حيا وميتا، وكيف يطاع إن لم تُعرف أوامره ونواهيه محفوظا بعد وفاته .

    ومنها قول سيدنا علي t في نهج البلاغة للأشتر النخعي حين ولاه مصرا: ( وَارْدُدْ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ مَا يُضْلِعُكَ مِنَ الْخُطُوبِ وَيَشْتَبِهُ عَلَيْكَ مِنَ الْأُمُورِ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِقَوْمٍ أَحَبَّ إِرْشَادَهُمْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ فَالرَّدُّ إِلَى اللَّهِ الْأَخْذُ بِمُحْكَمِ كِتَابِهِ وَالرَّدُّ إِلَى الرَّسُولِ الْأَخْذُ بِسُنَّتِهِ الْجَامِعَةِ غَيْرِ الْمُفَرِّقَةِ ). فلولا أن سنة النبي كانت محفوظة ومعلومة لما كان لقوله t من معنى. وهكذا الحال في إحتجاجه بالسنة مع الخوارج ومع معاوية.

    ثم هل يستطيع مسلم أن يستغني عن سنة النبي ويكتفي في دينه على ما جاء في القرآن فقط؟

    ربما يقال هنا أن أصول الدين يحويها القرآن ولا حاجة فيها إلى السنة. فإذا صح هذا الكلام في الأصول، فلا يمكن أن يصح في الفروع أو في العبادات. فأعداد الصلوات الخمسة وفروض الزكاة وغيرها من العبادات أخذها المسلمون من السنة القولية والفعلية للنبي .

    وأما قول الشيعة بأن الخليفة عمر بن الخطاب منع من كتابة أحاديث النبي r فكان هذا سببا في ضياع كثير من سنة النبي القولية، فهذا أيضا من بهتهم، ذلك لأن الصحابة والتابعين كانوا يعتمدون على الحفظ والضبط في القلوب والخواطر، وذلك لسرعة حفظهم وسيلان أذهانهم.

    ومع هذا فقد كان قسم من الصحابة يكتب الحديث لنفسه، ولا أدل على ذلك من قول أبي هريرة في صحيح البخاري: ( لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ r أَكْثَرُ مِنِّي حَدِيثًا إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ العَاصِ، فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ، وَلاَ أَكْتُبُ).

    فلما انتشر الإسلام واتسعت الأمصار وتفرّقت الصحابة في الأقطار، وكثرت الفتوحات ومات معظم الصحابة وتفرّق أصحابهم وأتباعهم، وقلّ الضبط احتاج العلماء إلى تدوين الحديث وتقييده بالكتابة.

    فقد روى ابن عبد البر في ( جامع بيان العلم وفضله ) عن الأوزاعي: ( كَانَ هَذَا الْعِلْمُ شَيْئًا شَرِيفًا إِذْ كَانَ مِنْ أَفْوَاهِ الرِّجَالِ يَتَنَاقَلُونَهُ وَيَتَذَاكَرُونَهُ، فَلَمَّا صَارَ فِي الْكُتُبِ ذَهَبَ نُورُهُ وَصَارَ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ ).

    يقول الحافظ إبن حجر في مقدمة الفتح في بيان السبب الباعث لأبي عبد الله البخاري على تصنيف جامعه الصحيح وبيان حسن نيته في ذلك: ( إعلم علمني الله وإياك أن آثار النبي r لم تكن في عصر أصحابه وكبار تبعهم مدونة في الجوامع ولا مرتبة لأمرين أحدهما إنهم كانوا في ابتداء الحال قد نهوا عن ذلك كما ثبت في صحيح مسلم خشية أن يختلط بعض ذلك بالقرآن العظيم وثانيهما لسعة حفظهم وسيلان أذهانهم ولأن أكثرهم كانوا لا يعرفون الكتابة ثم حدث في أواخر عصر التابعين تدوين الآثار وتبويب الأخبار لما انتشر العلماء في الأمصار وكثر الابتداع من الخوارج والروافض ومنكري الأقدار، فأول من جمع ذلك الربيع بن صبيح وسعيد بن أبي عروبة وغيرهما وكانوا يصنفون كل باب على حدة، إلى أن قام كبار أهل الطبقة الثالثة فدونوا الأحكام، فصنف الإمام مالك الموطأ وتوخى فيه القوي من حديث أهل الحجاز ومزجه بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين ومن بعدهم، وصنف أبو محمد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج بمكة، وأبو عمر وعبد الرحمن بن عمر والأوزاعي بالشام، وأبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري بالكوفة وأبو سلمة حماد بن سلمة بن دينار بالبصرة، ثم تلاهم كثير من أهل عصرهم في النسج على منوالهم إلى أن رأى بعض الأئمة منهم أن يفرد حديث النبي r خاصة وذلك على رأس المائتين، فصنف عبيد الله بن موسى العبسي الكوفي مسندا، وصنف مسدد بن مسرهد البصري مسندا، وصنف أسد بن موسى الأموي مسندا، وصنف نعيم بن حماد الخزاعي نزيل مصر مسندا، ثم اقتفى الأئمة بعد ذلك أثرهم فقل إمام من الحفاظ إلا وصنف حديثه على المسانيد كالإمام أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وعثمان بن أبي شيبة وغيرهم من النبلاء ومنهم من صنف على الأبواب وعلى المسانيد معا كأبي بكر بن أبي شيبة فلما رأي البخاري t هذه التصانيف ورواها وانتشق رياها واستجلى محياها وجدها بحسب الوضع جامعة بين ما يدخل تحت التصحيح والتحسين والكثير منها يشمله التضعيف فلا يقال لغثه سمين فحرك همته لجمع الحديث الصحيح الذي لا يرتاب فيه أمين وقوى عزمه على ذلك ما سمعه من أستاذه أمير المؤمنين في الحديث والفقه إسحاق بن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهويه وذلك فيما أخبرنا أبو العباس أحمد بن عمر اللؤلؤي عن الحافظ أبي الحجاج المزي يوسف بن يعقوب أخبرنا أبو اليمن الكندي أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا الحافظ أبو بكر الخطيب أخبرني محمد بن أحمد بن يعقوب أخبرنا محمد بن نعيم سمعت خلف بن محمد البخاري بها يقول سمعت إبراهيم بن معقل النسفي يقول قال أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري كنا عند إسحاق بن راهويه فقال لو جمعتم كتابا مختصرا لصحيح سنة رسول الله r قال فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع الجامع الصحيح).

    ( وتكاد تجمع الروايات أن أول من فكر بالجمع والتدوين من التَّابِعِينَ عمر بن عبد العزيز، إذ أرسل إلى أبي بكر بن حزم عامله وقاضيه على المدينة «انْظُرْ مَا كَانَ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ r فَاكْتُبْهُ، فَإِنِّي خِفْتُ دُرُوسَ العِلْمِ، وَذَهَابَ العُلَمَاءِ» وطلب منه أن يكتب له ما عند عَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَحْمَنِ الأَنْصَارِيَّةَ (98 هـ) والقاسم بن محمد بن أبي بكر (106 هـ) والذي يظهر أنه لم يخص ابن حزم بهذا العمل الجليل، بل أرسل إلى ولاة الأمصار كلها وكبار علمائها يطلب منهم مثل هذا، فقد أخرج أبو نعيم في " تاريخ أصبهان " أَنَّ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ كَتَبَ إِلَى أَهْلِ الآفَاقِ: «انْظُرُوا إِلَى حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ فَاجْمَعُوهُ»([13]).

    ومهما قيل أو يقال فإن أهل السنة قد سبقوا الشيعة في تدوين السنة النبوية الشريفة بزمن كثير. ولا يقال أن الشيعة لم يحتاجوا إلى تدوين السنة لوجود الإمام المعصوم بينهم، فإن هذا ينتقض بتقية الإمام في كل شيء، وعدم إستطاعته إظهار إمامته وعصمته للآخرين، فكيف يعرف طلاب العلم من هذا حاله ليقصدوه في طلب العلم الصحيح منه؟

    وثمة ملاحظة أخيرة في هذا الموضوع: وهي: ( إِنَّمَا تَحْصُلُ صِيَانَةُ الحُجَّةِ بِعَدَالَةِ حَامِلِهَا:

    المعول عليه في المحافظة على ما هو حجة وصيانته من التبديل والخطأ هو أن يحمله الثقة العدل حتى يوصله لمن هو مثله في هذه الصفة. وهكذا. سواء أكان الحمل له على سبيل الحفظ للفظه أو الكتابة له أو الفهم لمعناه فهما دقيقا مع التعبير عن ذلك المعنى بلفظ واضح الدلالة عليه بدون لبس ولا إبهام. فأي نوع من هذه الأنواع الثلاثة يكفي في الصيانة ما دامت صفة العدالة متحققة. فإذا اجتمعت هذه الثلاثة مع العدالة كان ذلك الغاية والنهاية في المحافظة. وإذا اجتمعت وانتفت العدالة لم يجد اجتماعها نفعا ولم يغن فتيلا. ولم نأمن حينئذ من التبديل والعبث بالحجة.

    ومن باب أولى ما إذا انفردت الكتابة عن الحفظ والفهم وعدالة الكاتب أو الحامل للمكتوب. فإنا لا نثق حينئذ بشيء من المكتوب. ألا ترى أن اليهود والنصارى كانوا يكتبون التوراة والإنجيل ومع ذلك وقع التبديل والتغيير فيهما لما تجردوا من صفة العدالة حتى لا يمكننا أن نجزم ولا أن نظن بصحة شيء منهما. بل قد نجزم بمخالفة لأصلهما. قال الله تعالى:] فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ [[البقرة : 79]([14]).

    إذن لا بد لصاحب الشبهة - إن كان مسلمًا - أن يعترف أن الكتابة ليست شرطًا في الحُجِّيَةِ، وإلاّ لأنزل الله تعالى القرآن مكتوبا. ولو كانت الحفظة ليسوا ثقاة عادلين فإن إنزال القرآن كتابة أيضا لا ينفع في الحفظ والصيانة كما لم ينفع مع التوراة، إذ المعلوم أنها نزلت مكتوبة في الألواح، ولكن بني إسرائيل لم يصونوها.





    «« توقيع ابو غسان »»

  4. #4
    عضو
    الحالة : ابو غسان غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 5223
    تاريخ التسجيل : Nov 2009
    الجنـس : رجل
    المشاركات : 3,177
    المذهب : سني
    التقييم : 52

     

     

    افتراضي


    المسلمون بين سنة النبي وعترته

    إن إتفاق السنة مع الشيعة في كون السنة النبوية الشريفة مصدرا ثانيا للتشريع بعد القرآن الكريم لم يحل الإشكال الوارد بينهما في تحديد المراد من السنة النبوية الشريفة.

    فالسنة النبوية عند أهل السنة ينحصر في أقوال وأفعال وتقريرات النبي المنقولة إليهم عن طريق الصحابة والتابعين وتابعيهم، ومصطلح الصحابة عندهم يشمل إضافة إلى أصحابه الذين عاشوا معه، أزواجه وأهل بيته الذين عاصروه وعاشوا معه.

    ولقد دعا النبي أصحابه إلى حفظ ونقل ما يسمعون منه، فقال: ( نضر الله امرأ سمع مقالتي فبلغها. فرب حامل فقه غير فقيه. ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه )([15]).

    وقد إقتضت حكمة الله تعالى أن يهيئ للأمة الإسلامية من أئمة الحديث جهابذة نقاد لمعرفة صحيح السنة من سقيمها، كل ذلك لحفظ سنة نبيه بعد أن تكفل الله تعالى بحفظ كتابه الكريم، لأنها مكملة ومبينة وشارحة ومفصلة لما أجمله القرآن.

    روى أبو داود والترمذي وابن ماجه عن المقدام بن معد يكرب قال: قال رسول الله : «أَلاَ إِنِّى أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلاَ يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانٌ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلاَلٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ. أَلاَ وَأَنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ».

    أما مصطلح السنة النبوية عند الشيعة فيغاير هذا تماما. ولندع شيخهم محمد رضا المظفر يتكلم ليقول:( السنة في اصطلاح الفقهاء ( : قول النبي أو فعله أو تقريره . ) ومنشأ هذا الاصطلاح أمر النبي بإتباع سنته فغلبت كلمة ( السنة ) حينما تطلق مجردة عن نسبتها إلى أحد على خصوص ما يتضمن بيان حكم من الأحكام من النبي سواء كان ذلك بقول أو فعل أو تقرير، على ما سيأتي من ذكر مدى ما يدل الفعل والتقرير على بيان الأحكام.

    أما فقهاء ( الإمامية ) بالخصوص فلما ثبت لديهم أن المعصوم من آل البيت يجري قوله مجرى قول النبي من كونه حجة على العباد واجب الإتباع فقد توسعوا في اصطلاح السنة إلى ما يشمل قول كل واحد من المعصومين أو فعله أو تقريره، فكانت السنة باصطلاحهم ( قول المعصوم أو فعله أو تقريره ) والسر في ذلك أن ألائمة من آل البيت عليه السلام ليسوا هم من قبيل الرواة عن النبي والمحدثين عنه ليكون قولهم حجة من جهة أنهم ثقاة في الرواية، بل لأنهم هم المنصوبون من الله تعالى على لسان النبي لتبليغ الأحكام الواقعة، فلا يحكمون إلا عن الأحكام الواقعية عند الله تعالى كما هي، وذلك من طريق الإلهام كالنبي من طريق الوحي أو من طريق التلقي من المعصوم قبله، كما قال مولانا أمير المؤمنين (علمني رسول الله ألف باب من العلم ينفتح لي من كل باب ألف باب . ) وعليه فليس بيانهم للأحكام من نوع رواية السنة وحكايتها، ولا من نوع الاجتهاد في الرأي والاستنباط من مصادر التشريع، بل هم أنفسهم مصدر للتشريع، فقولهم ( سنة ) لا حكاية السنة وأما ما يجئ على لسانهم أحيانا من روايات وأحاديث عن نفس النبي ، فهي أما لأجل نقل النص عنه كما يتفق في نقلهم لجوامع كلمه، وأما لأجل إقامة الحجة على الغير، وأما لغير ذلك من الدواعي)([16]).

    فإذا علمنا أن أئمتهم أمروهم بعرض أقوالهم على كتاب الله تعالى وعلى السنة النبوية، وذلك لكثرة الكذب على الأئمة، وأن هذا العرض يدل على كون القرآن محفوظا، عرفنا أن قولهم تابع لما فيهما. لا كما نقلنا ما قاله محمد رضا المظفر.

    فعن سدير قال: " قال أبو جعفر وأبو عبد الله عليهما السلام: لا تصدق علينا إلا بما يوافق كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه واله " ([17]).

    في هذا الكلام جملة أمور:

    أولا: إذا كانت روايات عرض الأخبار المنسوبة لأهل البيت عليهم السلام على القرآن تدل على صحة هذا القرآن ونفي التحريف عنه، فإن هذا يستلزم صحة السنة المنسوبة إلى النبي أيضا من غير طريق الأئمة، وبيان ذلك:

    1. هنالك الكثير من الروايات المنسوبة إلى أئمة أهل البيت توصي بعرض ما نسب إليهم إلى السنة أيضا إلى جانب القرآن، فأين هي السنة ـ كما هو القرآن ـ حتى نعرض عليها روايات أهل البيت؟

    ألا يقتضي قول أبي عبدالله لسدير: ( لا تصدق علينا إلا بما يوافق كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه واله ) أن سنة النبي يجب أن تكون معروفة ومعلومة لدى سدير وغير سدير حتى يتمكن من معرفة ما يوافقها، وما يخالفها؟

    فإن كان كتاب الله تعالى هو المجموع ما بين الدفتين، وبمتناول يد كل مسلم، فأين هي سنة النبي الذي يأمر الإمام بعرض أخبارهم أو رواياتهم عليها؟

    2. إذا كان الميزان هو الكتاب والسنة، فما معنى عصمة الإمام التي إشترطت الشيعة وجودها في الإمام؟ ولماذا يأمرنا الإمام بالعمل بما يوافق القرآن حتى وإن كان الذي جاءنا به فاجر ؟ ولتوضيح ذلك أكثر نقول: إذا جاءنا قول من معاوية وهو لا يخالف الكتاب والسنة، أليس يجب أن نأخذ به؟ أليس يجب على كل مسلم أن يعمل بأي قول لا يتعارض مع كتاب الله تعالى وسنة نبيه بغض النظر عن قائله؟ ألم يقل سيدنا علي t : ( الحكمة ضالة المؤمن فاطلبوها - ولو عند المشرك - تكونوا أحقّ بها وأهلها) أو ( فخذوها ولو من أهل النفاق)([18]). فإن قالوا: إن كثرة الكذابين على الأئمة يستلزم عرض ما جاء عنهم على القرآن والسنة. قيل: فلماذا أعرضتم عن سنة النبي المنقولة عن أصحاب النبي ، والدواعي متوفرة على نقل أقوال نبي الأمة أكثر من غيرها؟ علما إن الكذب على النبي أقل بكثير من الكذب على الأئمة.

    3. بالإضافة إلى كثرة الكذابين على الأئمة، فإن تحريف الدين من قبل أئمة أهل البيت بسبب التقية، يستلزم الأخذ بسنة النبي المنقولة عن طريق الصحابة لأن النبي عاش سيداً عزيزاً مطاعاً بين أصحابه، دون أن يحتاج إلى أن يتقيهم في فعل أو قول! هذا أولا. وثانياً: ألا يعني عرض أقوال أئمة أهل البيت على الكتاب والسنة أن أهل البيت ليسوا مرجعا للمسلمين، وأن مرجع المسلمين في كل زمان ومكان، هو الكتاب والسنة بمقتضى قول الله تعالى : ] فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [[النساء : 59]. وبمقتضى قول علي t : ( وَارْدُدْ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ مَا يُضْلِعُكَ مِنَ الْخُطُوبِ وَيَشْتَبِهُ عَلَيْكَ مِنَ الْأُمُورِ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِقَوْمٍ أَحَبَّ إِرْشَادَهُمْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ فَالرَّدُّ إِلَى اللَّهِ الْأَخْذُ بِمُحْكَمِ كِتَابِهِ وَالرَّدُّ إِلَى الرَّسُولِ الْأَخْذُ بِسُنَّتِهِ الْجَامِعَةِ غَيْرِ الْمُفَرِّقَةِ)([19]).

    فلو كان أهل البيت مرجعا للمسلمين في كل عصر ـ كما تقول بذلك الشيعة ـ فلماذا نؤمر بعرض ما جاءنا عنهم على الكتاب والسنة؟ علما أن الشيعة ليست لديهم سنة إلا ما نقله أئمة أهل البيت، وقلما تجد عندهم روايات موصولة إلى النبي ، وإنما جل ما عندهم هي روايات عن جعفر بن محمد. فكيف نعرض ما جاءنا عن جعفر على سنة النبي إذا كان الذي جاءنا به جعفر الصادق هو السنة؟

    فهاهنا أمر مصادم للعقل من عدة جهات:

    أولا: من غير المعقول أن يأمرنا الإمام بعرض الشيء على نفسه.

    ثانيا: كما أنه من غير المعقول عرض روايات الأئمة على ما ليس بمعلوم. ويوضح السيستاني هذا الأمر فيقول: ( إذ من الواضح أن المقصود بمخالفة السنة، السنة المعروفة عند الجمهور الذين بيدهم قبول الحديث وعدم قبوله لا السنة الواقعية الموجودة عند الأئمة أنفسهم)([20]).

    ثالثا: أضف إلى هذا عدم معقولية أن يجعل الكتاب والسنة ميزانا لبيان صحة أخبار الأئمة مع القول بتحريف الكتاب والسنة من قبل الصحابة، أو من قبل بني أمية وبني العباس.

    ولا يقال هنا أن العرض على السنة هي على المتواتر بين الطرفين فقط، لعدة أسباب:

    الأول: روايات العرض لم تنص على المتواتر من السنة، وهذا إقتراح من قائله لا يستند إلى دليل، لأن الناس قديما وحديثا لا يفرقون بين المتواتر والمستفيض والمشهور ونقل الآحاد. وقد قدمنا قبل قليل قول السيستاني أن المراد بالسنة هي السنة المعروفة عند الجمهور.

    الثاني: أين هي سنة النبي المتواترة بين الطرفين المتفق عليها حتى يعرض عليها أقوال الأئمة؟ فالشيعة تقول بتواتر نص من قبلهم فقط، لا يعترف به أهل السنة. وكذلك أهل السنة يقولون بتواتر نص عندهم لا تقبله الشيعة. ثم أن هذه السنة المتواترة ـ في حال وجودها ـ كم تبلغ عددها؟

    الثالث: إن من المرجحات عند الشيعة الأخذ بما يخالف أهل السنة، عملا بقول الإمام : ( ما خالف العامة ففيه الرشاد). فلو إتفق الفريقان على رواية سنة من سنن النبي فهذا المبدأ يلغيه.

    الرابع: الرجوع إلى سنة النبي من دون الرجوع إلى أهل بيت النبي عند الشيعة لا يجوز. وإلاّ فإذا كان نقل الصحابة عن النبي جائزا، فما حاجتهم إلى الإمام المعصوم؟





    «« توقيع ابو غسان »»

  5. #5
    عضو
    الحالة : ابو غسان غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 5223
    تاريخ التسجيل : Nov 2009
    الجنـس : رجل
    المشاركات : 3,177
    المذهب : سني
    التقييم : 52

     

     

    افتراضي


    هل يكفر من يعتقد بوجود التحريف في القرآن؟

    لمعرفة تكفير القائل بتحريف القرآن من عدمه يتطلب منا معرفة جملة أمور:

    الأول: تعريف الكفر: هو التكذيب أو الجحد، أو إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة، أو ما يؤدي إلى ذلك.

    الثاني: هل القول بالتحريف يؤدي إلى إنكار النبوة؟

    الثالث: معرفة لازم القول بالتحريف أو مآل القول به.

    يقول أبو عمر صادق العلائي في الرد على من يكفر من يقول بتحريف القرآن:

    ( لو أنكر مسلم أمرا معلوما من الدين بالضرورة، فإن آل إنكاره إلى إنكار الألوهية أو الرسالة فإنه يكفر بلا ريب، وأما لو لم يرجع إنكاره لإنكار الألوهية والربوبية أو الرسالة كمن طرأت له شبهة أو حصل له لبس أدى بالمنكر إلى تلك النتيجة فإنه لا يكفر.

    قال السيد اليزدي رضوان الله تعالى عليه:" والمراد بالكافر من كان منكرا للألوهية أو التوحيد أو الرسالة أو ضروريا من ضروريات الدين مع الالتفات إلى كونه ضروريا بحيث يرجع إنكاره إلى إنكار الرسالة "([21])

    قال السيد الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه:" الكافر وهو من انتحل غير الإسلام، أو انتحله وجحد ما يعلم من الدين بالضرورة، بحيث يرجع جحوده إلى إنكار الرسالة، أو تكذيب النبي صلى الله عليه وآله، أو تنقيص شريعته المطهرة، أو صدر منه ما يقتضي كفره من قول أو فعل "([22])

    قال السيد الخوئي رضوان الله تعالى عليه: " الكافر وهو من لم ينتحل ديناً أو انتحل ديناً غير الإسلام أو انتحل الإسلام وجحد ما يعلم أنه من الدين الإسلامي بحيث رجع جحده إلى إنكار الرسالة، نعم، إنكار المعاد يوجب الكفر مطلقاً "([23]) )([24]).

    ونحن هنا سنحاكمهم إلى هذه النصوص التي هي من أقوال علمائهم المشهورين فنقول:

    إتفق علماء الشيعة على أن المنكر أو الجاحد لضروري من ضروريات الإسلام إذا رجع قوله إلى إنكار الرسالة يُكفَّر. فهل القول بتحريف القرآن يرجع إلى إنكار الرسالة؟
    هل القول بتحريف القرآن يرجع إلى إنكار الرسالة؟

    قلنا فيما مضى أنه لا دليل لدى المسلمين على نبوة محمد إلا هذا القرآن، فإذا دخل الشك في حرف واحد منه، فإنه لا ريب يؤدي إلى عدم الثقة فيه كاملا لإمكان أن يكون التحريف قد عم جميع حروفه وكلماته. ولا نأمن أن يكون إسم محمد قد أُقحم فيه. أو أن قوله تعالى: ] مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [[الأحزاب/40] قد دخله التحريف، وأنه ليس بخاتم النبيين، وأن عليا أو غيره من أئمة الشيعة المعصومين كانوا أنبياء ولكن الصحابة المحرفين لكتاب الله تعالى قد غيروا فيه لحسدهم عليا وأهل بيته. ليس هذا فحسب، بل إذا تطرق الشك إليه بالنقيصة والزيادة أو تغيير كلماته وحروفه فلك أن تقول ما تشاء.

    أليس إذن القول بتحريف القرآن يؤدي إلى إنكار رسالة نبينا محمد ؟

    يقول إبن حزم: ( فمن قال إن القرآن نقص منه بعد موت رسول الله حرف، أو زيد فيه حرف، أو بدل منه حرف … فهو كافر، خارج عن دين الإسلام؛ لأنه خالف كلام الله عز وجل، وسنن رسول الله وإجماع أهل الإسلام)([25]).

    ويقول شيخ الإسلام إبن تيمية: (من زعم أن القرآن نقص منه آيات وكتمت ... فلا خلاف في كفره)([26]).

    ويقول الحليمي: ( فمن أجاز أن يتمكن أحد من زيادة شيء في القرآن أو نقصانه منه، أو تحريفه أو تبديله، فقد كذب الله في خبره، وأجاز الوقوع فيه، وذلك كفر)([27]).

    ويقول القرطبي: ( فمن ادعى زيادة عليه أو نقصاناً منه فقد أبطل الإجماع، وبهت الناس، ورد ما جاء به الرسول من القرآن المنزل عليه )([28]).

    ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب: - " ومن اعتقد عدم صحة حفظه {أي المصحف} من الإسقاط، واعتقد ما ليس منه أنه منه قد كفر، ويلزم من هذا رفع الوثوق بالقرآن كله، وهو يؤدي إلى هدم الدين، ويلزمهم عدم الاستدلال به، والتعبد بتلاوته، لاحتمال التبدل، ما أخبث قول قوم يهدم دينهم)([29]).





    «« توقيع ابو غسان »»

  6. #6
    عضو
    الحالة : ابو غسان غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 5223
    تاريخ التسجيل : Nov 2009
    الجنـس : رجل
    المشاركات : 3,177
    المذهب : سني
    التقييم : 52

     

     

    افتراضي


    مآل القول ولازمه( لازم المذهب )

    إذا كان العلماء يقررون أن من تأول وأخطأ، ولم يكن تأويله سائغا وليس له عذر في ذلك وكان قد تعلق بأمر يفضي به إلى خلاف بعض كتاب الله أو سنة يقطع بها العذر، أو إجماع فإنه يكفر ولا يعذر. وإذا كانوا قد أجمعوا على تكفير من يكفر الصحابة ويطعن فيهم إلاّ بضعة أنفار، لأن هؤلاء شهودنا على الكتاب والسنة، ( والطعن في الوسائط طعن الأصل، والازدراء بالناقل ازدراء بالمنقول )([30]). فكيف إذا وقع الطعن صريحا في القرآن بأنه محرف أو نقصت منه كلمات أو غيرت وبدلت بأخرى؟

    يقول محمد تقي الحكيم: ( والحديث حول حجيته ( أي القرآن ) موقوف على تمام مقدمتين: أولاهما: ثبوت تواتره الموجب للقطع بصدوره، وهذا ما لا يشك فيه مسلم امتحن الله قلبه للإيمان، والثانية: ثبوت نسبته لله عز وجل وعقيدة المسلمين قائمة على ذلك )([31]).

    أفليس في هذا الكلام ما يدل على أن الطعن فيه بعد ثبوت تواتره وثبوت نسبته إلى الله عز وجل هو إنكار لرسالة نبينا محمد .

    ثم أنظر إليه كيف يجيز للقائلين بالتحريف قولهم ويعطيهم العذر في ذلك، فيقول في رده على المرحوم ( أبو زهرة): ( والذي يبدو أن الأخ أبا زهرة ممن يستسيغ التكفير بسهولة مع أنه لا يميز فيما يبدو بين نوعين من إنكار الضروري أحدهما يوجب التكفير والآخر لا يوجبه، فالذي يوجب التكفير إنكار ضروري من ضروريات الدين، أي ما ثبت أنه دين بالضرورة مما يعود إنكاره إلى تكذيب النبي وشبهه، والقول بعد التحريف لم يثبت أنه دين بالضرورة وإلا لما احتاج إلى الاستدلال عليه بآية ] إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [ [الحجر: 9]. وما يحتاج إلى الاستدلال لا يكون من الضروريات، على أنهم اختلفوا في صلاحية الآية للدليلية بشبهة الدور، وما يقال عن هذه الآية يقال عن غيرها من الأدلة . نعم هو ضروري الثبوت لثبوت تواتره عندنا وإنكار الضروريات التيلا تستند في بداهة ثبوتها إلى الدين وان استندت إليه بالنظر، لا تستوجب تكفيرا كما هو واضح لدى الفقهاء).

    فيقال له: هب أن الآية الشريفة ] إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [ [الحجر: 9]. وغيرها من الآيات لا تدل على حفظ الله تعالى للقرآن، أفليس في العقل ما يدل على وجوب كون القرآن محفوظا من كل أشكال التحريف، وإلا لأرتفعت عنه الثقة؟ وأنت خبير أن القول بتحريف القرآن يستتبع عدم كون النبي محمد نبيا، فضلا عن أن يكون خاتم النبيين! وإذا صح ذلك فكون مسيلمة أو الأسود العنسي أو غيرهم من أدعياء القاديانية أنبياء لا ريب فيه. أتقبل أن يكون هؤلاء أنبياء بعد نبينا محمد ؟

    ومن دفاعاتهم عن القائلين بالتحريف قول أبي عمر صادق العلائي: ( وعلى هذا فلو لم يعلم المنكر أن ما أنكره جزء من الدين بل نفي كونه منه لشبهة ولبس، مع إيمانه في قرارة نفسه أنْ لو ثبت عنده مجيء النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما أنكره لاتبعه ولأخذ به بكل انقياد وتسليم فإن إنكاره – في هذه الحالة - لا يؤول إلى إنكار الألوهية أو الرسالة أو تكذيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم والعياذ بالله ، فلا يحكم بكفره، وبعبارة مختصرة إن منكر الضروري لا يكفر إلا برجوع إنكاره إلى إنكار الألوهية أو الرسالة أو تكذيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

    وبعدما قدمنا يتضح أن دعوى تكفير من قال بتحريف القرآن لإنكاره ضروريا كلام ساقط من رأس وجرأة على الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، لأمرين :

    1- لم يثبت أن من ضروريات الدين الاعتقاد باحتواء مصحفنا لكل كلمات القرآن التي نزلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم.فلو سئل أهل الإسلام في بقاع الأرض عما إذا كان هذا المصحف الذي في بيوتنا اليوم قد اشتمل على كل كلمة وحرف نزل من السماء قبل أكثر من أربعة عشر قرنا ولم تخف كلمة أو حرف عمن جمعه أو لم يتلاعب به أحد من بعدهم ، فلا يعد الجواب على هذا السؤال بديهيا لا يشك فيه ، وليس هو كبداهة سؤال المسلم لأخيه عما إذا كانت الصلاة واجبة في الإسلام ، ولذا عندما يتطرق علماء الشيعة وأهل السنة لإثبات صيانة القرآن من التحريف يعتمدون الدليل لإثبات مدعاهم كآية الحفظ ] إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ[(الحجر/9) ، فاستدلالهم هذا على عدم وقوع التحريف في القرآن يناقض كونه من بديهيات الدين التي لا يحتاج لإقامة الدليل.

    2- من قال بتحريف القرآن فإن قوله لا يؤول إلى إنكار الألوهية أو الرسالة أو تكذيب النبي صلى الله عليه وآله سلم.

    فقد مر سابقا أن من قال بالتحريف لا يرى أن الله عز وجل تكفل بحفظ القرآن في مصاحف المسلمين، لأن الآيتين في نظره لا تدلان عليه فضلا عن قبوله لحجية ظاهريهما، ولا يرى أن النبي صلى الله عليه وآله سلم قد أخبر بحفظ القرآن في مصاحف المسلمين بل على العكس هو يرى أن الرسول وأهل بيته صلى الله عليهم أجمعين صرحوا بأن التحريف وقع فيه وأنه بُدل وتلاعبوا به … فإنكارهم لصيانة القرآن من التحريف – لو سلمنا جدلا أنه من الضروريات - لا يؤول إلى إنكار الألوهية أو إنكار الرسالة كالتعنت على أمر المولى أو أمر رسوله صلى الله عليه وآله سلم ولا يؤول إلى تكذيب النبي صلى الله عليه وآله سلم، وكل هذا مانع من التكفير جزما وقطعا، مع التسليم بأن هذا الأمر من ضروريات الدين)([32]).

    كما أنه نفى أن يكون سلامة القرآن أمرا مجمعا عليه، لأن الإجماع عند الشيعة ليس دليلا، وإنما هو كاشف عن الدليل، لذا لا يكفر من يقول بتحريف القرآن لأنه يؤدي إلى تكفير جل علماء الشيعة، لأننا سنرى فيما بعد كم عالما من علماء الشيعة عددهم الحسين النوري الطبرسي ممن يقولون أو يعتقدون بتحريف القرآن.

    ولا يخفى على العاقل مدى مخالفة كلام صادق العلائي لمقتضى العقل لأنه إذا تطرق التحريف والتغيير في ألفاظ القرآن لم يبق لنا اعتماد على شئ منه إذ على هذا يحتمل كل آية منه أن تكون محرفة ومغيرة وتكون على خلاف ما أنزله الله فلا يكون القرآن حجة لنا وتنتفي فائدته وفائدة الأمر بإتباعه والوصية به وعرض الأخبار المتعارضة عليه إلى غير ذلك.

    ومع كل هذا فإننا لو فرضنا ـ على سبيل الجدل ـ أن من يقول بتحريف القرآن لا يعرف مآل قوله ولازمه، فإن هذا الأمر له ضوابط وقواعد، فإن من اللوازم ما لا ينفك عن القول سواء إلتزمه صاحبه أم لم يلتزمه، ومنه ما لا يظهر لصاحب القول، فإذا عرفه وإلتزمه فهو قوله، وإلا فلا.

    وخلاصة القول فيه أن له ثلاث حالات:

    الحالة الأولى: أن يُذكر اللازم للقائل، ويلتزمه فهو يُعد قولاً له.

    الحالة الثانية: أن يذكر له اللازم، ويمنع التلازم بينه وبين قوله، فهذا ليس قولاً له، بل إن إضافته إليه كذب عليه.

    الحالة الثالثة: أن يكون اللازم مسكوتاً عنه؛ فلا يذكر بالتزام، ولا منع، فحكمه في هذه الحال أن لا ينسب إلى القائل، لأنه يحتمل لو ذكر له أن يلتزم به أو يمنع التلازم، ويحتمل لو ذكر فتبين له لزومه وبطلانه أن يرجع عن قوله([33]).

    وأنت خبير بأن علماء الشيعة القائلين بالتحريف لم يغب عنهم أن إنكار رسالة محمد من لوازم القول بتحريف القرآن، ولكن إيمانهم بأن إمامة علي بن أبي طالب وأحد عشر من بنيه من بعده من أهم أصول الدين، وخلو القرآن من الإشارة الصريحة إليها دفعهم إلى القول بالتحريف. إذ من غير المعقول أن يكون هذا القرآن قد وردت فيه قضايا فقهية صغيرة كثيرة، ولم يتطرق إلى هذا الأصل، إلاّ أن يكون المتصدين لجمعه قد أسقطوا منه آيات الولاية، وسنرى في المباحث القادمة أن جميع روايات الشيعة أو أغلبها التي تقول بالتحريف هي في الولاية فقط.

    أضواء على كتاب فصل الخطاب([34])

    قلنا فيما سبق أن وجوب الإعتقاد بالنص الإلهي بإمامة علي بن أبي طالب وكون الإمامة عند الشيعة أصلا من أصول الدين يستوجب الطعن في بعض آيات القرآن الكريم من جهتين:

    الأولى: لخلوه من الإشارة الصريحة وحتى غير الصريحة على الإمامة مع كونه قد إشتمل على فروع الدين وتفاصيل الشريعة.

    الثانية: لما فيه من مدح للصحابة لاسيما السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار الذين تحملوا في سبيل نشر هذا الدين مصاعب جمة لا يتحملها إلا الصادقون المخلصون الأوفياء لدينهم، وهذا يتعارض مع كون هؤلاء إغتصبوا الخلافة من صاحبها الشرعي بعدما علموا أن نبيهم الأكرم قد نصبه خليفة عليهم من بعده.

    فإعتقاد الشيعة بتواطؤ الصحابة على إنكار إمامة علي دفعهم إلى الإعتقاد بقيام بعض الصحابة الذين تصدوا لجمع القرآن في مصحف واحد من صدور الرجال ومن الأشياء التي كتب عليها القرآن في عهد النبي ؛ فأسقطوا منه حروفا وكلمات كما سيأتي بيان ذلك في محله، وذلك ليستقيم لهم الإنكار للوصية الإلهية والنبوية لسيدنا علي ـ حسب زعمهم.

    وممن تولى كبره في هذه المسألة الحسين النوري الطبرسي الذي قام بتأليف كتاب سماه بـ ( فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب ) وجمع فيه كل شاردة وواردة فيما يخص هذا الموضوع، وما قاله أئمة أهل البيت وأساطين وكبار علماء الشيعة فيه، وما توصل إليه هو بإثبات التحريف عن طريق دلائل من السنة النبوية الشريفة، كما أن جعل القول بنسخ التلاوة وبقاء الحكم عين القول بالتحريف، دون أن يلتفت إلى ما يفضي هذا القول من الطعن في القرآن المسقط لنبوة نبينا محمد وإنكار رسالته.

    فمن هو صاحب هذا كتاب فصل الخطاب وماذا حوى كتابه؟





    «« توقيع ابو غسان »»

  7. #7
    عضو
    الحالة : ابو غسان غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 5223
    تاريخ التسجيل : Nov 2009
    الجنـس : رجل
    المشاركات : 3,177
    المذهب : سني
    التقييم : 52

     

     

    افتراضي


    أقوال علماء الشيعة في مؤلف فصل الخطاب

    ذكر محمد مهدي الموسوي الأصفهاني الشيعي في كتابه ( أحسن الوديعة ) الذي كتبه تتميما لوضات الجنات للخوانساري تحت ترجمة النوري الطبرسي، وهذا نصه: ( هو الشيخ المحدث الحاج الميرزه حسين النوري المتولد في الثامن عشر من شوال من سنة أربع وخمسين بعد المائتين والألف، والمتوفي في ليلة الأربعاء سابع عشر من شهر جمادي الثانية سنة 1320هـ والمدفون في إيوان حجرة بانو عظمى بنت سلطان الناصر لدين الله، وهو إيوان الحجرة الثالثة القبلية عن يمين الداخل إلى الصحن الشريق المرتضوي من الباب الموسوم بباب القبلة هذا، وله مؤلفات منها ( فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب ) طبع في إيران على الحجر بقطع ( الأمالي ) لشيخنا الطوسي وليته ما ألفه، وقد كتب في رده بعض العلماء رسالة شريفة بيّن فيها ما هو الحق، وشنع على المحدث النوري علماء زمانه، وقد أخبرني بعض الثقات أن المسيحيين ترجموا هذا الكتاب بلغاتهم ونشروها )([35]).

    وقال عنه أغا بزرك الطهراني في نقباء البشر: ( الشيخ ميرزا حسين بن الميرزا محمد تقي بن الميرزا على محمد تقي النوري الطبرسي إمام أئمة الحديث والرجال([36]) في الأعصار المتأخرة ومن أعاظم علماء الشيعة وكبار رجال الإسلام في هذا القرن ... كان الشيخ النوري أحد نماذج السلف الصالح التي ندر وجودها في هذا العصر فقد امتاز بعبقرية فذة وكان آية من آيات الله العجيبة([37])، كمنت فيه مواهب غريبة وملكات شريفة أهلته لأن يعد في الطليعة من علماء الشيعة الذين كرسوا حياتهم طوال أعمارهم لخدمة الدين والمذهب، وحياته صفحة مشرقة من الأعمال الصالحة " ومن تصانيفه : فصل الخطاب في مسألة تحريف الكتاب)([38]).

    وقال عنه ( محسن الأمين ) : كان عالما فاضلا محدثاً متبحراً في علمي الحديث والرجال عارفا بالسير والتاريخ منقباً فاحصاً زاهداً عابداً لم تفته صلاة الليل وكان وحيد عصره في الإحاطة والاطلاع على الأخبار والآثار والكتب([39]).

    وقال عنه عباس القمي في ترجمته : شيخ الإسلام والمسلمين مروج علوم الأنبياء والمرسلين الثقة الجليل والعالم النبيل المتبحر الخبير والمحدث الناقد البصير ناشر الآثار وجامع شمل الأحبار صاحب التصانيف الكثيرة الشهيرة والعلوم الغزيرة الباهر بالرواية والدراية والرافع لخميس المكارم أعظم رايه وهو أشهر من أن يذكر وفوق ما تحوم حوله العبارة.([40])

    فبدلا من أن يُنسب إلى الكفر والزندقة، أو الضلال والجنون، مدحوه مدحا لا يليق إلا بالأنبياء والمرسلين؛ كل ذلك تثمينا لجهوده في الطعن في كتاب رب العالمين المتداول بين ملايين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، والذي صانه الله عز وجل من كل ما يشينه من تحريف بزيادة أو نقصان أو تبديل.

    فإنا لله وإنا إليه راجعون.
    ملخص كتاب فصل الخطاب

    بداية نقول: لما رأى قسم من علماء الشيعة أن هذا الكتاب قد جلب العار والشنار على مذهب الشيعة دافعوا عنه وعن مؤلفه بطرق مختلفة:

    فمنهم من إدعى أنه ألف هذا الكتاب لإثبات عدم وقوع التحريف في القرآن.

    ومنهم من قال: إنه تراجع عنه في آخر حياته.

    ومنهم من قال: إنه جمع فيه الروايات الضعيفة التي ترجع إلى أناس وُصفوا بأنهم: ( ضعيفو الحديث، فاسدو المذهب، مجفوو الرواية).

    وفات هؤلاء جميعا أن كاتب الكتاب خبير متبحر في علم الحديث والرجال، وإمام من أئمتهم في هذا الشأن في الأعصار المتأخرة؛ حتى إنهم لقبوه بـ ( خاتمة المحدثين ) وهو صاحب كتاب ( مستدرك الوسائل ) وهو من الكتب الثمانية المعتبرة لدى الشيعة في الحديث.

    فكيف يُقال بعد ذلك: أنه ملأ كتبه بأحاديث ضعيفة ينقلها عن ضعفاء كذابين!

    ثم إنه لم يعتمد في كتابه على الروايات فقط؛ بل إنه نقل وجمع أقوال أعاظم علماء الشيعة من كتبهم وآرائهم الصريحة في وقوع التحريف والنقص في القرآن الكريم على أيدي أصحاب رسول الله كما يزعمون.

    وحان الآن أن نعرف ما هو مضمون هذا الكتاب وماذا حوى من أدلة.

    شرح موجز لمضمون كتاب فصل الخطاب:

    لقد ضمن المؤلف في أول صفحة من كتابه العبارة التالية: ( هذا كتاب لطيف وسفر شريف عملته في إثبات تحريف القرآن وفضائح أهل الجور والعدوان، وسميته : فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب ) وجعلت له ثلاث مقدمات وبابين …).

    فهذا أول الكلام في هذا الكتاب، فهل يمكن أن يتأول هذا الكلام على عدم إرادة التحريف؟!

    وتضمنت المقدمة الأولى على ذكر الأخبار الواردة في كيفية جمع القرآن من قبل الصحابة؛ فطعن الكاتب ـ بعد أن أورد بزعمه أخبارا متناقضة في ذلك ـ ثم خلص في نهاية المقدمة الأولى إلى النتيجة التالية: ( لكي يثبت أن القرآن مشتمل على تمام ما نزل على النبي لابد من إطراد أمور:

    ـ أنه لم يخف عليهم شيئا مما نزل عليه منه.

    ـ إن ما كتبه أمير المؤمنين علي منه من بين الكتاب وهو أكثر الوحي …

    وبعد أن أورد ستة إحتمالات قال:

    ( فهذه أمور ستة لابد من إحراز جميعها بالعلم حتى يمكن وقوع القطع بإشتمال القرآن الموجود على تمام ما نزل عليه قرآنا، ومع عدم ثبوت دليل قطعي على إنتفاء جميع تلك الإحتمالات ولو بالإلتزام كتصريح المعصوم بإشتماله على تمامه أو إنعقد الإجماع عليه تكون الدعوى فاسدة لكونه في معرض تطرق النقص عادة بإحتمال إخفائه عليهم بعض ما نزل وإختصاصه عليا ).

    قلت: لقد أثبت المؤلف ـ حسب رأيه ـ في هذه المقدمة عدة أمور:

    1. عدم إشتمال القرآن على تمامه.

    2. عدم وجود تصريح من أئمته المعصومين على سلامة القرآن وتمامه.

    3. عدم وجود الإجماع على تمامية القرآن وإشتماله على جميع المنزل من الله تعالى.

    4. إختصاص علي بن أبي طالب بجمع القرآن دون غيره.

    وفي المقدمة الثانية: تحدث المؤلف عن أنواع التحريف الممكن وقوعه في القرآن، وخلص إلى القول:

    1. بأن الزيادة في السور أو تبديلها بأخرى مثلها منتفية.

    2. جواز نقصان السورة، كسورة الحفد وسورة الخلع وسورة الولاية.

    3. زيادة الآية أو تبديلهاـ وهما منتفيان بالإجماع.

    4. نقصان الآية: غير متنعة مثاله: { والعصر إن الإنسان لفي خسر } وفيه: إلى آخر الدهر.

    5. زيادة الكلمة: كزيادة { عن } في قوله : { يسألونك عن الأنفال }.

    6. نقصان الكلمة: وهو كثير، كنقصان { ولا محدث } بعد قوله: { وما من نبي ولا رسول } و { صلاة العصر } بعد قوله: { والصلاة الوسطى }.

    7. تبديلها: كتبديل { محمد } بعد قوله تعالى : { إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم بآل عمران }.

    8. نقصان الحرف: كنقصان همزة من قوله: { كنتم خير أمة } و { ياء } في قوله تعالى : { يا ليتني كنت ترابا }.

    9. ثم ذكر المؤلف أيضا تبديل الحروف والحركات والسكون وعدم الترتيب بين السور، ومثّل لكل منها.

    قلت:

    فهل بعد هذا الكلام من دليل على أن المؤلف ما قصد الطعن في القرآن؟!

    علما أن الطعن في حرف واحد من القرآن هو مسقط للقرآن كله وبالتالي عدم الإطمئنان إلى صحة كل آية فيه؛ وهذا هو عين ما يريده المشككون في محمد وشريعته.





    «« توقيع ابو غسان »»

  8. #8
    عضو
    الحالة : ابو غسان غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 5223
    تاريخ التسجيل : Nov 2009
    الجنـس : رجل
    المشاركات : 3,177
    المذهب : سني
    التقييم : 52

     

     

    افتراضي


    القائلون بالتحريف من علماء الشيعة

    أما المقدمة الثالثة: فقد ذكر الكاتب فيها آراء وعلماء الشيعة في تغيير القرآن وعدمه فقال:

    الأول: وقوع التغيير والنقصان، وهو مذهب كل من:

    1. الشيخ الجليل علي بن إبراهيم القمي([41]) في تفسيره: صرح بذلك في أوله وملأ كتابه من أخباره مع إلتزامه في أوله بأن لا يذكر فيه إلا مشايخه وثقاته.

    2. ومذهب تلميذه ثقة الإسلام ( الكليني ) ـ رحمه الله ـ على ما نسب إليه جماعة لنقله الأخبار الكثيرة الصريحة في هذا المعنى في كتاب الحجة، خصوصا في باب: النكت والنتف من التنزيل، وفي الروضة من غير تعرض لردها أو تأويلها.

    3. محمد بن الحسن الصفار ـ في كتاب البصائر.

    4. وهذا المذهب صريح الثقة محمد بن إبراهيم النعماني، تلميذ الكليني صاحب كتاب ( الغيبة ) المشهور؛ في تفسيره الصغير الذي إقتصر فيه على ذكر أنواع الآيات وأقسامها.

    5. وصريح الثقة الجليل سعد بن عبدالله القمي في كتاب ناسخ القرآن ومنسوخه.

    6. وصريح السيد علي بن أحمد الكوفي في كتاب ( بدع المحدثة).

    7. وهو أيضاً ظاهر أجلة المفسرين وأئمتهم الشيخ الجليل محمد بن مسعود العياشي.

    8. والشيخ فرات بن إبراهيم الكوفي.

    9. والثقة النقه محمد بن العباس الماهيار. فقد ملأوا ( أي هؤلاء الثلاثة) تفاسيرهم عن الأخبار الصريحة في هذا المعنى.

    10.وممن صرح بهذا القول ونصره الشيخ محمد بن محمد النعمان المفيد. حيث قال في كتابه ( أوائل المقالات ) ص98 ما نصه: ( إن الأخبار قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمد بإختلاف القرآن وما أحدثه بعض الظالمين فيه من الحذف والنقصان).([42])

    11.ثم إنه رحمه الله ( أي الشيخ المفيد ) نسب بعد ذلك القول بالنقصان من نفس الآيات حقيقة، بل زيادة كلمة أو كلمتين مما لا يبلغ حد الإعجاز إلى بني نوبخت رحمهم الله. ثم ذكر منهم شيخ المتكلمين ومقدم النوبختيين أبو سهل إسماعيل بن علي بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت.

    12.وإبن أخته الشيخ المتكلم الفيلسوف أبو محمد حسن بن موسى.

    13.والشيخ الجليل أبو إسحاق إبراهيم بن نوبخت.

    14.ومنهم إسحاق الكاتب الذي شاهد الحجة عجل الله فرجه.

    15.ورئيس هذه الطائفة، الشيخ الذي ربما قيل بعصمته، أبو القاسم حسين بن روح بن أبي بحر النوبختي، السفير الثالث بين الشيعة والحجة صلوات الله عليه.

    16.وممّن يظهر منه القول بالتحريف العالم الفاضل المتكلم حاجب بن الليث بن السراج.

    17.وممن ذهب إلى هذا القول، الشيخ الثقة الجليل الأقدم فضل بن شاذان في مواضع من كتاب الإفصاح.

    18.وممن ذهب إليه من القدماء الشيخ الجليل محمد بن الحسن الشيباني.

    19.ومنهم الشيخ الثقة أحمد بن محمد بن خالد البرقي.

    20.ومنهم والده الثقة محمد بن خالد.

    21.ومنهم الشيخ الثقة الذي لم يعثر له زلة في الحديث ـ كما ذكروا ـ علي بن الحسن بن فضال.

    22.ومنهم محمد بن الحسن الصيرفي.

    23.ومنهم أحمد بن محمد بن سيار.

    24.ومنهم الثقة الجليل محمد بن العباس بن علي بن مروان الماهيار المعروف بـ (ابن الحجام).

    25.ومنهم أبو طاهر عبدالواحد بن عمر القمي.

    26.ومنهم المحقق الداماد في حاشية خطبة كتابه المسمى بـ( القبسات ).

    27.والشيخ يحيى، تلميذ الكركي في كتاب ( الإمامة ) في الطعن التاسع على الثالث. أي الخليفة الثالث عثمان بن عفان t .

    28.وممن ذهب إليه الجليل محمد بن علي بن شهر آشوب في كتابه ( المناقب ) وكتاب ( المثالب).

    29.والشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي في كتاب ( الإحتجاج )، وقد روى فيه أزيد من عشرة أحاديث صريحة في ذلك.

    30.والمولى محمد صالح في مواضع من شرح الكافي، وسيأتي أنه من القائلين بتواتر أخبار التحريف.

    31.والفاضل السيد علي خان في شرح الصحيفة.

    32.والمولى النراقي، إلا أنه خص التغيير الواقع بما لا يقدح في الإعجاز.

    33.وولده صاحب المسند.

    34.والأستاذ الأكبر البهبهاني في فوائده.

    35.والمحقق القمي. إلا أنهما خصا المحذوف والمتغير بما عدا آيات الأحكام.

    36.والشيخ أبي الحسن الشريف جد شيخنا صاحب الجواهر، وجعله في تفسيره المسمى بـ ( مرآة الأنوار ) من ضروريات مذهب التشيع، وأكبر مفاسد غصب الخلافة.

    37.والشيخ علي بن محمد المقابي في ( مشرق الأنوار ).

    38.وظاهر السيد الجليل علي بن طاووس في ( فلاح السائل ) و ( سعد السعود ).

    39.وصريح شيخنا المحقق الأنصاري ـ قدس سره ـ في بحث القراءة من كتاب ( الصلاة ).

    40.ومنهم الفاضل قاضي القضاة علي بن عبدالعالي على ما حكى عنه السيد في (شرح الوافية).

    41.ومنهم الشيخ المحدث الجليل الشيخ أبو الحسن الشريف في مقدمات تفسيره.

    42.ومنهم العلامة المجلسي. قال في ( مرآة العقول ) في شرح باب: أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة عليهم السلام، وبخطه على هامش نسخة صحيحة من الكافي عند قول الصادق : ( القرآن الذي جاء به محمد سبعة عشر ألف آية ) ما لفظه: ( لا يخفى أن هذا الخبر وكثيرا من الأخبار الصحيحة، صريحة في نقص القرآن وتغييره، وعندي أن الأخبار في هذا الباب متواترة معنىً؛ وطرح جميعها يوجب رفع الإعتماد عن الأخبار رأساً، بل ظني أن الأخبار في هذا الباب لا يقصر عن أخبار الإمامة. فكيف بثبوتها بالخبر).

    ثم قال: ( وقد إدعى تواتر أخبار التحريف جماعة منهم المولى محمد صالح في شرح الكافي، حيث قال ما ورد في الشرح: ان القرآن الذي جاء به جبرائيل إلى النبي سبعة عشر ألف آية، وفي رواية ثمانية عشر ألف آية) ما لفظه: ( وإسقاط بعض القرآن وتحريفه ثبت من طرقنا بالتواتر معنى كما يظهر لمن تأمل في كتب الأحاديث من أولها إلى آخرها).

    43.وبعد أن عدد المؤلف هذا العدد الكبير من أساطين الشيعة الذين علهم إعتماد المذهب ممن يقولون بوقوع التحرف في القرآن، أضاف قائلا: ( وهؤلاء أجل من أن يتوهم فيهم سوء العقيدة، أو ضعف في المذهب وفتور في الدين، وعليهم تدور رحى آثار الأئمة الأطهار؛ بل أي محدث لم يشرب من إنائهم، وأي فقيه لم ينزل رحله بفائهم، وأي مفسر غير ذي رأي إستغنى عن إقتطاف جنائهم … ).

    ثم خلص إلى القول: ( ومن جميع ذلك ظهر فساد ما ذكره المحقق الكاظمي من إنحصار القائل به في علي بن إبراهيم والكليني، أو المفيد وبعض المتأخرين والله العاصم).

    قلت: لا يحتاج هذا الكلام إلى تعليق فهو أوضح من الشمس في رابعة النهار. ولو إحتاج هذا الكلام بعد هذا إلى دليل بأن القول بالتحريف ليس هو رأي عامة علماء الشيعة، فلا نقول له إلا ما قاله الشاعر:

    وليس يصح في الإفهام شيء إذا احتاج النهار إلى دليل

    ثم أن هناك عددا آخر من علماء الشيعة الذين يقولون بالتحريف ذكرهم المؤلف في سياق كلامه في غير هذا الموضع، وآخرون من المتأخرين عنه لم يذكرهم في كتابه. وها أنا سأذكرهم ليعلم المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها أن القول بوقوع التحريف في القرآن هو قول الشيعة قاطبة، ولم يشذ عن هذا إلا من عصم الله منهم، وقليل ما هم:

    44.منهم نعمة الله الجزائري في كتابه ( الأنوار النعمانية ) حيث قال جوابا عن سؤال سئل به: لماذا لم يظهر الإمام علي t القرآن الصحيح حين إستلم الخلافة؟ فأجاب: ( لما جلس أمير المؤمنين على سرير الخلافة لم يتمكن من إظهار ذلك القرآن وإخفاء هذا لما فيه من الشنعة على من سبقه)([43]).

    45.الفيض الكاشاني في تفسير الصافي. إذ يقول فيه: ( المستفاد من الروايات من طريق أهل البيت عليهم السلام، أن القرآن الذي بين أيدينا ليس بتمامه، ومنه ما هو مغير ومحرّف، وأنه قد حذف عنه أشياء كثيرة منها إسم ( علي ) في كثير من المواضع، ومنها غير ذلك؛ وأنه ليس بالترتيب المرضي عند الله وعند رسوله )([44]).

    46.ومنهم أبو الحسن العاملي في ( المقدمة الثانية لتفسير مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار ) وهذا التفسير مقدمة لتفسير البرهان للبحراني.

    47.ومنهم سلطان بن محمد بن حيدر الخراساني في تفسير ( بيان السعادة في مقدمات العبادة ).

    48.العلامة الحجة عدنان البحراني في ( مشارق الشموس الدرية ).

    49.العلامة المحقق الحاج ميرزا حبيب الله الهاشمي الخوئي في ( منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة ).

    50.الميثم البحراني في ( شرح نهج البلاغة ).

    51.المقدس الأردبيلي في ( حديقة الشيعة ).

    52.الحاج كريم الكرماني الملقب بـ ( مرشد الأنام ) في ( إرشاد العوام ).

    53.المجتهد الهندي السيد دالدار علي الملقب بـ( آية الله في العالمين ) في ( إستقصاء الإفحام ).

    54.ملا محمد تقي الكاشاني في ( هداية الطالبين ).

    55.عبدالحسين الأميني النجفي الذي قال في كتاب الغدير( 9/388 )، وهو يتحدث عن بيعة المهاجرين والأنصار لأبي بكر الصديق t قال: ( بيعة عمت شؤمها الإسلام وزرعت في قلوبها الآثام … وحرفت القرآن وبدلت الأحكام ). بل وفي ( 1/214-216 ) أورد آية مفتراة بزعمه أنها كانت في القرآن نصها: { اليوم أكملت لكم دينكم بإمامته فمن لم يأتم به ممن كان من ولدي من صلبه إلى يوم القيامة فأولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون إن إبليس أخرج آدم من الجنة مع كونه صفوة الله بالحسد فلا تحاسدوا فتحبط أعمالكم وتزل أقدامكم ).

    56.ومنهم علي تقي مسلم بن السيد أبي الحسن النقوي اللكنهوي ـ المعاصر ـ المولود سنة ( 1323هـ ) وله كتاب ( تحريف القرآن ) باللغة الأوردية. ذكر هذا صاحب ( الذريعة إلى تصانيف الشيعة ).

    57.ومنهم السيد عبدالله بن محمد رضا العلوي الحسني الكاظمي الشهير بـ ( شبر ) حيث قال في تفسيره ( تفسير القرآن الكريم ) في تفسير سورة النساء ما نصه: ( وروي: أسقط المنافقون بين القول في اليتامى وبين نكاح النساء من الخطاب والقصص أكثر من ثلث القرآن).

    فإن كان لا يعتقد بنقصان القرآن، فلماذا ضمن تفسيره المختصر هذا، هذا الكلام؟

    وكيف إستطاع المنافقون إسقاط هذا الكم الهائل من القرآن مع وجود أهل البيت؟

    ولماذا لم يظهر علي بن أبي طالب قرآنه الكامل في زمن حكمه بعد عثمان؟

    وأيضا فقد ضمن تفسيره الكثير من روايات الغلو كقوله عند تفسير قوله تعالى : ] قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ [[الحجر : 41]. قال: ( صراطُ عليٍّ بالإضافة كما في بعض الأخبار).

    كما أنه فسر قوله تعالى: ] إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [ [الحجر : 9] فقال: ( عند أهل الذكر واحدا بعد واحدٍ، إلى القائم، أو في اللوح، وقيل: الضمير للنبي ).

    فلم يقل أن الله تعالى هو الذي يحفظ هذا القرآن لإعتقاده بالتحريف الواقع فيه بعد وفاة النبي على أيدي المنافقين، وهم في نظره ليسوا غير أبي بكر وعمر وعثمان.

    أما الذين وثقوا دعاء صنمي قريش الذي يحوي إتهاما واضحا للشيخين بتحريف القرآن لأن فيه ( … وعصيا رسولك وقلبا دينك وحرفا كتابك )، فهم أيضا من الذين يعتقدون بتحريف القرآن، وإن كانوا لم يصرحوا به؛ وهؤلاء هم:

    ـ محسن الحكيم.

    ـ أبو القاسم الخوئي، وسنرى كيف يتلون هذا الرجل في كلماته.

    ـ روح الله الخميني.

    ـ الحاج محمود الحسيني الشاهدوري.

    ـ الحاج محمد كاظم شريعتمداري.

    ـ العلامة الدكتور علي تقي التقوى.

    ملاحظة:

    الذين عددناهم من الفقرة ( 1-56) هم جميعا ذكرهم الحسين النوري الطبرسي في كتابه فصل الخطاب، ولسنا نحن نتهمهم بالتحريف.

    ولو كان من علماء أهل السنة من يقول أو يعتقد بوقوع التحريف في كتاب الله لسارع الحسين النوري الطبرسي بذكر أسمائهم، لأنه جعل نسخ التلاوة وبقاء الحكم من أنواع القول بالتحريف، فكيف لو ظفر بتصريح واحد من علماء أهل السنة بالتحريف!





    «« توقيع ابو غسان »»

  9. #9
    عضو
    الحالة : ابو غسان غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 5223
    تاريخ التسجيل : Nov 2009
    الجنـس : رجل
    المشاركات : 3,177
    المذهب : سني
    التقييم : 52

     

     

    افتراضي


    القائلون من علماء الشيعة بسلامة القرآن من التحريف

    قال الحسين النوري الطبرسي في المقدمة الثالثة حول آراء علماء الشيعة في وقوع التحريف من عدمه: ( الثاني: عدم وقوع التغيير والنقصان فيه، وأن جميع ما نزل على رسول الله هو الموجود بأيدي الناس فيما بين الدفتين، وإليه ذهب:

    1. الصدوق في عقائده.

    2. والسيد المرتضى.

    3. وشيخ الطائفة الطوسي في ( التبيان ). ولم يُعرف من القدماء موافق لهم.

    4. والشيخ أبو علي الطبرسي في مجمع البيان.

    ثم بدأ النوري الطبرسي يفند معتقد هؤلاء الأربعة من خلال أقوالهم ونقولاتهم الكثيرة لأخبار التحريف.

    وإليك عزيزي القارئ بعض ما قاله بشأن هؤلاء الذين لا يقولون بالتحريف بنصه وحروفه:

    قال: ( قلت: قد عد هو ( أي المرتضى ) في الشافي والشيخ في تلخيصه من مطاعن عثمان ومن عظيم ما أقدم عليه: جمع الناس على قراءة زيد وإحراقه المصاحف وإبطاله ما شك أنه من القرآن، ولو لا جواز كون بعض ما أبطله أو جميعه من القرآن لما كان ذلك طعنا).

    وقال أيضا: ( إن ميله ( أي الشيخ الطوسي ) إلى القول بعدم النقصان لعدم وجود دليل صالح على النقصان؛ لا لوجود دليل قاطع على العدم).

    وقال أيضا: ( ثم لا يخفى على المتأمل في كتاب التبيان أن طريقته فيه على نهاية المداراة والمماشاة مع المخالفين).

    ثم خلص إلى القول: ( إن الطوسي معذور ـ أي في إنكاره لتحريف القرآن ـ لقلة تتبعه الناشئ من قلة الكتب عنده).

    ومن ثم بدأ الكاتب بسرد ما رواه الصدوق من أخبار التحريف، ليثبت أنه وإن أنكر تحريف القرآن بالقول، إلا أن كثرة ما نقله في كتبه من أخبار التحريف، دليل على إعتقاده بوقوع التحريف في القرآن، فقال ما نصه: ( ومنها ما رواه الصدوق في العقايد وإبن شهر آشوب في المناقب: أن أمير المؤمنين جمع القرآن فلما جاء به فقال: هذا كتاب ربكم كما أنزل على نبيكم لم يزد فيه حرف ولم ينقص منه حرف، فقالوا: لا حاجة لنا فيه، عندنا قرآن مثل الذي عندك، فانصرف وهو يقول: ] فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ [[آل عمران : 187].

    ونقل النوري عن الشيخ الصدوق في ثواب الأعمال ( عن عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله قال: ( من كان كثير القراءة لسورة الأحزاب كان يوم القيامة في جوار محمد وأزواجه، ثم قال: سورة الأحزاب فيها فضائح الرجال والنساء من قريش وغيرهم، يابن سنان إن سورة الأحزاب فضحت نساء قريش من العرب، وكانت أطول من البقرة، ولكن نقصوها وحرفوها).

    ونقل عن ( الصدوق في بشارة الشيعة على ما في تفسير البرهان للسيد المحدث التوبلي، ورواه الشيخ شرف الدين النجفي في تأويل الآيات عن الصدوق، أن أبا الحسن الرضا قرأ الآية: { فيومئذ لا يسأل عن ذنبه ـ منكم ـ إنس ولا جان }.

    فقلت له: ليس فيها ـ منكم .

    قال: إن أول من غيرها ـ إبن أروى([45]) ـ وذلك إنها حجة عليه وعلى أصحابه، ولو لم يكن فيها ـ منكم ـ لسقط عقاب الله عز وجل عن خلقه، إذ لم يسأل عن ذنبه إنس ولا جان، فلمن يعافب الله إذا يوم القيامة!).

    ونقل عن ( الشيخ الطوسي في المصباح في دعاء قنوت الوتر: اللهم ألعن الرؤساء والقادة والأتباع من الأولين والآخرين الذين صدّوا عن سبيلك، اللهم أنزل بهم بأسك ونقمتك فإنهم ندبوا على رسولك وبّلوا نعمتك، وأفسدوا عبادك، وحرفوا كتابك، وغيروا سنة نبيك … الدعاء ).

    ونقل أيضا عن ( الصدوق في الخصال عن جابر عن النبي قال: يجيء يوم القيامة ثلاثة يشكون: المصحف والمسجد والعترة، يقول المصحف: يا رب حرفوني ومزقوني … ).ونقل النوري أيضا ما قاله المحقق النحرير الشيخ أسد الله الكاظمي في كشف القناع في جملة كلام له: ( وبالجملة فأمر الصدوق مضطرب جدا ولا يحصلا من فتواه غالبا علم ولا ظن كما يحصل من فتاوى أساطين المتأخرين، وكذلك الحال في تصحيحه وترجيحه ).

    وأترك التعليق للقارئ الكريم، بما يفهمه من قول النوري.





    «« توقيع ابو غسان »»

  10. #10
    عضو
    الحالة : ابو غسان غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 5223
    تاريخ التسجيل : Nov 2009
    الجنـس : رجل
    المشاركات : 3,177
    المذهب : سني
    التقييم : 52

     

     

    افتراضي


    الحائرون من علماء الشيعة بين القول بالتحريف وعدمه

    قلت: وهناك قسم ثالث من علماء الشيعة ـ لم يتطرق النوري الطبرسي لذكرهم ـ وهم من المتأخرين عنه، وهم الذين دافعوا عن سلامة هذا القرآن من التحريف، ولكنهم وقفوا حائرين أمام الكم الهائل من روايات التحريف الموجودة في التراث الشيعي والتي يقول عنها النوري الطبرسي في فصل الخطاب: إنها بلغت أكثر من ألفي رواية([46]).

    وجود هذا الكم الهائل ليس من السهولة تجاهلها، فهم حائرون في الجمع بين سلامة القرآن وبين هذه الروايات، لاسيما أن بعضها ليس فيها مطعن من جهة السند، لذلك فقد حار هؤلاء ووقعوا في تناقضات كثيرة.

    فهم بين أمرين أحلاهما مر، بين القول بتحريف القرآن بما يحمله من العار في الدنيا والنار يوم القيامة، وبين كثرة الروايات، إذ الطعن فيها طعن يستوجب الطعن في أخبار الإمامية من الأساس.

    ومن أمثلة هؤلاء الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطا حيث قال: ( فلابد من تنزيل تلك الأخبار، إما على النقص من الكلمات المخلوقة قبل النزول إلى السماء الدنيا، أو بعد النزول إليها قبل النزول إلى الأرض، أو على نقص المعنى في تفسيره. والذي يقوي نظر القاصر التنزيل على أن النقص بعد النزول إلى الأرض فيكون القرآن قسمين: قسم قرأه النبي على الناس وكتبوه بينهم وقام به الإعجاز؛ وقسم أخفاه ولم يظهر عليه سوى أمير المؤمنين ثم منه إلى باقي الأئمة الطاهرين، وهو الآن محفوظ عند صاحب الزمان جعلت فداه)([47]).

    قلت: قليلا من التمعن في هذا الكلام يظهر لك العجائب:

    ـ فما معنى نقص القرآن قبل النزول إلى السماء الدنيا؟

    ـ ومن الذي أخبر أن هذا القرآن قبل نزوله كان مشتملا على كذا وكذا؟

    ـ وما معنى أن يكتم النبي شيئا من القرآن أو التنزيل؟

    ـ ثم ما معنى أن يكون الباقي محفوظا عند صاحب الزمان، وهو لن يخرج ـ على فرض وجوده ـ إلا في الأيام الأخيرة من عمر الدنيا، فما فائدته بالنسبة لنا ولمن قبلنا؟

    فالشيخ آل كاشف الغطا بقي أسير الروايات، لا يستطيع أن ينفيها لكثرتها، ولا يستطيع أن يقول بأن القرآن الذي بين أيدينا محرف، وهذا إسقاط لدينه الذي يدين الله تعالى به، فتخبط ولم يوفق في التعبير والتوفيق بين المتناقضين.

    وكذلك فعل شيخهم الخوئي، فإنه هو الآخر أراد أن يدافع عن شيعته ويدفع عنهم شناعة القول بتحريف القرآن، فقال: ( إن حديث تحريف القرآن حديث خرافة وخيال، لا يقول به إلا من ضعف عقله، أو من لم يتأمل في أطرافه حق التأمل، أو من ألجأه إليه يجب القول به. والحب يعمي ويصم، وأما العاقل المنصف المتدبر فلا يشك في بطلانه وخرافته )([48]).

    إلا أنه لم يستطع أن ينفي هذا الكم الهائل من الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت في مصادر الشيعة، فألقى القول بالتحريف على أهل البيت، ولكنه عاد ليجد له تفسيرا لعله يحل الإشكال، ولكنه لم يُوَفّق: ( إلا أن كثرة الروايات تورث القطع بصدور بعضها عن المعصومين عليهم السلام ولا أقل من الاطمئنان بذلك، وفيها ما روي بطريق معتبر فلا حاجة بنا إلى التكلم في سند كل رواية بخصوصها)([49]).

    فهو الآخر كما ترى لم يحالفه الحظ في التوفيق بين نفي القول بتحريف القرآن عن طائفته، وبين كثرة الروايات الصادرة عن أئمة أهل البيت في هذا الشأن، فاعترف أن بعض الروايات قد جاءت بطريق وسند معتبر لا مطعن فيها، وقطع بصدور بعضها من الأئمة.

    ثم عاد ليثبت وجود مصحف لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب يغاير هذا المصحف في ترتيب السور، وإشتماله على زيادات أسقطت منه.

    ثم عاد مرة أخرى وعلى غرار ما فعله سلفه النوري الطبرسي، ليلقي بتهمة التحريف على أهل السنة، واعتبر قولهم بنسخ التلاوة وبقاء الحكم نوعا من أنواع التحريف.

    ولنا عودة على كلام الخوئي في مكان آخر من هذا البحث فإنه فصل القول في التحريف وأطال الكلام فيه في تفسير البيان.

    المقصود من التحريف تحريف الكلمات لا تحريف التأويل

    عندما رأى بعض علماء الشيعة خطورة القول بوقوع التحريف في كتاب الله تعالى وخطورة نتائجه على الدين والشريعة الإسلامية، لاسيما أمام أعداء الدين من اليهود والنصارى والمستشرقين الذين حاولوا وما زالوا يحاولون التشكيك في سلامة القرآن الكريم من التحريف لكونه المصدر الوحيد الذي حفظ الله تعالى به دين الإسلام على مر الأزمان والعصور، فهو المنهج والمعجزة الأبدية التي عجز البلغاء مجاراته وتحدى الله تعالى عالمي إنسه وجنه على أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا وخابوا، قال تعالى: ] قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [[الإسراء : 88]. فعند ذلك أرادوا التخلص من سلطان الروايات الكثيرة، فمالوا إلى القول بأن المراد من التحريف في الروايات هو تحريف المعنى لا تحريف الكلمات توفيقا بين نفي التحريف عقلا وورودها في روايات كثيرة في التراث الشيعي.

    إلا أن شيخهم النوري الطبرسي أعنانا عن التكلف في الرد على من يدعي أن المراد بأخبار التحريف الوارد عن الأئمة والعلماء هو تحريف المعنى لا النص، فقال ما نصه:

    ( أولاً: أنه خلاف ظاهر لفظ التحريف والتبديل. ثانياً: إنه غير قابل للضبط لكثرته وإختلافه بإختلاف الآراء والأفهام، والأخبار الموضوعة والأهواء المشتتة، فلا يكاد يدخل تحت حد قابل لضبطه، بل في الحقيقة هو محتاج لتفسير تمام القرآن، إذ ما من آية إلا وقد خالف بعضهم مدلولها كما أشار إليه بعض المحققين مع أنه قد ذكر لبعض مصنفي تلك الكتب كتاب التفسير أيضا. وثالثا: إنه قد وصل إلينا منها كتاب السياري وهو مقصور على ذكر المواضع المغيرة منه بأنحاء التغيير الجائز فيه خصوصا نقصان الكلمة والكلمتين؛ فيعلم منه حال باقيه، وليس فيه ما يوهم الحمل المذكور).

    رابعا: قال وهو يرد على قول المفيد: ( وقد يسمى تأويل القرآن قرآنا؛ قال الله تعالى: ] وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا [[طه : 114]. فسمى تأويل القرآن قرآنا، وهذا ما ليس فيه بين أهل التفسير إختلاف).

    قال الطبرسي: ( وهذا الكلام بمكان من الوهن، أما أولاً: فلأن مجرد إستعمال لفظ القرآن في مورد في تأويل ما نزل إعجازا لا يصح حمل لفظه فيما ورد في سقوط بعض ما فيه، وإلا لم يبق لأصالة الحقيقة مورد يمكن إجرائها فيه، إذ ما من لفظ إلا وقد أستعمل في معنى مجازي له في مورد أو أزيد مع أنه لا رابط في المقام بين الموردين ولا جامع قريب لهما حتى يصير سببا للشك في حمله على معنى حقيقي فضلا عن صرفه عنه. وأما ثانياً: فلأن في الآية وجهين آخرين كليهما أظهر مما ذكره: الأول: على ما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره: قال ( كان رسول الله إذا أنزل عليه القرآن بادر بقراءته قبل تمام نزول الآية والمعنى؛ فأنزل الله عز وجل: ] وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ … [ أي يفرغ من قراءته … .

    وأما ثالثا: فلأن ما ذكره من التفسير خروج عن ظاهر الآية من غير قرينة تصرفها عنه من خبر معتبر، أو إجماع، أو عقل قطعي. وكلها منتفية، وإن نسبه إلى المفسرين؛ إذ لم أجد له قائلا فضلا من إطباقهم.

    وأما رابعا: فبعد لزوم ما ذكره بعد تسليم صحته إستعمال لفظ القرآن في تأويله، وإنما هو تصرف في متعلق التعجيل وتعيين لبعض وجوهه، فإن التعجيل بالقرآن يحصل تارة بتعجيل قراءته في نفسه، وأخرى بتعجيل في تأديته إلى غيره … ) أهـ.

    خامساً: بعد أن أورد أخبارا كثيرة معتبرة صريحة ـ حسب زعمه ـ في وقوع السقط ودخول النقصان في الموجود من القرآن، قال: ( لابد لنا من حمل التحريف في تلك الأخبار على التحريف اللفظي والتغيير الصوري، لا التحريف المعنوي لقرائن كثيرة:

    ـ منها أن الفاء المذكورة في تلك الأخبار من السقط والمحو وغيرها صريحة في المطلوب، فتكون قرينة لحمل التحريف عليه أيضا لوحدة سياق تلك الأخبار مع ما ورد من أخبارهم يفسر بعضها بعضا([50]).

    ـ منها: ذكره مع بعض الألفاظ المذكورة، كقوله : ( لعن الله من أسقطه وبدله وحرفه )، وقوله: ( حرفوه وبدلوه ) وقوعه بيانا له كقوله: ( مُحي من كتاب الله ألف حرف وحرف بألف درهم )، ويظهر منه حال غيره بالتقريب.

    ـ ومنها: تمثيله للآيات المحرفة بما غيرت صورتها وحذف حرف أو كلمة منها، كما في خبر النعماني والشيباني.

    ـ منها: إنّا لم نعثر على التحريف المعنوي الذي فعله الخلفاء الذين نسب إليهم التحريف في تلك الأخبار في آية أو أكثر وتفسيرهم لها بغير ما أراد الله تعالى منها. ولو وجد ذلك لكان في غاية القلة، وإنما شاع التحريف المعنوي والتفسير بالرأي والأهواء في الطبقات المتأخرة عنهم من المفسرين الذين عاصروا الأئمة عليهم السلام، كقتادة والضحاك والكلبي ومقاتل … .

    ـ منها: قلة إطلاق التحريف على تغيير المعنى في مقام بيانه مع ذكره بغيره من الألفاظ، كالنهي عنه في أخبار كثيرة … .

    ـ منها: ما مرّ من تشبيه تحريف المنافقين بتحريف اليهود والنصارى. ومرّ أن تحريفهم كان تحريفا لفظيا كما هو صريح القرآن في مواضع كثيرة، إلى غير ذلك من القرائن التي يجدها المتأمل المنصف).

    إنتهى كلام النوري الطبرسي في الرد على من يقول أن المراد بالتحريف هو تحريف المعنى لا تحريف اللفظ.

    قلت: ولا مزيد على هذا الكلام.





    «« توقيع ابو غسان »»

إمامة الشيعة وأثرها على القرآن الكريم إعتقاداً وقرءةً وتفسيراً

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. القرآن الكريم يهدم دين الشيعة
    بواسطة ابو غسان في المنتدى قسم وثائق تكشف حقيقة الرافضة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-15-2016, 04:14 PM
  2. القرآن الكريم يقر بإمامة المهاجرين والأنصار ويهمل إمامة أئمة الرافضة
    بواسطة سلمان أبو سيف في المنتدى حوار هادف مع المخالفين لأهل السنة والجماعة
    مشاركات: 34
    آخر مشاركة: 11-22-2011, 05:06 AM
  3. الشيعة ومنهجهم في تفسير القرآن الكريم
    بواسطة ابو غسان في المنتدى حوار هادف مع المخالفين لأهل السنة والجماعة
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 01-20-2011, 08:29 PM
  4. حال الشيعة مع القرأن الكريم
    بواسطة ناقل أخبار المنتديات الشقيقة في المنتدى منتديات المواقع الشقيقة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-08-2010, 10:10 PM
  5. مثال على تحريف الشيعة لمعاني ألفاظ القرآن الكريم
    بواسطة ناقل أخبار المنتديات الشقيقة في المنتدى منتديات المواقع الشقيقة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-22-2009, 05:31 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

إمامة الشيعة وأثرها على القرآن الكريم إعتقاداً وقرءةً وتفسيراً

إمامة الشيعة وأثرها على القرآن الكريم  إعتقاداً وقرءةً وتفسيراً