التحذير من القول في القرآن بغير علم
خطر القول في القرآن بغير علم
يجب على المسلمين عامة وعلى طلاب علم التفسير خاصّة أن يحذروا أشدّ الحذر من القول في القرآن بغير علم، فإنّ المتكلم في معاني القرآن إنما يتكلم في بيان مراد الله تعالى بكلامه؛ فإن تكلّم في التفسير بما لا علم له به؛ فقد كذب على الله، وقال عليه ما لا يعلم، وقفا ما ليس له به علم؛ وهذه ذنوب عظيمة، وآثام كبيرة يجرّها على نفسه، ويضلّ بها الناس عن هدى الله؛ فيحمل من أوزار الذين يضلّهم بغير علم إلى وزره، وقد اشتدّ الوعيد على من فعل ذلك في نصوص الكتاب والسنّة:
فقال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)}
فقرن القول عليه بغير علم بالشرك والبغي والفواحش.
وقال تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144) }
واللام في {ليضل} فُسّرت بالتعليل وبالعاقبة، فالمتكلّم في التفسير بغير علم واقع في المحذور حقيقة أو حكماً؛ لأن ما يقوله من القول الباطل على الله يصدّ عن مراد الله ويضلّ الناس عن الهدى، وهو بهذا العمل القبيح ظالم لهم وظالم لنفسه، وهو أشدّ ظلماً وأشنع جرماً ممن يضلّ الأعمى عن الطريق؛ لإنّ إضلال الأعمى عن الطريق إنما قصاراه أن يهلك به الأعمى في الدنيا أو تصيبه آفة في جسده وأمّا الذي يضلّ بسبب القائل في كتاب الله ودينه بغير علم فمصيبته في دينه، وهي أعظم المصائب؛ لأنها قد تدخله النار أو تكون سبباً في عذاب أليم يصيبه في الدنيا أو باباً لشرّ أعظم وفتنة أشدّ؛ وكم من مفتون بفهم خاطئ ارتكب بسبب فهمه جريمة وهو يظنّ أنه يتقرّب بها إلى الله.
وقال تعالى: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18)}.
وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117)}.
وقال تعالى: { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)}
وقال تعالى: {وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ}.
تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من القول في القرآن بغير علم
والمتكلمون في القرآن بغير علم لا بدّ أن يقع في كلامهم اختلاف وتناقض بسبب مجانبتهم للحق قولاً وعملاً، والأهواء تولع بأصحابها وتحملهم على المراء والخصام، والتفرّق والاختلاف، وسلوك سبل الهلاك، وقد اشتدّ تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من كلّ ذلك، ونهى عنه أشدّ النهي، وكان يرى عليه الغضب إذا رأى شيئاً من الاختلاف في القرآن، والقول فيه بغير علم، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم في هذا الباب أحاديث عدة.
1. فقال أبو عمران الجوني: كتب إليَّ عبد الله بن رباح الأنصاري أن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: هَجَّرْت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، قال: فسمع أصواتَ رجلين اختلفا في آية، فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعْرَفُ في وجهه الغضب، فقال: «إنما هلك من كان قبلكم باختلافهم في الكتاب» رواه أحمد في مسنده، ومسلم في صحيحه، والنسائي في السنن الكبرى، وغيرهم.
- وفي رواية في مسند الإمام أحمد أيضاً من طريقين عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن نفرا كانوا جلوسا بباب النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: ألم يقل الله كذا وكذا؟! وقال بعضهم: ألم يقل الله كذا وكذا؟!
فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فخرج كأنما فقئ في وجهه حب الرمان فقال: ((بهذا أُمرتم - أو بهذا بعثتم أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض، إنما ضلت الأمم قبلكم في مثل هذا، إنكم لستم مما هاهنا في شيء انظروا الذي أُمرتم به فاعملوا به، والذي نهيتم عنه فانتهوا)).
- وفي رواية في فضائل القرآن لأبي عبيد القاسم بن سلام من طريقين عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الغداة، فتنحَّى ناس من أصحابه في بعض حُجَر أزواجه يقرأون القرآن؛ فتنازعوا في شيء منه، وأنا منتبذ عنهم؛ فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مُغضباً؛ فقال: « إن القرآن يصدّق بعضه بعضا؛ فلا تكذبوا بعضه ببعض، ما علمتم منه فاقبلوه، وما لم تعلموا منه فكلوه إلى عالمه»
قال عبد الله بن عمرو: (فما اغتبطت نفسي بشيء اغتباطي بانتباذي عنهم إذ لم تصبني عُتبى رسول الله صلى الله عليه وسلم).
2. وقال محمد بن بشر: حدثنا حجاج بن دينار الواسطي، عن أبي غالب البصري، عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يتنازعون في القرآن؛ فغضب غضباً شديداً حتى كأنما صب على وجهه الخلّ، ثم قال صلى الله عليه وسلم:(( لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض؛ فإنَّه ما ضلَّ قوم قطّ [بعد هدى كانوا عليه] إلا أوتوا الجدل))، ثم تلا: {ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون}. رواه ابن جرير في تفسيره بهذا السياق، وقد رواه ابن ماجة من هذا الطريق مقتصراً على المرفوع وما بين المعكوفين منه، ورواه كذلك الإمام أحمد والترمذي والطبراني والبيهقي في شعب الإيمان كلهم من طرق عن حجاج بن دينار به من غير ذكر سبب الحديث.
قال الترمذي: (هذا حديث حسن صحيح إنما نعرفه من حديث حجاج بن دينار وحجاج ثقة مقارب الحديث، وأبو غالب اسمه: حَزَوَّر)ا.هـ.
ورواه ابن جرير أيضاً والآجري في الشريعة من طريقين عن القاسم بن عبد الرحمن الشامي، عن أبي أمامة قال: بينما نحن نتذاكر عند باب رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، ينزع هذا بآية وهذا بآية؛ فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأنما صُبَّ على وجهه الخل، فقال: «يا هؤلاء، لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض، فإنه لم تضل أمة إلا أوتوا الجدل»
والقاسم بن عبد الرحمن الشامي يُضعَّف في الحديث.
3. وقال بسر بن سعيد مولى ابن الحضرمي: حدثني أبو جهيم الأنصاري رضي الله عنه أن رجلين اختلفا في آية من القرآن، فقال هذا: تلقيتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال الآخر: تلقيتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فسألا النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((القرآن يقرأ على سبعة أحرف؛ فلا تماروا في القرآن، فإن مراء في القرآن كفر)). رواه أحمد وأبو عبيد في فضائل القرآن والطحاوي في شرح مشكل الآثار والبغوي في شرح السنة وغيرهم.
وقد روي في التحذير من المراء في القرآن أحاديث عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم: عبد الله بن عمرو بن العاص وزيد بن ثابت، وأبو هريرة رضي الله عنهم أجمعين.
4. وقال عبد الله بن أبي مليكة: حدثني القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وما يعلم تأويله إلا الله، والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا، وما يذكر إلا أولو الألباب} قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم» رواه أحمد والبخاري ومسلم وغيرهم.
ورواه ابن ماجه من طريق ابن أبي مليكة عن عائشة، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « يا عائشة! إذا رأيتم الذين يجادلون فيه فَهُم الذين عناهم الله؛ فاحذروهم ».
قال الترمذي: (وقد سمع [ابن أبي مليكة] من عائشة أيضاً).
5. وقال ابن جريج: أخبرني ابن أبي مليكة، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن أبغض الرجال إلى الله الألدّ الخصِم ». رواه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وغيرهم.
تنبيه:
وقد اشتهر في هذا الباب حديثان فيهما مقال من جهة الإسناد، ومن أهل العلم من حسّنهما واحتجّ بهما:
أحدهما:حديث عبد الأعلى بن عامر الثعلبي، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من قال في القرآن بغير علمٍ فليتبوّأ مقعده من النّار» رواه أحمد والترمذي والنسائي في السنن الكبرى وابن جرير وغيرهم، ومداره على عبد الأعلى الثعلبي، وهو غير متّهم بالكذب، لكنّه مُضَعَّف عند أهل الحديث، ضعَّفه عبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل وأبو زرعة الرازي.
قال أبو زرعة: ( ربما رفع الحديث وربما وقفه)، وقال النسائي: (ليس بالقوي، ويكتب حديثه).
وهذا الحديث لا يُعرف إلا من طريقه، وقد اختلفت ألفاظه، ولعله حدث به مراراً.
وهذا الحديث صححه الترمذي، واحتجّ به إسحاق بن راهوية، وجماعة من أهل العلم.
ورواه ابن أبي شيبة من طريق وكيع عن عبد الأعلى موقوفاً على ابن عباس.
ورواه أبو يعلى من طريق أبي عوانة، عن عبد الأعلى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من سئل عن علم فكتمه جاء يوم القيامة ملجما بلجام من نار، ومن قال في القرآن بغير علم جاء يوم القيامة ملجما بلجام من نار ».
وقد صححه ابن حجر في المطالب العالية، وعلته باقية، وهي تفرّد عبد الأعلى الثعلبي به.
والآخر: حديث يعقوب بن إسحاق الحضرمي المقرئ قال: حدثنا سهيل بن مهران أخي حَزْم القطعي، حدثنا أبو عمران الجوني، عن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من قال في كتاب الله برأيه فأصاب فقد أخطأ». رواه الترمذي والنسائي في الكبرى والبيهقي في شعب الإيمان.
وهذا الحديث مداره على سهيل بن مهران، وقد قال فيه يحيى بن معين: صالح، وقال البخاري: (لا يتابع في حديثه، يتكلمون فيه) وقال أبو حاتم الرازي: (ليس بالقوي، يكتب حديثه).
وقد تكلّم جماعة من أهل العلم في معنى هذا الحديث بما يتّبيّن به أنّ المراد ذمّ القول بالرأي المجرّد من غير دليل ولا وجه في الاستدلال يصحّ الاجتهاد فيه.
- فقال أبو عيسى الترمذي: (رُوي عن بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أنهم شددوا في هذا في أن يفسر القرآن بغير علم، وأما الذي روي عن مجاهد وقتادة وغيرهما من أهل العلم أنهم فسروا القرآن؛ فليس الظن بهم أنهم قالوا في القرآن أو فسروه بغير علم أو من قِبَل أنفسهم، وقد رُوي عنهم ما يدلّ على ما قلنا، أنهم لم يقولوا من قبل أنفسهم بغير علم)ا.هـ.
- وقال البيهقي في شعب الإيمان: (إنما أراد - و الله أعلم - الرأي الذي يغلب على القلب من غير دليل قام عليه؛ فمثل هذا الرأي لا يجوز الحكم به في النوازل؛ فكذلك لا يجوز تفسير القرآن به، وأما الرأي الذي يسنده برهان؛ فالحكم به في النوازل جائز وكذلك تفسير القرآن به جائز)ا.ه.
- وقال ابن الأنباري: (حمل بعض أهل العلم هذا الحديث على أن الرأي معني به الهوى، من قال في القرآن قولا يوافق هواه، لم يأخذه عن أئمة السلف؛ فأصاب فقد أخطأ، لحكمه على القرآن بما لا يعرف أصله، ولا يقف على مذاهب أهل الأثر والنقل فيه). ذكره الخطيب البغدادي في كتاب "الفقيه والمتفقه".
- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فمن قال في القرآن برأيه؛ فقد تكلَّف ما لا علم له به، وسلك غير ما أُمر به؛ فلو أنَّه أصاب المعنى في نفس الأمر لكان قد أخطأ؛ لأنه لم يأت الأمر من بابه كمن حكم بين الناس على جهل فهو في النار وإن وافق حكمه الصواب في نفس الأمر؛ لكن يكون أخف جرما ممن أخطأ والله أعلم).ا.هـ.
- وقال ابن القيّم: (الرأي نوعان:
أحدهما: رأي مجرد لا دليل عليه، بل هو خرص وتخمين...
والثاني: رأي مستند إلى استدلال واستنباط من النص وحده أو من نص آخر معه، فهذا من ألطف فهم النصوص وأدقه)ا.هـ مختصراً.
تحذير الصحابة رضي الله عنهم من القول في القرآن بغير علم
وقد عقلَ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الوصايا النبوية الجليلة؛ فكانوا أشدّ الناس تعظيماً لكلام الله جلّ وعلا؛ وأحسنهم اتّباعاً لهداه، وأشدّهم حذراً من المراء في القرآن، والقول فيه بغير علم، وأبعدهم عن الاعتماد في فهمه وتفسيره على الرأي المجرّد والهوى، وأبصرهم بعاقبة المخالفين للهدي النبوي في هذا الأمر العظيم، وأعظمهم نصحاً للأمة في التحذير مما حُذّروا منه، وقد روي عنهم من الآثار في هذا الباب ما يدلّ دلالة بيّنة على ذلك، ومن تلك الآثار:
1. ما روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم من طرق متعددة يشدّ بعضها بعضاً أنّه سُئل عن آية من كتاب الله عز وجل فقال: « أيَّة أرض تقلني، أو أيَّة سماء تظلني، أو أين أذهب، وكيف أصنع إذا أنا قلت في آية من كتاب الله بغير ما أراد الله بها؟! ». رواه سعيد بن منصور في سننه من طريق ابن أبي مليكة عن أبي بكر، وهو وإن لم يلقه إلا أنّ هذه المقولة قد رويت عن أبي بكر من طرق أخرى:
- فقال الشعبي: كان أبو بكرٍ يقول: «أي سماءٍ تظلني، وأي أرضٍ تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم » رواه ابن أبي شيبة.
- وقال يحيى بن سعيد الأنصاري: قال أبو بكر الصديق: « أي أرض تقلني، وأي سماء تظلني، إذا قلت على الله ما لا أعلم » رواه مالك في الموطأ.
- ورواه أيضا ابن جرير الطبري من طريق إبراهيم النخعي عن أبي معمر الأزدي - وهو تابعي ثقة - عن أبي بكر.
فهذا الأثر رواه جماعة من ثقات التابعين عن أبي بكر رضي الله عنه.
2. وقال الزهري: حدثني أنس بن مالك، قال: قرأ عمر بن الخطاب: {فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا} فقال: كل هذا قد علمنا به فما الأب؟ ثم قال: هذا لعمر الله التكلف، اتبعوا ما بين لكم من هذا الكتاب، وما أشكل عليكم فكلوه إلى عالمه). رواه الطبراني في مسند الشاميين بهذا اللفظ، وأصله في صحيح البخاري.
3. وقال العوام بن حوشب: حدثنا إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله التميمي قال: خلا عمر ذات يوم فجعل يحدث نفسه كيف تختلف هذه الأمة ونبيها واحد؟ فأرسل إلى ابن عباس فقال: «كيف تختلف هذه الأمة ونبيها واحد؛ وقبلتها واحدة؟»
فقال ابن عباس: «يا أمير المؤمنين، إنا أنزل علينا القرآن فقرأناه، وعلمنا فيم نزل، وإنه سيكون بعدنا أقوام يقرأون القرآن ولا يدرون فيم نزل، فيكون لهم فيه رأي، فإذا كان لهم فيه رأي اختلفوا، فإذا اختلفوا اقتتلوا».
قال: فزبره عمر وانتهره، فانصرف ابن عباس، ونظر عمر فيما قال فعرفه، فأرسل إليه، فقال: «أعد علي ما قلت»
فأعاده عليه، فعرف عمر قوله وأعجبه). رواه أبو عبيد في فضائل القرآن، وسعيد بن منصور في سننه، والبيهقي في شعب الإيمان، والخطيب البغدادي في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، ورجاله ثقات إلا أنّه أعلّ بالانقطاع بين إبراهيم وعمر، ولعلّه سمعه من ابن عباس.
وقد روى عبد الرزاق في مصنفه نحو هذا الخبر من طريق علي بن بَذِيمة الجزري، عن يزيد بن الأصم العامري، عن ابن عباس، قال: قدم على عمر رجل، فجعل عمر يسأله عن الناس، فقال: يا أمير المؤمنين، قد قرأ منهم القرآن كذا وكذا، فقال ابن عباس: فقلت: والله ما أحب أن يتسارعوا يومهم هذا في القرآن هذه المسارعة!
قال: فزبرني عمر ثم قال: «مه»
قال: فانطلقت إلى أهلي مكتئبا حزينا، فقلت: قد كنت نزلت من هذا الرجل منزلة، فلا أراني إلا قد سقطت من نفسه.
قال: فرجعت إلى منزلي، فاضطجعت على فراشي حتى عادني نسوة أهلي وما بي وجع، وما هو إلا الذي تقبَّلني به عمر!
قال: فبينا أنا على ذلك أتاني رجل فقال: أجب أمير المؤمنين.
قال: خرجت فإذا هو قائم ينتظرني.
قال: فأخذ بيدي ثم خلا بي، فقال: «ما الذي كرهت مما قال الرجل آنفا؟»
قال: فقلت: يا أمير المؤمنين إن كنت أسأت، فإني أستغفر الله وأتوب إليه، وأنزل حيث أحببت.
قال: «لتحدّثني بالذي كرهت مما قال الرجل»
فقلت: يا أمير المؤمنين متى ما تسارعوا هذه المسارعة يحيفوا، ومتى ما يحيفوا يختصموا، ومتى ما يختصموا يختلفوا، ومتى ما يختلفوا يقتتلوا.
فقال عمر: «لله أبوك، لقد كنت أكاتمها الناس حتى جئت بها»
وقد علّقه الإمام أحمد في رسالته إلى المتوكّل.
وهذا الخبر رجاله ثقات، وإسناده متّصل، ويزيد بن الأصمّ هو ابن خالة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
4. وروى مجالد بن سعيد عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (القرآن كلام الله؛ فمن قال فليعلم ما يقول؛ فإنما يقول على الله عزَّ وجلَّ). رواه البيهقي في شعب الإيمان، وفي رواية أخرجها في كتاب الأسماء والصفات له: «إن القرآن كلام الله تعالى؛ فمن كذب على القرآن فإنما يكذب على الله عز وجل ».
5. وروى إسماعيل بن أبي خالد، عن زبيد اليامي قال: قال عبد الله بن مسعود: « إن للقرآن منارا كمنار الطريق؛ فما عرفتم منه فتمسكوا به، وما شُبّه عليكم فكلوه إلى عالمه » رواه أبو عبيد والمستغفري في فضائل القرآن.
6. وروى شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن معاذ بن جبل أنه قال: (إن للقرآن منارا كمنار الطريق لا يكاد يخفى على أحد، فما عرفتم فتمسّكوا به، وما أشكل عليكم فكلوه إلى عالمه). رواه وكيع في الزهد، وأبو داوود في الزهد، والطبراني في الأوسط، وأبو نعيم في الحلية، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله.
7. وروى إسماعيل بن أبي خالد، عن حكيم بن جابر الأحمسي، قال: قال حذيفة: « إن أقرأ الناس المنافق الذي لا يدع واوا ، ولا ألفاً، يلفت كما تلفت البقر ألسنتها، لا يجاوز ترقوته » رواه ابن شيبة في مصنفه، والفريابي في "صفة النفاق"، ولفظه: « إن من أقرأ الناس المنافق الذي لا يترك واوا ولا ألفا يلفته كما تلفت البقرةُ الخلا بلسانها ».
8. وقال يعقوب بن إبراهيم: حدثنا ابن عُلَيَّة، عن أيوب، عن ابن أبي مُلَيْكَة؛ أن ابن عباس سئل عن آية لو سئل عنها بعضكم لقال فيها، فأبى أن يقول فيها). رواه ابن جرير.
9. وقال ابن جريج: أخبرنا عبد الله ابن أبي مليكة قال: دخلت أنا وعبد الله بن فيروز مولى عثمان بن عفان على عبد الله بن عباس ؛ فقال له ابن فيروز: يا ابن عباس ، قول الله: {يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة} الآية.
فقال ابن عباس: من أنت؟
قال: أنا عبد الله بن فيروز مولى عثمان بن عفان.
فقال ابن عباس: {يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون}.
فقال له ابن فيروز: أسألك يا ابن عباس.
فقال ابن عباس: «أياماً سماها الله تعالى لا أدري ما هي، أكره أن أقول فيها ما لا أعلم»
قال ابن أبي مليكة: فضرب الدهر حتى دخلتُ على سعيد بن المسيب فسُئل عنها فلم يدر ما يقول فيها.
قال: فقلت له: ألا أخبرك ما حضرتُ من ابن عباس؟ فأخبرته؛ فقال ابن المسيب للسائل: (هذا ابن عباس قد اتَّقى أن يقول فيها وهو أعلم مني). رواه عبد الرزاق في تفسيره، ورواه أبو عبيد في فضائل القرآن من طريق أيوب عن ابن أبي مليكة بلفظ مقارب.
10. وروى عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: « لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض، فإن ذلك يوقع الشك في قلوبكم ». رواه أبو عبيد في فضائل القرآن وابن أبي شيبة في مصنفه من طريقين عنه.
المفضلات