تفسير ابن كثير
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ
وقوله " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله " لما أخبر عن المنافقين بصفاتهم الذميمة ذكر صفات المؤمنين الحميدة فقال " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله" قال ابن عباس وأنس وسعيد بن المسيب وأبو عثمان النهدي وعكرمة وجماعة نزلت في صهيب بن سنان الرومي وذلك أنه لما أسلم بمكة وأراد الهجرة منعه الناس أن يهاجر بماله وإن أحب أن يتجرد منه ويهاجر فعل فتخلص منهم وأعطاهم ماله فأنزل الله فيه هذه الآية فتلقاه عمر بن الخطاب وجماعة إلى طرف الحرة فقالوا له ربح البيع فقال وأنتم فلا أخسر الله تجارتكم وما ذاك فأخبروه أن الله أنزل هذه الآية . ويروى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له " ربح البيع صهيب " قال ابن مردويه : حدثنا محمد بن إبراهيم حدثنا محمد بن عبد الله بن رستة حدثنا سليمان بن داود حدثنا جعفر بن سليمان الضبي حدثنا عوف عن أبي عثمان النهدي عن صهيب قال : لما أردت الهجرة من مكة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت لي قريش يا صهيب قدمت إلينا ولا مال لك وتخرج أنت ومالك والله لا يكون ذلك أبدا فقلت لهم أرأيتم إن دفعت إليكم مالي تخلون عني ؟ قالوا نعم فدفعت إليهم مالي فخلوا عني فخرجت حتى قدمت المدينة فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال " ربح صهيب ربح صهيب" مرتين وقال حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب قال : أقبل صهيب مهاجرا نحو النبي - صلى الله عليه وسلم - فاتبعه نفر من قريش فنزل عن راحلته وأنثل ما في كنانته ثم قال : يا معشر قريش قد علمتم أني من أرماكم رجلا وأنتم والله لا تصلون إلي حتى أرمي بكل سهم في كنانتي ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شيء ثم افعلوا ما شئتم وإن شئتم دللتكم على مالي وقنيتي بمكة وخليتم سبيلي قالوا نعم فلما قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - قال " ربح البيع " قال ونزلت " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد" وأما الأكثرون فحملوا ذلك على أنها نزلت في كل مجاهد في سبيل الله كما قال تعالى " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله ؟ فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم " ولما حمل هشام بن عامر بين الصفين أنكر عليه بعض الناس فرد عليهم عمر بن الخطاب وأبو هريرة وغيرهما وتلوا هذه الآية " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد" .
http://quran.al-islam.com/Tafseer/DispTafsser.asp?nType=1&bm=&nSeg=0&l=arb&nSora=2&n Aya=207&taf=KATHEER&tashkeel=0
-------------------------------
تفسير الطبري
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ
القول في تأويل قوله تعالى : { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله } يعني جل ثناؤه : ومن الناس من يبيع نفسه بما وعد الله المجاهدين في سبيله وابتاع به أنفسهم بقوله : { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة } 9 111 وقد دللنا على أن معنى شرى باع في غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته . وأما قوله : { ابتغاء مرضات الله } فإنه يعني أن هذا الشاري يشري إذا اشترى طلب مرضاة الله . ونصب " ابتغاء " بقوله " يشري " , فكأنه قال . ومن الناس من يشري من أجل ابتغاء مرضاة الله , ثم ترك " من أجل " وعمل فيه الفعل . وقد زعم بعض أهل العربية أنه نصب ذلك على الفعل على يشري كأنه قال : لابتغاء مرضاة الله , فلما نزع اللام عمل الفعل . قال : ومثله : { حذر الموت } 2 19 وقال الشاعر وهو حاتم : وأغفر عوراء الكريم ادخاره وأعرض عن قول اللئيم تكرما وقال : لما أذهب اللام أعمل فيه الفعل . وقال بعضهم : أيما مصدر وضع موضع الشرط وموضع " أن " فتحسن فيها الباء واللام , فتقول : أتيتك من خوف الشر , ولخوف الشر , وبأن خفت الشر ; فالصفة غير معلومة , فحذفت وأقيم المصدر مقامها . قال : ولو كانت الصفة حرفا واحدا بعينه لم يجز حذفها كما غير جائز لمن قال : فعلت هذا لك ولفلان , أن يسقط اللام . ثم اختلف أهل التأويل فيمن نزلت هذه الآية فيه ومن عني بها , فقال بعضهم : نزلت في المهاجرين والأنصار , وعني بها المجاهدون في سبيل الله . ذكر من قال ذلك : 3173 - حدثنا الحسين بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله : { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله } قال : المهاجرون والأنصار . وقال بعضهم : نزلت في رجال من المهاجرين بأعيانهم . ذكر من قال ذلك : 3174 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , عن عكرمة : { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله } قال : نزلت في صهيب بن سنان وأبي ذر الغفاري جندب بن السكن ; أخذ أهل أبي ذر أبا ذر , فانفلت منهم , فقدم على النبي صلى الله عليه وسلم , فلما رجع مهاجرا عرضوا له , وكانوا بمر الظهران , فانفلت أيضا حتى قدم على النبي عليه الصلاة والسلام . وأما صهيب فأخذه أهله , فافتدى منهم بماله , ثم خرج مهاجرا فأدركه منقذ بن عمير بن جدعان , فخرج له مما بقي من ماله , وخلى سبيله . 3175 - حدثنا عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع قوله : { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله } الآية , قال : كان رجل من أهل مكة أسلم , فأراد أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ويهاجر إلى المدينة , فمنعوه وحبسوه , فقال لهم : أعطيكم داري ومالي وما كان لي من شيء فخلوا عني فألحق بهذا الرجل ! فأبوا . ثم إن بعضهم قال لهم : خذوا منه ما كان له من شيء وخلوا عنه ! ففعلوا , فأعطاهم داره وماله , ثم خرج ; فأنزل الله عز وجل على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة : { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله } الآية ; فلما دنا من المدينة تلقاه عمر في رجال , فقال له عمر : ربح البيع , قال : وبيعك فلا يخسر , قال : وما ذاك ؟ قال : أنزل فيك كذا وكذا . وقال آخرون : بل عنى بذلك كل شار نفسه في طاعة الله وجهاد في سبيله أو أمر بمعروف . ذكر من قال ذلك : 3176 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا حسين بن الحسن أبو عبد الله , قال : ثنا أبو عون , عن محمد , قال : حمل هشام بن عامر على الصف حتى خرقه , فقالوا : ألقى بيده , فقال أبو هريرة : { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله } 3177 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا مصعب بن المقدام , قال : ثنا إسرائيل , عن طارق بن عبد الرحمن , عن قيس بن أبي حازم , عن المغيرة , قال : بعث عمر جيشا فحاصروا أهل حصن , وتقدم رجل من بجيلة , فقاتل , فقتل , فأكثر الناس فيه يقولون : ألقى بيده إلى التهلكة . قال : فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه , فقال : كذبوا , أليس الله عز وجل يقول : { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد } ؟ 3178 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا أبو داود , قال : ثنا هشام , عن قتادة , قال : حمل هشام بن عامر على الصف حتى شقه , فقال أبو هريرة : { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله } 3179 - حدثنا سوار بن عبد الله العنبري , قال : ثنا عبد الرحمن بن مهدي , قال : ثنا حزام بن أبي حزم , قال : سمعت الحسن قرأ : { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد } أتدرون فيم أنزلت ؟ نزلت في أن المسلم لقي الكافر فقال له : قل لا إله إلا الله , فإذا قلتها عصمت دمك ومالك إلا بحقهما . فأبى أن يقولها , فقال المسلم : والله لأشرين نفسي لله . فتقدم فقاتل حتى قتل . 3180 - حدثني أحمد بن حازم , قال : ثنا أبو نعيم , ثنا زياد بن أبي مسلم , عن أبي الخليل , قال : سمع عمر إنسانا قرأ هذه الآية : { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله } قال : استرجع عمر فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون , قام رجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فقتل . والذي هو أولى بظاهر هذه الآية من التأويل , ما روي عن عمر بن الخطاب وعن علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهم , من أن يكون عنى بها الأمر بالمعروف والناهي عن المنكر . وذلك أن الله جل ثناؤه وصف صفة فريقين : أحدهما منافق يقول بلسانه خلاف ما في نفسه وإذا اقتدر على معصية الله ركبها وإذا لم يقتدر رامها وإذا نهي أخذته العزة بالإثم بما هو به إثم , والآخر منهما بائع نفسه طالب من الله رضا الله . فكان الظاهر من التأويل أن الفريق الموصوف بأنه شرى نفسه لله وطلب رضاه , إنما شراها للوثوب بالفريق الفاجر طلب رضا الله . فهذا هو الأغلب الأظهر من تأويل الآية . وأما ما روي من نزول الآية في أمر صهيب , فإن ذلك غير مستنكر , إذ كان غير مدفوع جواز نزول آية من عند الله على رسوله صلى الله عليه وسلم بسبب من الأسباب , والمعني بها كل من شمله ظاهرها . فالصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله عز وجل وصف شاربا نفسه ابتغاء مرضاته , فكل من باع نفسه في طاعته حتى قتل فيها أو استقتل وإن لم يقتل , فمعني بقوله : { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله } في جهاد عدو المسلمين كان ذلك منه أو في أمر بمعروف أو نهي عن منكر .
http://quran.al-islam.com/Tafseer/Di...ora=2&nAya=207
---------------------------------
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ
ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله " " ابتغاء " نصب على المفعول من أجله . ولما ذكر صنيع المنافقين ذكر بعده صنيع المؤمنين . قيل :
نزلت في صهيب فإنه أقبل مهاجرا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعه نفر من قريش , فنزل عن راحلته , وانتثل ما في كنانته , وأخذ قوسه , وقال : لقد علمتم أني من أرماكم , وايم الله لا تصلون إلي حتى أرمي بما في كنانتي , ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شيء , ثم افعلوا ما شئتم . فقالوا : لا نتركك تذهب عنا غنيا وقد جئتنا صعلوكا , ولكن دلنا على مالك بمكة ونخلي عنك , وعاهدوه على ذلك ففعل , فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم نزلت : " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله " الآية , فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ربح البيع أبا يحيى ) , وتلا عليه الآية , أخرجه رزين , وقاله سعيد بن المسيب رضي الله عنهما . وقال المفسرون : أخذ المشركون صهيبا فعذبوه , فقال لهم صهيب : إني شيخ كبير , لا يضركم أمنكم كنت أم من غيركم , فهل لكم أن تأخذوا مالي وتذروني وديني ؟ ففعلوا ذلك , وكان شرط عليه راحلة ونفقة , فخرج إلى المدينة فتلقاه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ورجال , فقال له أبو بكر : ربح بيعك أبا يحيى . فقال له صهيب : وبيعك فلا يخسر , فما ذاك ؟ فقال : أنزل الله فيك كذا , وقرأ عليه الآية . وقال الحسن : أتدرون فيمن نزلت هذه الآية , نزلت في المسلم لقي الكافر فقال له : قل لا إله إلا الله , فإذا قلتها عصمت مالك ونفسك , فأبى أن يقولها , فقال المسلم : والله لأشرين نفسي لله , فتقدم فقاتل حتى قتل . وقيل : نزلت فيمن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر , وعلى ذلك تأولها عمر وعلي وابن عباس رضي الله عنهم , قال علي وابن عباس : ( اقتتل الرجلان , أي قال المغير للمفسد : اتق الله , فأبى المفسد وأخذته العزة , فشرى المغير نفسه من الله وقاتله فاقتتلا ) . وقال أبو الخليل : سمع عمر بن الخطاب إنسانا يقرأ هذه الآية , فقال عمر : ( إنا لله وإنا إليه راجعون , قام رجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فقتل ) . وقيل : إن عمر سمع ابن عباس يقول : ( اقتتل الرجلان عند قراءة القارئ هذه الآية ) , فسأل عما قال ففسر له هذا التفسير , فقال له عمر , ( لله تلادك يا ابن عباس ) ! وقيل : نزلت فيمن يقتحم القتال . حمل هشام بن عامر على الصف في القسطنطينية فقاتل حتى قتل , فقرأ أبو هريرة : "ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله " , ومثله عن أبي أيوب . وقيل : نزلت في شهداء غزوة الرجيع . وقال قتادة : هم المهاجرون والأنصار . وقيل : نزلت في علي رضي الله عنه حين تركه النبي صلى الله عليه وسلم على فراشه ليلة خرج إلى الغار , على ما يأتي بيانه في " براءة " إن شاء الله تعالى . وقيل : الآية عامة , تتناول كل مجاهد في سبيل الله , أو مستشهد في ذاته أو مغير منكر . وقد تقدم حكم من حمل على الصف , ويأتي ذكر المغير للمنكر وشروطه وأحكامه في " آل عمران " إن شاء الله تعالى . و " يشري " معناه يبيع , ومنه " وشروه بثمن بخس " [ يوسف : 20 ] أي باعوه , وأصله الاستبدال , ومنه قوله تعالى : " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة " [ التوبة : 111 ] . ومنه قول الشاعر : وإن كان ريب الدهر أمضاك في الألى شروا هذه الدنيا بجناته الخلد وقال آخر : وشريت بردا ليتني من بعد برد كنت هامه البرد هنا اسم غلام . وقال آخر : يعطى بها ثمنا فيمنعها ويقول صاحبها ألا فأشر وبيع النفس هنا هو بذلها لأوامر الله . " ابتغاء " مفعول من أجله . ووقف الكسائي على " مرضات " بالتاء , والباقون بالهاء . قال أبو علي : وقف الكسائي بالتاء إما على لغة من يقول : طلحت وعلقمت , ومنه قول الشاعر : بل جوزتيهاء كظهر الحجفت وإما أنه لما كان هذا المضاف إليه في ضمن اللفظة ولا بد أثبت التاء كما ثبتت في الوصل ليعلم أن المضاف إليه مراد . والمرضاة الرضا , يقال : رضي يرضى رضا ومرضاة . وحكى قوم أنه يقال : شرى بمعنى اشترى , ويحتاج إلى هذا من تأول الآية في صهيب , لأنه اشترى نفسه بماله ولم يبعها , اللهم إلا أن يقال : إن عرض صهيب على قتالهم بيع لنفسه من الله . فيستقيم اللفظ على معنى باع .
http://quran.al-islam.com/Tafseer/Di...ora=2&nAya=207
------------------
الآية في صهيب نزلت
ليست في علي
أيكفيك هذا
المفضلات